حوار إسلامي مسيحي يضم نخبة من الشباب

  • 8/3/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

دشن الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين حواراً فكرياً وثقافياً مهماً بين نخبة من الشباب المسلم ينتمون لعدة دول عربية ونخبة من الشباب المسيحي الأوروبي، في محاولة جادة لنشر قيم التسامح والحوار بين الشباب من مختلف الأديان والتوجهات الفكرية والثقافية لتحقيق التواصل والتفاهم بين شباب العالم والقضاء على كل بواعث التعصب الديني، وفتح آفاق جديدة للتعاون والعمل المشترك بين المنتمين للأديان السماوية.وأكدت مشيخة الأزهر أن المنتدى الذي استمر لعشرة أيام (8-18) يوليو/تموز 2018 يأتي في إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب التي أطلق مبادرتها الإمام الأكبر قبل عدة سنوات، ويتعاون على تنفيذها الأزهر ومجلس حكماء المسلمين بهدف مد جسور الحوار والتعاون بين الشرق والغرب، حيث تم الاتفاق خلال جولة الحوار السابقة بين الأزهر وأسقفية كانتربري قبل عامين في أبوظبي، على أن تتولى نخبة من الشباب، أصحاب المبادرات الخلاقة، قيادة الجولة الحالية من الحوار، في محاولة لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى تجاه القضايا المعاصرة، كالمواطنة والسلام ومواجهة الفكر المتطرف.. وأوضحت ضرورة نقل الحوار بين القيادات الدينية إلى الواقع المعيش، وتحديدا إلى الشباب، فالحوار يحتاج أشخاصا قادرين على البذل والنزول إلى الشارع والوصول إلى الناس حيث هم.وشارك في المنتدى الذي استضافته لندن وحمل عنوان «شباب صناع السلام» 25 شابًّا من أوروبا، قامت باختيارهم أسقفيَّة كانتربري بلندن، و25 شابًّا من العالم العربي، قام باختيارهم الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين من عدة دول عربية، مع الحرص على تنوع مشاربهم الدينية والتعليمية والثقافية، بما يعكس ثراء الشرق وتعدد جذوره الفكرية والثقافية.تحدث شيخ الأزهر للشباب المسلم والمسيحي في المنتدى الفكري، مؤكدا ضرورة الالتفاف حول قيم الأديان السماوية، وهي في حقيقتها وجوهرها تجسد كل معاني التسامح وتحض على الحوار والتفاهم وتواجه كل صور التعصب.وأوضح د. الطيب أهمية هذه اللقاءات والحوارات بين الشباب من مختلف الأديان والتوجهات الفكرية والثقافية باعتبارهم صناع المستقبل وقادته، مؤكدا أن القيم الإنسانية والحضارية التي تشع من الأديان السماوية كثيرة ومتنوعة وكفيلة بالقضاء على صور التطرف الديني التي تنطلق من نفوس أشخاص هنا وهناك يفتقدون القيم الحضارية للأديان السماوية.وكان شيخ الأزهر وكبير الأساقفة قد عقدا جلسة حوار مفتوح مع المشاركين في المنتدى، استمعوا في بدايتها لعدد من مبادرات التعايش والسلام التي طرحها الشباب، ثم أجابا عن عدد من أسئلة المشاركين، الذين سعوا للتعرف على آرائهما وخبرتهما تجاه العديد من القضايا والتحديات الراهنة.ورحب د. الطيب بدعوة أحد الشباب الأوروبيين لتعلم اللغة العربية بالأزهر وأكد استعداده لاستضافة من يرغب من الشباب الأوروبي لتعلم العربية في الأزهر، حيث يوجد مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهو مركز ضخم يحقق إنجازات حضارية ويخدم لغة القرآن الكريم ويسهم في نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين غير الناطقين بالعربية. وجهان لعملة واحدة وأوضح شيخ الأزهر أنه لا يتبنى فقط مطالب الشباب المسلم ولا يشعر بهمومه ومشكلاته وحده، لكنه يشعر بالمسؤولية تجاه كل البشر في العالم، وليس المسلمين فقط.. مؤكدا ضرورة العودة إلى القيم الدينية فهذا يعني العودة للقيم الإنسانية.وشدد الطيب خلال حواره مع الشباب على أن الإيمان هو بذرة يولد بها الإنسان، والبيئة المحيطة هي التي تنمي هذه البذرة أو تميتها، معتبرا أن الدين والإنسانية وجهان لعملة واحدة، وكل ما هو إنساني هو ديني، وكل ما هو لا إنساني ليس دينيا، ولذا فإننا عندما نريد إعادة الإنسان إلى القيم الدينية، إنما نعيده للقيم الإنسانية.. لافتا إلى أن «الدين واحد» وإن اختلفت الرسالات، فكل الأنبياء حملوا الدين نفسه، مع اختلاف التشريعات، فنحن كمسلمين نؤمن بمحمد وعيسى وموسى، ولا يكتمل إيماننا إلا بذلك.