كشفت دراسة أُجريت أخيراً أن تحفيز الدماغ غير الغازي، عندما يُشغَّل أثناء النوم، يحسّن أداء الذاكرة في اليوم التالي. هل يعني هذا أننا صرنا قريبين من تحسين مقدراتنا المعرفية ونحن نائمون؟ شكّل التحفيز العميق للدماغ محوراً مثيراً للجدل بين علماء الأعصاب في السنوات الأخيرة. يعود ذلك في المقام الأول إلى أنه أدى إلى علاجات أكثر فاعلية لأعراض داء باركنسون. لكنّ التحفيز العميق للدماغ يشمل إقحام أقطاب عميقاً في الدماغ. ولا شك في أن هذا أمر لا يُستخف به، سواء كنت طبيباً أو مريضاً. إلا أن تحفيز الدماغ غير الغازي لا يتطلّب، كما يشير اسمه، أي احتكاك مباشر بالدماغ. بدأ الباحثون يتساءلون أخيراً عما إذا كانت هذه العملية الألطف قادرة على تحسين أوجه من مقدراتنا المعرفية. ويتساءل العلماء خصوصاً عما إذا كانت تستطيع تحسين الذاكرة البشرية. النوم والذاكرة ندرك جيداً اليوم أن النوم ضروري لتعزيز الذاكرة. يعتقد العلماء أن الذكريات تنتقل من الحصين، وهي منطقة في الدماغ مسؤولة عن تشكيل الذكريات، إلى القشرة الحديثة حيث تُخزن كذكريات طويلة الأمد. قرّر أخيراً علماء من جامعة نيومكسيكو في ألباكركي التحقق مما إذا كانوا يستطيعون تحسين عملية ترسيخ الذاكرة الطبيعية هذه. وحاولوا القيام بذلك بتحفيز الدماغ خلال النوم مستعملين تقنية جديدة نسبياً تُدعى التحفيز بالتيار المتردد عبر الجمجمة المغلق الحلقة. أولاً درّب الباحثون المشاركين على مهام تمييز بصري واقعية. في هذه المهام، طُلب إليهم تفادي متفجرات، وقناصين، وغيرهما من أشياء وأشخاص خطيرين. ولتحقيق ذلك، كان عليهم البحث عن إشارات مخفية في بيئة معقدة. خلال الليل، نام المشاركون في مختبر حيث خضعوا للتحفيز غير الغازي. وبرمج الباحثون عملية التحفيز هذه لتتلاءم مع مرحلة تذبذبات الموجات البطيئة ووتيرتها في الدماغ النائم. يعتقد العلماء أن هذه التذبذبات تشكّل جزءاً مهماً من عملية ترسيخ الذاكرة. ونجح الفريق في تعزيز هذه التذبذبات بتيار اصطناعي. نشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها قبل أيام في مجلة «علم الأعصاب». في اليوم التالي، اختُبر المشاركون مجدداً في مهمة بصرية مشابهة إنما جديدة. تبين أنهم بعد التحفيز الليلي قدّموا أداء أفضل في رصد الأهداف، مقارنة بما حققوه بعد ليالٍ لم يخضعوا فيها للتحفيز. ويعتقد الباحثون أن التحفيز غير الغازي ساعد المشاركين في تحوّل التجارب الأخيرة إلى ذكريات أكثر رسوخاً. ما أهمية هذا الاكتشاف؟ تشكل دراسات مثل هذه أولى الخطوات في مجال جديد من مجالات العلم. في الوقت الراهن، تثير الأبحاث أسئلة أكثر مما تقدّم أجوبة، إلا أنها تزودنا بتقنيات جديدة يمكننا البناء عليها وتوسيعها. لا شك في أن النجاح في تحسين ذاكرة الإنسان من دون بذل جهد كبير هدف يستحق العناء. ولكن ثمة استخدامات محتملة أعمق وأكثر أهمية. تشكّل مشاكل الذاكرة والتفكير جزءاً من اضطرابات كثيرة. وتشمل هذه الأمراض العصبية التنكسية التي تزداد انتشاراً ولا تزال من دون أي علاج شافٍ عموماً. قد يمهد بحث مماثل الدرب إزاء تطوير آلات تسهم في الحد من التراجع المعرفي فيما يغطّ المريض في النوم. صحيح أننا ما زلنا بعيدين كثيراً عن هذا الهدف، إلا أن هذه خطوة في الاتجاه الصحيح.
مشاركة :