ســـرديــــات.. واية «عدّاء الطائرة الورقيّة» للأفغانيّ خالد حسيني.. الوطن حين يستحيلُ سردًا ناطقًا!

  • 8/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبيل وفاته بسنوات قليلة أطلق الناقد الفرنسيّ من أصل بلغاريّ تزفيتين تودوروف صرخة تحذير مدوية في كتابه الإشكاليّ «الأدب في خطر». لقد كان تودوروف متخوِّفًا من المستقبل الغامض الذي سيحدق بالآلاف من طلاب البكالوريا الفرنسيّة في القسم الأدبيّ؛ بسبب غلبة المناهج الشكلانيّة البحتة في دراسة الأدب، وعوض أن يستمتع الطالب بعمق بقراءة عمل أدبيَّ يربطه بحياته ورؤيته الكونيّة، يجد نفسه منغمسًا في تمرينات شكلانية تبعده عن ذائقة الأدب الحقيقيّ. وفي رؤية تودوروف وهو الشكلانيّ البنيويّ لفترات طويلة أنَّ الطالب في هذه المرحلة العمرية الغضة يجب أن يقرأ فقط الأدب الحقيقيّ الذي له علاقة بحياته، الأدب الذي يغيِّر من رؤيته الوجودية، أمَّا الكتابات النقدية عن الأدب على اختلاف مرجعياتها التأسيسيّة فيجب أن تُرجأ إلى مرحلة تالية، الليسانس والدراسات العليا. تذكرتُ كلام تودوروف عندما أعدتُ قراءة رواية «عدّاء الطائرة الورقية» Kite Runner للروائيّ الأمريكيّ من أصل أفغاني خالد حسيني. وهي الرواية التي حظيت بمقروئية عالمية لافتة وبانتشار واسع جدًا ومؤثِّر، كما تُرجِمَتْ إلى عشرات اللغات الحية العالميّة. وقد حُوِّلت الرواية إلى فيلم عالميّ حقّق إيرادات هائلة. تناول خالد حسيني وطنه الأم أفغانستان في تلك التحولات والمفارقات التاريخيّة والسياسيّة الدراماتيكيّة التي مرّت بها. وعلى الرغم من حديثه عن حقبة تاريخية طويلة جدًا من انهيار الملكية ثم صعود طالبان وانهيارها، فإنَّ روايته لانستطيع تصنيفها ضمن إطار «الرواية التاريخيّة» ولا حتى رواية «المتخيّل التاريخيّ» ولا حتى رواية السيرة الذاتية: هي مزيج من هذا كله! لقد حقّقت هذه الرواية هذا التأثير الطاغي لأنها اشتغلت على بلاغة سردية عالية رغم بساطة تقنياتها الفنية، فهي تشتغل على الإنسانيّ والتاريخيّ والسياسيّ في امتزاج وتشابك غير قابل للتصنيف ولا التحديد الأجناسي صاغه حسيني في سرد مذهل، وبحبكة لاتخلو من الذكاء الشديد ومن المخاتلة في بعض الأحيان. الجميل في كتابة خالد حسيني أنه اشتغل على موضوع وطنه الأم «أفغانستان» في ثلاث روايات هي «عدّاء الطائرة الورقية» و«ألف شمس ساطعة» و«وردّدت الجبال الصدى». وتشغل موضوعات مثل التوترات العرقية بين البشتون والهزارة وتمثيلات المرأة الأفغانية النصيب الأكبر في سرده. ولعلَّ سر عمق روايات خالد حسيني هو أصالتها الإبداعية؛ فهي روايات لا تحاكي روايات أخرى، وإنَّما تنتج أصلها الإبداعيّ الملهم في تلك الالتقاطات المرهفة للإنسانيَّ في تجاذباته الثقافيّة والسياسيّة. وفي تلك الكتابة السردية الحميمية والدافئة رغم امتزاجها بذاكرة الألم وبالسرد المتوحش أحيانًا! كيف استطاع خالد حسيني تحويل الوطن إلى ذاكرة سردية ناطقة؟ هذا ما سنتعرف إليه في مقالي النقدي القادم للحديث المفصّل عن هذه الرواية الإبداعية الملهمة «عدّاء الطائرة الورقية». أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.

مشاركة :