الأردن يواجه أزماته الداخلية بإلقاء اللوم على الخارج

  • 2/28/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعيش الأردن على وقع أجواء داخلية مشحونة عمقها الفشل الحكومي في إدارة الأزمة الاقتصادية المستفحلة وزادت من لهيبها التسريبات بشأن ثروة العاهل الأردني الملك عبدالثاني في الخارج، إلا أن السلطات الأردنية تستنجد بنظرية المؤامرة في مواجهة ذلك وتتهم منصات خارجية مدعومة داخليا بمحاولة ضرب استقرار المملكة ومعاقبتها على مواقفها من القضايا العربية. وتتساءل أوساط سياسية عما إذا كانت الجهات الخارجية التي تلقي عليها السلطات الأردنية باللوم هي من تدير الأزمة الاقتصادية في الداخل وعما إذا كان النفي المتكرر لامتلاك العاهل الأردني ثروة في الخارج يجد آذانا صاغية. وقال رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز خلال افتتاح جلسة الأحد إن “الأردن يتعرض لحملة شرسة واستهداف منظم من منصات خارجية مختلفة، مدعومة من جهات داخلية، باتت عناوينها وأهدافها معروفة، من أجل إضعاف المملكة ومواقف الملك ودوره المحوري تجاه مختلف قضايا المنطقة وخصوصا من صفقة القرن المشبوهة”. ودعا الفايز إلى “التنبه لهذه الحملات المسعورة والأخبار المفبركة والتصدي لها، والوقوف صفا واحدا في وجه المتربصين والحاقدين، وأن هذه الأكاذيب والأخبار المضللة والبائسة لن تزيد الأردن إلا قوة ومنعة، وسيبقى الأردن عنوانا للأمن والاستقرار، فجميعنا مهما كانت توجهاتنا السياسية، ومواقفنا من مختلف القضايا المحلية والعربية، علينا أن نتوحد في خندق الوطن، ونتصدى لمحاولات الاستهداف الخبيثة، والوقوف خلف الملك، في سعيه المتواصل من أجل الاستقرار والحياة الحرة الكريمة لمواطنيه”. فيصل الفايز: نتعرض لاستهداف من منصات خارجية مدعومة من جهات داخلية وتقول دوائر أردنية إن لجوء السلطة في كل مرة إلى اتهام أطراف خارجية بالتآمر على الاستقرار الداخلي للمملكة لم يعد يجد آذانا صاغية ولم يعد ذا مصداقية لدى الأردنيين الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية المستحكمة وأضرت بمقدرتهم الشرائية ودفعهم بـ53 في المئة من الشباب إلى البطالة. وألهبت التسريبات بشأن ثروة الملك الاحتقان المجتمعي والغليان الشعبي المستمد بالأساس من عجز الحكومة عن التحكم في الأسعار وارتفاع نسبة البطالة وعجز الموازنة والتقليص من الخدمات الاجتماعية. وترى هذه الدوائر أن الحكومة مسؤولة عن ذلك لا من تصفهم بدوائر خارجية، إذ أنها من تضع الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية وهي المكلفة بإيجاد موارد مالية ولوجستية لتلبية احتياجات الأردنيين. وتشير الدوائر إلى أن الأردن مقبل على موجة احتجاجات شعبية شبيهة بالتي حصلت في 2018 واستطاع النظام آنذاك إخمادها بالتعويل على القبضة الأمنية واجترار مصطلحات شبيهة بالتبريرات الحالية، لكن ما كل مرة تسلم الجرة. وجاء في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن ملك الأردن استطاع تهدئة الشارع في أوج الاحتجاجات التي أطاحت بقادة تونس ومصر وليبيا واليمن في 2011 وبعد اندلاع حرب وحشية في سوريا، وكان قادرا على “درء تهديد معارضة ناشئة من خلال قمع المعارضة والوعود بأيام أفضل”. لكن في السنوات العشر التالية تأزم الاقتصاد والأحوال المعيشية للمواطنين فيما كان الملك يتمتع بـ”ثروة ظاهرة”، وعندما وافق صندوق النقد الدولي على مساعدة الأردن مشترطا تقليل الإنفاق الاجتماعي “كان الملك ينقل مبالغ هائلة بين حساباته السويسرية”. وتثير التسريبات تساؤلات متجددة حول مصدر ثروة تحت تصرف الملك في بلد مدعوم سنويا بمليارات الدولارات من المساعدات الخارجية. وأكد الديوان الملكي أن “المساعدات