الأزهر والفاتيكان.. أكبر من مجرد حوار إسلامي مسيحي

  • 10/18/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الفاتيكان - جاء في بيان صدر مساء الثلاثاء الماضي، عن دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي أن البابا فرنسيس استقبل عصرا في مقر إقامته في بيت القديسة مارتا بدولة حاضرة الفاتيكان شيخ جامع الأزهر أحمد الطيب وحملت الزيارة طابعا خاصا كما جاء في البيان. ويذكر أن أول لقاء جمع بين البابا فرنسيس والإمام الطيب يعود إلى شهر مايو من العام 2016. وتم التأكيد في تلك المناسبة على الالتزام المشترك بدعم السلام في العالم، وعبّر الطرفان أيضا عن رفضهما للعنف والإرهاب، كما تناولت المباحثات آنذاك أوضاع المسيحيين في سياق الصراعات والتوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط مع التأكيد على أهمية توفير الحماية لهم وخلال زيارته الرسولية إلى مصر في شهر أبريل من العام 2017 شارك البابا فرنسيس في مؤتمر دولي من أجل السلام نظمته جامعة الأزهر. وفي كلمته للمناسبة توجه البابا إلى الإمام الأكبر ودعاه “شقيقه”، مذكرا بأن الحوار بين الأديان ليس استراتيجية ترمي إلى تحقيق مآرب أخرى، بل إنه درب الحقيقة وينبغي السير فيه بصبر كي تتحوّل المنافسة إلى تعاون. وشدد فرنسيس آنذاك أيضا على أن أي شكل من أشكال الحقد باسم الدين يرتكز على تزوير الله وجعله صنما. وأكد أيضا أن السلام وحده مقدّس، و”لا يمكن أن يمارس العنف باسم الله لأن هذا الأمر يدنّس اسمه”. العلاقة بين الأزهر والفاتيكان لم يشبها أي فتور في السنوات القليلة الماضية، بل تسير على وتيرة تعكس رغبة الطرفين في التقارب أكثر، ففي السابع من نوفمبر من العام الماضي أيضا استقبل البابا فرنسيس شيخ جامع الأزهر في مكتبه الخاص الكائن في قاعة البابا بولس السادس بالفاتيكان. وفي العاشر من يناير الفائت بعث فرنسيس برسالة إلى الإمام الطيب للإجابة على دعوة تلقاها للمشاركة في قمة دولية ينظمها الأزهر بشأن مدينة القدس. وفي الرسالة سلط البابا الضوء على ضرورة دعم كل جهد يرمي إلى تغليب التوافق والعدالة والأمن بالنسبة لشعوب تلك الأرض المباركة في جميع الشرائع السماوية. وعبر عن أمله أيضا في أن يُستأنف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كي يتم التوصل إلى حل تفاوضي يقود باتجاه التعايش السلمي بين دولتين تعيشان ضمن حدود يتفق عليها الطرفان وتحظى باعتراف دولي. الحوار بين الأزهر والفاتيكان في السنوات الأخيرة قد بلور مواقف واضحة وحازمة تجاه كثير من المعضلات التي تجابه الإنسان لا سيما في الشرق الأوسط، يشار هنا إلى أن الإمام الطيب كان قد زار إيطاليا للمشاركة في اللقاء السنوي للصلاة من أجل السلام في العالم، والذي نظمته جماعة سانت إيجيديو الكاثوليكية (جمعية للحوار والسلام) في مدينة بولونيا، والتي كان قد قال أحد أبرز مسؤوليها وهو البروفسور أندريا ترنتيني “إن الاندماج الكبير والمباشر لمؤسسة كبيرة بحجم الأزهر وإمامها الأكبر، الذي يعد إحدى أهم القيادات السُنية، في الحوار، أمر إيجابي، لكنه ليس فقط حواراً إسلامياً – مسيحياً، بل حوار بين حضارتين وعالمين يجب عليهما سوياً إعادة اكتشاف لغة تفاهم مشتركة لأن مشكلة الآخر هي معضلة القرن الحادي والعشرين”. ويذكر أن أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، كان قد التقى يوم الثلاثاء الماضي، الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، في قصر الرئاسة في روما، وذلك في إطار زيارته الحالية إلى إيطاليا. وأعرب الطيب، في بداية اللقاء، عن سعادته بزيارة إيطاليا، البلد العريق الذي تربطه بمصر وشعبها علاقات تاريخية وطيدة، على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، وهو ما يعكسه التطور الكبير الذي شهدته علاقات البلدين في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن إيطاليا بما تملكه من تاريخ وثقافة عريقة، شكلت منذ القدم جسرا للتواصل بين جنوب أوروبا ومصر. وأشار إلى أهمية العمل المشترك بين المؤسسات الدينية وقياداتها من أجل تعزيز السلام العالمي، ورفع المعاناة عن الفقراء والمستضعفين، مؤكدًا وجود اتفاق في الرؤى بين الأزهر الشريف والفاتيكان في القضايا الإنسانية، وأن الأمر تجاوز مرحلة اتفاق الرؤى إلى العمل المشترك، معربًا عن اعتزازه بالعلاقة التي تجمعه مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان. ولفت أحمد الطيب إلى أن وجود الدِّين مهم للغاية في حياة البشر؛ لضمان أن تسير الحياة بشكل انسيابي وهادئ، وأن علماء ورجال الدين في حاجة إلى دعم الرؤساء والسياسيين، بما لهم من سلطة وتأثير، من أجل تحقيق السلام المأمول ومواجهة التحديات غير الأخلاقية المعاصرة. من جانبه، أعرب الرئيس الإيطالي عن اعتزازه باستقبال شيخ الأزهر، الذي يمثل رمزًا كبيرًا للسلام والحوار، لافتًا إلى أن العلاقات الأخوية التي تربط أحمد الطيب بالبابا فرنسيس تشكل نموذجًا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين زعماء الأديان، وأن الصورة التي جمعتهما معًا في القاهرة أسقطت الكثير من الحواجز والجدران في نظر العالم، وذلك في ظل ما يعانيه من أوضاع صعبة، مؤكدًا أن التعاون بين الأزهر والفاتيكان قادر على المساهمة بقوة في تعزيز قيم التعايش والحوار، ومواجهة محاولات استخدام الدين كمبرر للعنف في ظل اضطراب المفاهيم لدى البعض. وأشاد الرئيس سيرجيو ماتاريلا بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر في مواجهة أفكار التطرف والعنف، وتعزيز قيم التعايش والحوار، في ضوء ما يملكه الأزهر من حضور وتأثير واسعين بين المسلمين عبر العالم؛ ولما يتصف به منهجه من اعتدال وانفتاح. ويتفق مراقبون على أن الحوار بين الأزهر والفاتيكان في السنوات الأخيرة قد بلور مواقف واضحة وحازمة تجاه كثير من المعضلات التي تجابه الإنسان لا سيما في الشرق الأوسط، حيث لا تزال الحقوق سليبة، الأمر الذي يتبدى بصورة واضحة في القضية الفلسطينية التي جاوزت العقود السبعة، بما فيها من ظلم وغبن للإنسان الفلسطيني، وبعيداً عن التهويمات الضبابية.

مشاركة :