وقال شيخ الأزهر مخاطبا الشباب المسلم والمسيحي: «أنتم الأمل ونحن جئنا لنسلمكم الشعلة، ولا تنتظروا منا توجيهات وإنما نحن ننتظر منكم خططا وندعمكم لكي يصبح هذا المنتدى نموذجا يحتذى به، ويضم الشرق والغرب».ونصح شيخ الأزهر الشباب بتجنب الحوار في العقائد، مؤكدا أنه لا تحاور في الدين والعقيدة وإنما الحوار في المشتركات والقيم الإنسانية، مثل التسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وليس القوة أو العنف. قضية باطلة كما حذر شيخ الأزهر الشباب من الترهات الفكرية التي تحمّل الأديان السماوية مسؤولية ما نعاني منه من تعصب وتطرف وإرهاب في عالم اليوم، وقال: لا تستمعوا لمن يزعمون أنَّ الأديان الإلهية هي سبب الحروب والكوارث بين الناس، وأنه يجبُ أن نَنفُضَ أيديَنا منها، ونستبدل بها التقدم والتطوُّر العلمي والتِّقني والفني، فهذه قضيةٌ باطلةٌ في نَظرِ المؤمنين بالأديان، والذي أعتقدُه ويعتقدُه كلُّ المؤمنين برسالاتِ الأديان، أن غياب الدين وقيمه وأخلاقه هو السبب الأكبر في شقاء الإنسان المعاصر واضطرابه، وأن حضارتنا المعاصرة فقدت كثيرا مما تحتاجه الإنسانية في مسيرتها اليوم، بل أوشكت أن تصبح حضارة بلا معنى، حين أدارت ظهرها للهَدْيِ الإلهيِّ، حتى أصبح من المؤكد عند كثير من حكماء هذا العصر أن الأخوة الإنسانية أشبه بأمل يستحيل تحقيقُه في هذه الحياة التي تَعُجُّ بالمظالم وبالآفات التي تُعَكِّرُ صَفْوَ العيش وعلاقاتِ التَّعاوُن بين الأفراد والشعوب.وقال: أنتم أيها الشباب إذا حمّلتم الدِّينَ مسؤولية الدِّماء التي أريقت باسمه، فحمِّلُوا حضارتنا الحديثة مسؤولية الدِّماء التي سالت في القرن الماضي في أوروبا وآسيا وإفريقيا، بل مسؤولية الحروب التي اشتعلت مع مطلع هذا القرن ولا تزالُ تشتعل. حوار الأزهر والكنيسة وأعرب كبير أساقفة كانتربري «د. جاستن ويلبي» في بداية الحوار عن سعادته بإنجاز هذه الجولة من الحوار الذي انطلق بين الأزهر والكنيسة الأنجليكانية في العام 2002، أي بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة بعدة أشهر، وقبل نحو عام من احتلال العراق، فيما كانت الانتفاضة مشتعلة في الأراضي الفلسطينية، ولذا فإن الحوار جاء في وقت كانت الأوضاع والتحديات في الشرق الأوسط صعبة للغاية.. مشددا على أن التحديات الآن ليست بأقل صعوبة مما كانت عليه في الماضي، خاصة فيما يتعلق بدور وقدرة القيادات الدينية على التأثير في الجماهير، وكيفية مشاركتها في صنع السلام وبناء عالم جديد، وذلك من خلال التركيز على ما تتضمنه الكتب المقدسة من قيم وتعاليم تحض على السلام والتعايش وقبول الآخر.وشدد د. الطيب على أن الحوار بين الأزهر والكنيسة الأنجليكانية يحتاج للتوقف أمام عدة إشكالات مهمة، وأول هذه الإشكالات غياب الدين عن توجيه الناس، مبينًا أن هذا الغياب بدأ في الغرب ثم أخذ في الانتقال إلى الشرق، وهو يتلخص في «أنسنة الإله وتأليه الإنسان»، حيث ترتب على ذلك شيوع أخلاقيات ترتبط بغرائز الإنسان وليس بروحه، التي ترتبط بالقيم السامية للأديان.وطالب شيخ الأزهر قيادات الأديان بالتصدي للمآسي التي يتعرض لها البشر، والوقوف بجانب الفقراء والمهمشين.وتطرق شيخ الأزهر إلى التجربة المصرية في هذا السياق، حيث أثمر الحوار بين الأزهر والكنيسة، من خلال مبادرة «بيت العائلة المصرية»، التأليف بين المسيحيين والمسلمين، وقطع الطريق على من يريدون العبث بالنسيج الوطني الواحد للشعب المصري.وفي لقاء مع أعضاء المنتدى الإسلامي المسيحي البريطاني، بحضور كبير أساقفة كانتربري أكد شيخ الأزهر ضرورة بذل مزيد من الجهد لإيصال أصوات قادة ودعاة الأديان إلى الناس في مختلف الأماكن ومن جميع الفئات.. مشددا على أن التحدي الذي يواجه رجال الدين، خاصة في الغرب، يتمثل في ضرورة نشر التعاليم والقيم الحقيقية للأديان، وترسيخها في حياة الناس.

مشاركة :