الخارجية تخضع لتدقيق مهني، إذ يتم توثيق أوجه إنفاقها واستخداماتها بشكل كامل من قبل الحكومة ومن قبل الدول والجهات المانحة، بشكل مؤسسي ضمن اتفاقيات تعاون خاضعة لأعلى درجات الرقابة والحوكمة”. وأكد البيان أن ادعاء يربط الأموال في هذه الحسابات بالمال العام أو المساعدات الخارجية “هو افتراء لا أساس له من الصحة، ومحاولة للتشهير وتشويه الحقيقة، واستهداف للملك وسمعة الأردن ومكانته بشكل ممنهج ومستمر منذ أن صدرت تقارير مماثلة تم نشرها العام الماضي تناولت أيضا تسريبات تعود إلى فترات سابقة”. والأربعاء الماضي أعلنت حوالي 90 شخصية أردنية عن تشكيل “لجنة الإنقاذ الوطني”، وذلك بعد اجتماع في منزل الوزير السابق أمجد المجالي الذي انتقل في السنوات الأخيرة إلى جانب المعارضة. ردود فعل اجتماعية غاضبة تلوح في الأفق ردود فعل اجتماعية غاضبة تلوح في الأفق وقالت “لجنة الإنقاذ” في بيانها إنها قررت الدعوة إلى اعتصام مفتوح يوم الرابع والعشرين من مارس على دوار الداخلية، الذي شهد في السابق مظاهرات احتجاجية قبل أن تمنعها أجهزة الأمن نهائيا. كما دعا المجتمعون، وغالبيتهم من أبناء العشائر الأردنية ومنهم نواب ومتقاعدون عسكريون، إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والإفصاح عن ثروة الملك وإعادة الأموال “المنهوبة”. ويعكس إقرار لجنة المالية في البرلمان الأردني مؤخرا باستمرار ارتفاع معدلات الفقر في الأردن سنة 2022 عجز المقاربات الحكومية عن تطويق تداعيات أزمة اقتصادية تضرب المملكة وتهاوت معها القدرة الشرائية للأردنيين الذين خرجوا في احتجاجات مطلبية مؤخرا، ما يثير مخاوف حكومية من هبة اجتماعية وشيكة باتت معالمها تتشكل. وقال مقرر اللجنة سالم الضمور إن “نسبة الفقر بلغت 15.7 في المئة أي ما يقارب 1.069 مليون فرد، وهذه النسبة مرشحة للاستمرار في الارتفاع”. وأكد الضمور أن “معدل البطالة يشكل أهم التحديات التي تواجهنا بعد أن بلغت معدلات البطالة مستويات غير مسبوقة، خاصة في فئة الشباب، وأن الاتجاه نحو إعادة النظر في مسار الإعفاءات الممنوحة للاستثمار وربطها بحوافز تشغيل الأردنيين أصبح ضرورة لمواجهة ارتفاع معدل البطالة”. وذكر تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2021 أن مليون شخص يعانون من نقص التغذية في الأردن. الأردن يعيش على وقع أجواء داخلية مشحونة عمقها الفشل الحكومي في إدارة الأزمة الاقتصادية المستفحلة وأظهر التقرير أن الأردن يعاني من تحديات جدية في تحقيق أهداف القضاء التام على الجوع، والصحة الجيدة والرفاه والتعليم الجيد والصناعة والابتكار والهياكل الأساسية. ويتخوف مراقبون من تداعيات الأوضاع الاقتصادية التي قد تؤجج التوتر الاجتماعي جراء حالة التدهور الحاصلة والتي لا آفاق قريبة لتجاوزها. وتجنّبت الحكومة الأردنية فرض رسوم وضرائب جديدة في موازنة العام 2021، وفي مقابل ذلك ركزت على محاربة التهرب الضريبي والجمركي، في خطوة تعكس خشية من ردود فعل الشارع المتحفز. ويرى محللون أن الحكومة اختارت عدم فرض ضرائب ورسوم جديدة تجنّبا لردود فعل الشارع وخشية من احتجاجات قد تعمّق أزمات المملكة المشحونة اجتماعيا على غرار احتجاجات 2018 التي انتهت باستقالة حكومة رئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي. واندلعت احتجاجات 2018 بدعوة من النقابات المهنية ضد مشروع قانون ضريبة الدخل واستمرت لنحو أسبوع. ويقول متابعون إن المواطن الأردني لم يعد قادرا على تحمل تراجع قدرته الشرائية، وغياب الخطط الحكومية الفعالة لدعمه، فضلا عن قناعته بأن الإجراءات الاجتماعية لدعمه يطغى عليها الطابع الارتجالي ولم تحقق أي نتائج إيجابية، بل على العكس فاقمت من أزماته.

مشاركة :