القاهرة:«الخليج» لا يزال الغرب ينظر إلى نفسه باعتباره «الجنس الأبيض المتميز»، وأن بقية الشعوب فريسة مستباحة، وبات يخشى مسيرة التاريخ، بعد أن بدأت الشعوب المستضعفة تحتل مكانتها على الساحة العالمية، ويحاول الغرب، بما يمارسه من قوة وغطرسة، وما يروجه من فكر زائف، أن يواصل إحكام قبضته على فكر، وعقل، وعمل هذه الشعوب، ولهذا لم يكن غريباً أن يطلق زعيم إفريقي في مؤتمر مناهضة العنصرية المنعقد في ديربان بجنوب إفريقيا عام 2001 صيحة مدوية ويعلن: «لنحرر عقولنا، ليس مطلبنا حرية سياسية واقتصادية فحسب، بل حرية فكر وعقل وفعل».ويأتي هذا النداء حلقة متصلة مع نداء الشعوب المقهورة والمستعمرة، في مستهل حقبة نهاية الاستعمار في منتصف القرن العشرين، إذ بدأ مع هذا التاريخ تيار جديد باتساع العالم كله يحمل عبارة «ما بعد الاستعمار»، وشارك في هذا التيار مفكرون أحرار من أبناء الغرب، يرفضون ويدينون سياسة وفكر الغرب ضد الشعوب الأخرى، ورأوا في هذا امتهاناً لحقوق الإنسان، وانتهاكاً لمبادئ التنوير (الحرية - الإخاء - المساواة) ويدعون إلى أن تكون مبادئ للإنسانية جمعاء، وليست للإنسان الأبيض وحده، ووقف هؤلاء المفكرون يدعمون ويعضدون مفكري شعوب الجنوب، ويؤكد الجميع عدم الثقة بما يفرزه الغرب من فكر، لذلك كانت الدعوة والصيحة المدوية: «لنحرر عقولنا وفكرنا من إسار الغرب».ويمثل «توماس سي روبرتسون» مؤلف كتاب «الحضارة الغربية.. الفكرة والتاريخ» واحداً من أبرز مفكري ذلك التيار الحر والمتحرر، وتمثل مؤلفاته ومؤلفات مجموعة أخرى من كبار المفكرين في الولايات المتحدة جهداً فكرياً وعلمياً متميزاً، لكشف زيف فكر المركزية الغربية، والتصدي له وبيان أنه فكر ذرائعي مناقض لحقائق التاريخ، وإنما استهدف تزييف وعي الشعوب وتيسير سبل الهيمنة، ويبدو هذا واضحاً من العنوان الأصلي للكتاب وهو «اختلاق فكرة الحضارة الغربية».يعرض الكتاب تاريخ نشأة فكرة الحضارة عن الغرب، وكيف أن الغرب اختلق الفكرة، بهدف تأكيد التمايز بينه كجنس أبيض متحضر، وبين بقية العالم كأجناس وأعراق برابرة وهمج.
مشاركة :