إحالة أوراق قيادات إسلامية إلى المفتي تكتب نهاية عصر المواءمات

  • 8/1/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قرار إحالة أوراق قيادات كبيرة في تنظيم الإخوان إلى مفتي جمهورية مصر يعكس حالة حسم لمشهد الصراع بين الدولة ومؤسساتها من جهة، والتنظيمات المسلحة والسرية وتيار الإسلام الحركي من الجهة المقابلة، إذ يبدو أن الدولة أخذت قرارها في طي صفحة دامت عقودا ولم تنتج غير العنف والإرهاب والاغتيالات.. ويحدث هذا أمام جملة من التوجسات المتعلقة بردات فعل الجماعات الإرهابية المسلحة. القاهرة – أكد قرار إحالة أوراق قيادات كبيرة في تيار الإسلام السياسي إلى مفتي جمهورية مصر، السبت، عمق التحول في أيديولوجية القاهرة التي انتهجت منهج المواءمات مع الجماعات الإسلامية لسنوات طويلة، وأوضح أن هناك رغبة في استبدالها برؤية أكثر شمولية، بعدما رأت أن سبيل دحر الإرهاب يبدأ بقطع رؤوس الأفاعي، وأن مهادنتهم لن تكون مجدية. وبدد القرار تقديرات سابقة ذهبت إلى عدم قدرة النظام المصري على المضي قدما في تطويق واستهداف التيار الإسلامي، واستندت إلى عدم تنفيذ أحكام الإعدام التي صدرت بحق قيادات إخوانية. يسجل قرار إحالة 75 متهما ينتمون إلى جماعة الإخوان وتنظيمات جهادية أخرى تمهيدا للحكم بالإعدام الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة، تطورا مهما، هو الأكثر إثارة للجدل منذ قرار عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو 2013 في الوقت الحالي، والأشد بترا منذ إعدام القيادي الإخواني سيد قطب منتصف الستينات من القرن الماضي. تكمن أهمية القرار في أن معظم من شملهم احتلوا الصفوف الأولى في تنظيمات الإسلام السياسي في الصراع الدائر بين الحكومة المصرية والجماعات الجهادية، وكشف عن الاتجاه نحو دحر جميع المتطرفين ليكونوا عبرة لآخرين فروا أو عزموا على ارتكاب جرائم مستقبلية. رغم حالة القلق التي انتابت خبراء بشأن أن الأحكام العنيفة تولد ردود فعل أكثر عنفا، ويمكن أن تؤدي إلى موجة من الهجمات الإرهابية الجديدة، إلا أن البعض من المراقبين يرون النقيض، لأن سبب تكرار العنف ومعاودة ارتكاب نسخ لاحقة من العمليات الإرهابية، يعود إلى التساهل مع القيادات الإسلامية، وهي المسؤولة عن القتل فعليا. ويعزز تلك الحجة أنه على مر العقود الماضية شكلت المرونة الظاهرة مع مرتكبي الجرائم السياسية حلقة ضعف وأفضت إلى المزيد من العنف. وأشهر تلك الجرائم مقتل القاضي الخازندار على يد الجناح المسلح للإخوان عام 1948، ولم يعاقب وقتها سوى منفذ الجريمة. منحت هذه النوعية من التراكمات قادة الجماعة ومنظريها جرأة على إعادة الكرّة مرارا، فمن شاركوا في قتل القاضي قديما قام أحفادهم بالتخطيط لقتل النائب العام المستشار هشام بركات في العام 2015، وحاولوا اغتيال قضاة آخرين، ومن خرجوا معافين من قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر 1981 حاولوا مرات عدة قتل خلفه حسني مبارك. وذكر قادة سابقون في الجماعة الإسلامية بعد مراجعاتهم الفكرية، أنهم كانوا يعتبرون نجاح عملية اغتيال سياسي مرجعية لهم، إذا نجحت عملية ما جعلوها دليلا أمام الأتباع على كونهم “يسيرون في الطريق الصحيح ومنهجهم هو الأصوب”. على مر العقود الماضية شكلت المرونة الظاهرة مع مرتكبي الجرائم السياسية حلقة ضعف أفضت إلى المزيد من العنف وبقي العنف مجالا للمزايدة وأداة الاستقطاب والتجنيد، فالجماعة الأكثر قدرة على الانتشار والترويج