سجلت التظاهرات التي تشهدها إيران منذ أيام ضد تدهور الأوضاع المعيشية والنظام تطوراً نوعياً، بعدما أقدم شبان على إحراق حوزة علمية قرب العاصمة طهران ليل الجمعة- السبت، في حين يستعد مجلس الشورى لاستجواب وزير الخارجية محمد جواد ظريف غداً، على مدار يومين، وسط أزمة سياسية حادة بين أجنحة النظام. مع تنامي السخط الشعبي ضد نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكومة الرئيس حسن روحاني من جراء تدهور الأوضاع المعيشية، قبيل إعادة واشنطن فرض عقوبات اقتصادية تدخل الحزمة الأولى منها حيز التنفيذ غداً، هاجم محتجون ليل الجمعة- السبت حوزة علمية في منطقة كرج القريبة من طهران، وأضرموا النار فيها بالتزامن مع اتساع دائرة التظاهرات التي انطلقت مع انهيار سعر صرف الريال أمام الدولار في عدد من المحافظات. وقال مدير حوزة مدينة اجتهاد، حجة الإسلام هندياني، إن 500 متظاهر هاجموا المدرسة الدينية "محاولين كسر أبوابها وإحراق أشياء فيها". وأضاف أن المحتجين "كانوا يحملون حجارة، وكسروا كل نوافذ قاعة الصلاة وهم يرددون شعارات ضد النظام"، موضحا أن الشرطة قامت بتفريقهم واعتقلت عدداً منهم. وأظهرت تسجيلات بثها نشطاء أمس على مواقع التواصل تظاهرات متفرقة لليوم الرابع على التوالي في مناطق ومحافظات، بينها طهران، واصفهان، وكرج، ومشهد، وشيراز احتجاجا على ارتفاع التضخم. واتسمت التظاهرات بالهتافات المناوئة للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان في السابق خطاً أحمر لا يمكن المساس به في البلاد، لكن الاحتجاجات التي رفعت شعارات "الموت للدكتاتور" توحي أنها أضيق نطاقا من موجة التظاهرات التي جرت في ديسمبر وامتدت حتى يناير الماضي، وشملت عشرات المدن والبلدات، وقتل خلالها 25 شخصاً. تشويه وترقب وكان لافتا التغطية الكبيرة لوسائل الإعلام الموالية للمتشددين لتظاهرات المحتجين الذين خرجوا في وقت يشهد السوق الإيراني أزمة حادة مع تذبذب سعر صرف العملة، وهو ما اصاب امدادات التجار بالشلل. وتأتي التطورات في وقت يترقب الإيرانيون بقلق ما ستكون عليه التداعيات الاقتصادية لإعادة فرض العقوبات الأميركية ابتداء من الثلاثاء، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في 2015 مع القوى الكبرى، وتوعدها بفرض عقوبات يكون لها "أبعد الأثر" على إيران على مرحلتين في 7 أغسطس و5 نوفمبر. وأدت الضغوط الأميركية إلى إضعاف الريال الإيراني، الذي فقد قرابة ثلثي قيمته خلال 6 أشهر. ولم يتضح بعد كيف سينعكس اثر العقوبات على الحياة اليومية للإيرانيين، في ظل تراجع كبير للثقة في النظام المالي، وقدرة الحكومة على السيطرة على الأمور والتصدي لواشنطن. حوار ومؤامرة وفي وقت تتباين ردود فعل المسؤولين بإيران حول مسار التعامل مع واشنطن، بعد فتح ترامب المجال أمام إمكانية عقد مفاوضات مباشرة دون شرط وفي أي وقت، أكد المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى حسين عبداللهيان أن "طهران لا تعتبر الحوار مع أميركا أمرا محرما أو محظورا"، لكنه اعتبر أنه "لا معنى لأي حوار في ظل سلوك أميركي عدواني وهدام للتعهدات". واتهم وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي الولايات المتحدة وحلفاءها برصد 500 مليار دولار لـ"إثارة الفوضى في المنطقة وزعزعة الأمن في إيران". استجواب واستعجال إلى ذلك، من المقرر أن يخضع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للاستجواب غدا أمام لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، للإجابة عن أسئلة النواب حول مجمل السياسة الخارجية للبلاد، ومستجدات ملف انقاذ الاتفاق النووي. وعلمت "الجريدة" ان موضوع المفاوضات مع اميركا سيكون مطروحاً للنقاش في ضوء ما كشفته "الجريدة" عن رسالة ايرانية الى واشنطن، سبق دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الإيراني الى اللقاء من دون شروط مسبقة للتفاوض على اتفاق نووي جديد. واستدعى "الشورى" وزراء الخارجية والأمن والاتصالات والتكنولوجيا لاستجوابهم في بعض القضايا، ومنها قواعد وتشريعات خاصة تستعجل استبدال مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي العالمية بأخرى محلية تسهل تقييد ومراقبة المعارضين، على مدار يومي الاثنين والثلاثاء. تحذير وتسليم في غضون ذلك، قالت وزارة الخارجية الأميركية عبر حسابها باللغة الفارسية على "تويتر" أمس، تعليقا على موجة الاحتجاجات الجديدة في إيران: "من حق شعب إيران تقرير مسار بلاده في نهاية المطاف، وواشنطن تساند صوت الشعب الإيراني الذي يتم تجاهله منذ وقت طويل". وفي وقت سابق، أصدر كل من "الكونغرس" وإدارة الرئيس دونالد ترامب تحذيرات جديدة للأوروبيين، إذا لم يضعوا حداً لجميع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع النظام الإيراني. ونقل موقع "فري بيكون" عن عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، أن واشنطن تقوم بتكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على أوروبا بشأن إيران، لإعادة فرض عقوبات قاسية عليها، تشمل قطاع النفط والأنظمة المصرفية. وتعمل إدارة ترامب وحلفاؤها في "الكونغرس" على "مواصلة خنق الاقتصاد الإيراني"، بينما يواصل المتظاهرون المستاؤون من نظام طهران احتجاجاتهم ضد الفساد، وتدهور الوضع المعيشي، وسط دعوات لإسقاط النظام لإنفاقه أموال الشعب على التدخل الأجنبي في مناطق الصراعات مثل سورية، ودعمه المستمر للميليشيات في الشرق الأوسط. وكان 10 أعضاء من مجلس الشيوخ، الذين عارضوا اتفاق 2015 مع إيران، حذروا في رسالة وجهوها إلى سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا بأن الكونغرس الأميركي سيكون "مستاء جداً" لأي جهود للتهرب من العقوبات أو تقويضها. في المقابل، أعلنت شركة الخطوط الإيرانية "إيران إير" أمس أنها ستتسلم خمس طائرات جديدة من شركة "آ تي إر" الفرنسية الإيطالية، اليوم، قبل إعادة فرض العقوبات. ورغم أن الشركات الأصغر أعلنت أنها ستعمل على الالتفاف على العقوبات، فإن المجموعات المتعددة الجنسية مثل الفرنسيتين توتال وبيجو والألمانية سيمنز قالت إنه سيتعين عليها الانسحاب من السوق الإيراني. وعارض الأوروبيون العقوبات الأميركية الجديدة في الأشهر الأخيرة، وعقدوا سلسلة من الاجتماعات مع كبار المسؤولين الإيرانيين، لمناقشة التكتيكات للتهرب من العقوبات الأميركية المرتقبة عقب قرار ترامب التخلي عن الاتفاق النووي.
مشاركة :