طهران - سجلت العملة الإيرانية سلسلة من الانخفاضات القياسية على مدى الأيام الأخيرة، في حين لم تقلص تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه مستعد لإجراء محادثات مع إيران دون شروط مسبقة، مخاوف البلد من الانزلاق في أزمة اقتصادية حادة مع اقتراب العقوبات الأميركية. وأمام الانخفاض الحاد في سعر العملة الإيرانية قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية مطلع أغسطس الجاري، تحاول الحكومة الإيرانية التنصل من فشلها الاقتصادي بإطلاق حملة على الفساد، حيث اعتقلت العشرات من الأشخاص، فيما تروج داخليا أن هذا التراجع مرده مؤامرة يحوكها الأعداء ضد إيران، في محاولة لتبرير فشلها في إدارة الأزمات وامتصاص غضب الشعب. وخسر الريال الإيراني منذ مطلع العام نحو ثلثي قيمته، وخسر 20 بالمئة من قيمته خلال يومين منذ عطلة نهاية الأسبوع حيث سجل انخفاضا قياسيا وصلت قيمته إلى 119 ألف ريال للدولار، لكنه سجل انتعاشا طفيفا بعد تصريحات ترامب الذي خفف فيها من نبرة التصعيد ضد طهران. ويلقي العديدون باللوم في تهاوي العملة على اقتراب موعد إعادة فرض العقوبات الأميركية في السادس من أغسطس الجاري، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وكذلك على إسراع العديد من الإيرانيين إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار. وأصدر البنك المركزي الاثنين بيانا لم يخرج عن الخط المعتاد معلنا أن الانهيار المفاجئ للعملة الوطنية مرده “مؤامرة الأعداء”. وقد لا يكون ذلك مصدره فقط هوس إيراني بإلقاء اللوم على الخارج، فالولايات المتحدة تشن حملة ضغوط قصوى ضد الحكومة الإيرانية، فيما يلفت مراقبون إلى أن الضغوط الخارجية كانت فعالة إذ كشفت الدرجة العالية من الفساد الإداري المستشري في البلد، والذي يزيد خطورته تورط مسؤولين من الحكومة في قضايا الفساد. ويبدو أن السلطات الإيرانية استشعرت الخطر وانتبهت إلى أن توقيت أزمة العملة يزيد من إرباكها، في الوقت الذي ما زالت البلاد تشهد فيه احتجاجات شعبية ضد الغلاء والبطالة، لذلك اختارت إجراء حملة ضد الفاسدين، وأعلن القضاء نهاية الأسبوع الماضي اعتقال 60 شخصا بتهم الاحتيال ومحاولة تقويض النظام المصرفي. ويتوقع أن تُجرى اعتقالات إضافية. وكشف المتحدث باسم السلطات غلام حسين محسني ايجي أن العديد منهم يرتبطون مباشرة بالحكومة وهو ما سمح لهم على سبيل المثال باستيراد سيارات فاخرة بشكل غير قانوني، ويمكن أن يواجهوا عقوبة الإعدام إذا أدينوا بتهمة “الفساد في الأرض” المعروفة في إيران. مزيار معتمدي: الحكومة الإيرانية تتعامل مع الأزمات حين حدوثها ولا تعمل على الوقاية منهامزيار معتمدي: الحكومة الإيرانية تتعامل مع الأزمات حين حدوثها ولا تعمل على الوقاية منها وتأتي الاعتقالات عقب موجة غضب ضد المتربحين الذين يستغلون علاقاتهم السياسية للحصول على الدولارات بأسعار منخفضة غير حقيقية، وبعد ذلك يتم استخدامها في استيراد السلع بأسعار رخيصة أو بيعها في السوق السوداء لتحقيق أرباح هائلة. وفي خروج كبير عن الممارسات الحكومية المعتادة، قام وزير الاتصالات الشاب محمد جواد ازاري جاهرومي في يونيو الماضي بكشف مجموعة من مستوردي أجهزة الهواتف النقالة كانوا يستغلون النظام، فقد حصلت تلك المجموعة على 250 مليون دولار بأسعار رخيصة لاستيراد الهواتف، بحسب الوزير، “إلا أن أقل من ثلث ذلك المبلغ تم استخدامه لذلك الغرض” ملمحا إلى أنه تم تخزين باقي المبلغ أو بيعه في السوق السوداء. ولقيت خطوة الوزير (36 عاما) شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها واجهت انتقادات من بعض زملائه في الحكومة ومن بينهم وزير الصناعة محمد شريعتمداري الذي قال إن قيامه بأمر مماثل في وزارته سيعني “شن حرب ضد القطاع الخاص”. ومع ذلك أظهرت هذه الخطوة استعدادا جديدا لدى المسؤولين الإيرانيين “لإدخال الشفافية والمحاسبة في النظام”، بحسب اسفانديار باتمانغيليج، مؤسس منتدى أوروبا-إيران للأعمال. وأضاف “نأمل في أن يفهم المزيد من المسؤولين أن هذا هو ما يريده عامة الناس”. أما الأولوية الأخرى فهي إصلاح السياسات الفوضوية التي سهلت التربح في المقام الأول، خاصة القرار الكارثي في أبريل الماضي بتحديد سعر ثابت للدولار هو 42.000 ريال. ولتطبيق هذا القرار أغلقت السلطات محلات صرف العملات وحظرت بيع الدولارات فوق السعر الرسمي وهو ما أدى بدوره إلى طفرة في السوق السوداء. وأُجبرت الحكومة في يونيو على إلغاء القرار وقالت إن السعر الرخيص سيستخدم فقط لشراء سلع أساسية مثل الأدوية، بينما يتم التفاوض على سعر أعلى لشراء السلع الأخرى. وأقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي محافظ البنك المركزي ولي الله سيف، ووعد بتبني سياسات جديدة بشأن العملة “في الأيام المقبلة”. إلا أن روحاني لم يقم بالكثير لمعالجة المشاكل الأعمق، ويتعرض لانتقادات من المحافظين والإصلاحيين بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور. وقال الصحافي الاقتصادي مزيار معتمدي من صحيفة “طهران فاينانشال تريبيون” إن “إيران في أزمة شاملة وهذا هو ما يستقطب كل الاهتمام. لا أحد يتحدث عن إصلاح البنوك والاستثمار واستحداث الوظائف”. وخوفا من تزايد الغضب الشعبي وعودة الاحتجاجات بسبب رفض الكثير من الإيرانيين لسياسات النظام الداخلية والخارجية، تواصل الحكومة تأكيدها على أن كل شيء تحت السيطرة، لكنها لم تقدم حتى الآن سوى وعود غامضة بأنها ستخصص المزيد من الأموال لاستحداث الوظائف وتسليم المزيد من مشاريع البنية التحتية إلى القطاع الخاص. وقال مزيار معتمدي “مجرد قول أشياء إيجابية لا يساعد، الناس لا يصدقون ذلك”. وختم بقوله “الجميع يعلم أن هناك مشاكل هيكلية ووضع اقتصادي صعب ولكن الحكومة تتعامل مع الأزمات حين حدوثها ولا تعمل على التوقّي منها”.
مشاركة :