لمنهجها وأفكارها هي صاحبة النصيب الأكبر من الاغتيالات والاعتداءات والقتل. ويملك أغلب القادة الذين حولت أوراقهم إلى المفتي تاريخا طويلا من العنف والجرائم الجنائية، ويمثل عاصم عبدالماجد، أحد الذين صدر ضدهم قرار بالإعدام، نموذجا لمن لهم سجل حافل بالقتل والملوث بالدم، وكان عبدالماجد قتل وحده أكثر من مئة جندي في أحداث محاولة استيلاء على مديرية الأمن بمحافظة أسيوط (جنوب القاهرة) عقب اغتيال السادات. ويأتي قرار المحكمة الأخير المتوقع صدور حكم بات بشأنه بعد حوالي شهرين، ليمثل رادعا قويا لمسيرة الدم التي استمرت وقيادات التنظيمات الإسلامية في محابسها تقضي عقوباتها الجنائية. وكان شخص مثل عبدالماجد، قبل إطلاق ما عرف بمبادرة وقف العنف، يؤلف كتيبات ويعد منشورات التحريض وبيانات التكفير ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وقد يكون القرار بمثابة بداية فعلية وتنفيذا عمليا لقرار حظر الجماعات التي استمدت بقاءها من استمرارية قادتها ومرشديها، باعتبارهم المسؤولين المباشرين عن تأسيس تنظيمات سرية، وأي جريمة يرتكبها عضو صغير في الجماعة. وظل منصب مرشد الجماعة محصنا لا يُمس منذ أن تمنى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان أن يخرج بعد التضييق وملاحقة أعضاء جماعته بأقل الخسائر أملا في ضمان بقائه في المشهد، وأفصح مبكرا عن الخطة البديلة للجماعات من بعده عندما قال “أرغب فقط في أن أفوز في نهاية الرحلة بمئة شاب أربيهم ينتشرون في الأرض يدعون إلى الإسلام ويجادلون عني يوم القيامة“. وكان اغتيال البنا الاستثناء الوحيد، لكن على مر سنوات طويلة ظل قادة الجماعة بعيدين بشكل كبير عن الأحكام الرادعة، واعتمدوا على سياسة التطبيع مع الحكومة عن طريق عقد صفقات سياسية بلغت ذروتها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. كشفت الخطابات التي ألقيت في الاعتصامين حجم العنف الذي يحمله قادة التنظيمات الإسلامية. كسرت أحداث الأعوام الماضية هذه المسلمة، ولم يعد أحد محصنا في واقع مختلف عن زمن ما قبل العام 2011، وبجانب القرار الأخير بإحالة العشرات من كبار قادة الإسلاميين، هناك حكم جديد بالسجن ينتظر المرشد محمد بديع، وقبله مات في السجن أثناء المحاكمة أو التحقيق محمد مهدي عاكف، مرشد الجماعة السابق وعصام دربالة أمير الجماعة الإسلامية. المتغير الرئيسي الذي تطلب هذا التحول الكبير في التعامل مع كبرى الجماعات على الساحة المصرية هو توحدها معا ضد الدولة ومؤسساتها، بعد أن كانت تتبادل الأدوار وتراوح بين العنف والمواءمات السياسية.وراهنت قيادات الإخوان والجماعة الإسلامية على انقسام الجيش، كما ورد على لسان عاصم عبدالماجد في اعترافاته اللاحقة بعد هروبه إلى الخارج، فقد أكد أن الاعتصامات كان هدفها الرئيسي تفكيك جبهة المؤسسة العسكرية والشرطية عن طريق الضغط بحشود شعبية ضخمة. من نقطتي الاعتصام في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر بشمال القاهرة والنهضة في جنوبها وفضهما في أغسطس 2013، صار العمق المصري مكشوفا للعالم. وكشفت الخطابات التي ألقيت في الاعتصامين حجم العنف الذي يحمله قادة التنظيمات الإسلامية. لم يعد هناك مكان الآن للمواءمات وتحصين المرشد والأمراء وقادة الجماعات، فلا حصانة لأحد أمام التوحد الجهادي الحركي، وهذا التحدي الذي غذاه استقواء كل جماعة بشقيقتها، ومن وراء ذلك استقواؤها جميعا بالآلاف من المغرر بهم ومن المخدوعين والطامعين.

مشاركة :