حافظ البرغوثي تحاول الإدارة الأمريكية بكل الوسائل، تسويق وتنفيذ ما تُسميه «صفقة القرن»؛ بعد الصد الفلسطيني العنيد لها؛ إثر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ما اعتبره الجميع اعتداء أمريكياً، وانحيازاً بالكامل للاحتلال، وينزع صفة الوسيط عن الإدارة الأمريكية؛ لأنها باتت شريكاً للاحتلال في العدوان على حقوق الشعب الفلسطيني، وانتهاك القرارات الدولية. وقد تلقى الأمريكيون مؤخراً ما يفيد برفض الدول العربية كمصر والمملكة السعودية والأردن للصفقة، طالما رفضها الفلسطينيون.وكانت الدول العربية الأخرى رفضتها مسبقاً، ورفضت مناقشتها مثل دولة الإمارات والكويت. وإزاء ذلك واصلت الإدارة الأمريكية والكونجرس و«إسرائيل» إجراءات حصار السلطة الفلسطينية مالياً؛ فعمد الكونجرس إلى وقف كل المساعدات الأمريكية للسلطة في غزة والضفة، ما لم تتوقف السلطة عن صرف مخصصات لعائلات الشهداء والأسرى، فيما قررت «إسرائيل» احتجاز مخصصات الأسرى من مستحقات السلطة الفلسطينية من الضرائب والجمارك عن الواردات، التي تجبيها لمصلحة السلطة وفق «اتفاق باريس» المُلحق ب«اتفاق أوسلو».ثم بدأت الإدارة الأمريكية بحجب المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) ضمن بنود «صفقة القرن»، التي تشطب قضية اللاجئين، وتدعو إلى توطينهم حيث هم الآن في انسجام تام مع قانون «القومية اليهودية»، الذي أقرته مؤخراً حكومة الاحتلال و«الكنيست»، والذي يُلغي الوجود الفلسطيني والحقوق الفلسطينية من الأساس. وفي الوقت نفسه، ينشط طاقم المفاوضات الأمريكي، المُكون من جاريد كوشنر والمبعوث جيسون غرينبلات في إقناع بعض الدول العربية والأوروبية، بضرورة دعم مشاريع في غزة؛ لإنهاء الأزمة الإنسانية هناك مع العلم أن الضغط المالي على السلطة يضر بالخدمات الصحية والتربوية في غزة، التي تتولاها السلطة، ووقف المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)؛ يوقف الخدمات، التي تقدمها لثلثي سكان غزة؛ لأنهم لاجئون. فالهدف برز في مشروع قانون اقترحه السيناتور داغ لامبوران في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو مشروع قانون يحتاج إلى حشد عشرة أعضاء آخرين في المجلس، ويتعلق بتقليص المساعدات الأمريكية لوكالة «الأونروا». ويزعم المشروع، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الحالي والمقدر وفقاً لوكالة الغوث ب5.2 مليون لاجئ فلسطيني، توفر الوكالة مساعدات لهم، لا يتعدى الأربعين ألفاً. ويزعم مشروع القانون، أن هذا هو عدد اللاجئين الحقيقي بدون أبناء سلالاتهم. فالكونجرس يواصل تنفيذ «صفقة القرن» بتنسيق تام مع الإدارة الأمريكية وكأنهما في سباق محموم؛ لإرضاء الاحتلال واللوبي اليهودي المهيمن؛ قبل الانتخابات النصفية للكونجرس. وقد أجرى كوشنر ومعاونه غرينبلات سلسلة اتصالات ومباحثات في الشرق الأوسط وأوروبا حول الانتقال إلى البند المخفي في «صفقة القرن» ألا وهو فصل غزة بالكامل عن الضفة؛ تحت مبرر الأزمة الإنسانية، وصولاً إلى هدف منع قيام دولة فلسطينية؛ بل حصرها في دولة غزة فقط. وبالعودة إلى الموقف السياسي «الإسرائيلي» لا نجد أي ذكر لقيام دولة فلسطينية، وحتى برامج الأحزاب خلت من أي ذكر لها، باستثناء «حزب ميرتس» اليساري الصغير. ولم يتحدث أي مسؤول «إسرائيلي» عن إقامة دولة فلسطينية، وآخر من تحدث في هذا السياق هو آرييل شارون، الذي قال بعد انسحابه أُحادياً من غزة، إنه سينسحب أحادياً من الضفة، ويرسم الحدود التي تناسب «إسرائيل» أمنياً واستيطانياً، وما تبقى يكون كياناً للفلسطينيين؛ فليسمّوه «إمبراطورية» أو دولة كما يشاؤون؛ لكننا سنواصل السيطرة الأمنية على الحدود وجسر الأردن والسماء وباطن الأرض. وكان شيمون بيريز في نهاية الفترة الانتقالية ل«اتفاق أوسلو» سنة 1999، توجه إلى غزة، وعرض على ياسر عرفات إقامة دولة في غزة؛ لكن عرفات رفض حتى مناقشة العرض. وهذا المفهوم ذاته، ما تطرحه «صفقة القرن»؛ لذا فإن التركيز على غزة بحجة حل الأزمة الإنسانية، وإنجاز هدنة طويلة له هدف سياسي بحت؛ وهو تكريس الانفصال، وشطب أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية تضم الضفة وغزة أو حتى مجرد حكم ذاتي كما اقترح شارون. hafezbargo@hotmail.com
مشاركة :