كل الاحترام والتقدير للأهل الكرام من فلسطينيين وبحرينيين والإخوة العرب المهتمين بقضيتنا المقدسة، الذين كانوا -حين اللقاء مصادفة- يحثونني على العودة إلى الكتابة في صحيفتنا الغراء «أخبار الخليج»، ويقولون لي هذا هو وقتك فلا تبتعد، والحقيقة أنني كنت في استراحة المتأمل المراقب للأحداث والمتفاعل معها داخليا، وأعدكم بالإطلالة الدائمة بإذن الله مع كل حدث مهم. في صبيحة يوم الخميس الموافق 19 يوليو 2018م أقر الكنيسيت الإسرائيلي بالقرائتين الثانية والثالثة وثيقة القانون الأساسي «إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي»، وفيها تحدد البلد كدولة يهودية حصرا والقدس الموحدة عاصمة للدولة اليهودية والعبرية هي اللغة الرسمية، ولا يشير القانون إلى الحق في المساواة. تشكل هذا القانون من 11 مادة كلها مستمدة من العقيدة اليهودية والأيديولوجيا الصهيونية بكل ما فيهما من تشويه للتاريخ وتزييف للحقائق وانتهاك واضح وصريح للقانون والشرعية الدولية، وسيكون هذا القانون مرجعية لكل الحكومات الإسرائيلية ومشرعنا لكل سلوك عنصري استعماري! لم يكن المشرع الصهيوني ليفكر في هذا القانون لولا إدراكه بأهمية اللحظة وبريقها، فالمجتمع الإسرائيلي يجنح بسرعة فائقة نحو اليمين المتطرف الفاشي، وهناك موقف أمريكي غير مسبوق داعم بتهور للدولة الصهيونية باعترافه بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقله السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، لا بل تهديده لدول العالم بنقل سفاراتها الى القدس، والتهديد بإغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، وتجميد الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتقليص الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا تمهيدا لإيقافه نهائيا، ما حدا بالوكالة إلى تسريح آلاف الموظفين الفلسطينيين! وشكل عجز الأمم المتحدة حينما يتعلق الأمر بإسرائيل عاملا مساعدا لإقرار الكنيست هذا القرار وبهذه الصيغة، ولم يكن ليغري المشرع الصهيوني أكثر من الوضع العربي الراهن الممزق، فلا نملك الحد الأدنى من التضامن ولا يوجد توافق على أي من القضايا المصيرية المهمة ولم تعد فلسطين القضية المركزية عند البعض ولا المهمة عند البعض الآخر! ولا أعفي أنفسنا -نحن الفلسطينيين- من انقسام بغيض له عقد من الزمان وعام هتك نسيجنا الاجتماعي وفصلنا جغرافيا وأضعفنا سياسيا وماض في تدمير مشروعنا الوطني الجامع لصالح مشاريع إقليمية تسوق لها دول طامحة للعب أي دور على حساب قضيتنا الوطنية، قضيتنا سياسية، ولن تحل بميناء عائم ولا بانسيابية السلع ولا بمطار في دولة شقيقة مجاورة ولا بمحطة توليد للكهرباء، فهذه حقوق أساسية لأي مواطن في أي دولة! هناك مخاطر كثيرة لهذا القانون العنصري، فهو يعتبر اليهودية قومية وليس دينا، وفي هذا تكريس ليهودية الدولة ونسف للرواية الفلسطينية، وفي هذا تزوير للتاريخ وإدارة الظهر لقرارات الأمم المتحدة، وهذا القرار يسمح بلم الشتات لليهود فقط؛ أي عودتهم إلى إسرائيل متى أرادوا، ويشرعن القرار الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة ويدعو القرار لحق تقرير المصير لليهود فقط، ويقر بأرض إسرائيل التوراتية وليس كما جاء في إعلان الاستقلال عام 1948م، وفي هذا إعطاء الحق للدولة بالتوسع والتمدد على حساب العرب! لقد بلغت أمتنا العربية حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن والتمزق والهوان، فلم يعد هناك قضية مقدسة تجمعنا ولا أهداف مشتركة نسعى سويا لتحقيقها، ولكنها أمة حية لا تموت، وما يجري اليوم هو المخاض الأليم الذي يسبق الميلاد العظيم لهذه الأمة.
مشاركة :