أسلوب حياة الشباب العصري يكرس نظام "العمل عن بعد"

  • 8/5/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يفضل الكثير من الشباب اليوم نظام “العمل عن بعد”، هاربين من الالتزام الوظيفي بمكان محدد وساعات عمل معينة، مستفيدين من صعود نجم الإنترنت كسوق للعمل، وانخفاض متوسط الرواتب في القطاع الخاص، ما أضاف عدة نقاط قوة لسوق العمل على الشبكة الإلكترونية، جذبت أعدادا كبيرة من الشباب ذوي المهارات المتعددة القاهرة – أصبح الإقبال على تعلم المهارات التكنولوجية عنصرا أساسيا عند الشباب، لأنها تدخل في الكثير من المهن، ومن خلالها تتم غالبية أنواع التواصل الاجتماعي والمهني، لذلك تجد أكثر الشباب والفتيات يقبلون الآن على الالتحاق بالجامعات التي تدرس العلوم التقنية، ومن لم يفعلوا ذلك، لديهم غرام بتعلم أساسياتها، التي تمنحهم قدرة على التواجد في الفضاء الافتراضي الفسيح، والتفاعل مع العالم. وظهر تغيير واضح في معالم سوق العمل العالمية خلال العقد الأخير، بعد أن فتحت شبكة الإنترنت طريقا جديدا للتكسب، تحول سريعا عند قطاع كبير من الشباب إلى أسلوب حياة ووجد فيه الكثيرون شكلا مناسبا لمقتضيات الحياة العصرية وتحدياتها، الأمر الذي شكل سوقا موازية لفرص العمل على المستويين الحكومي والخاص. وتزامن صعود نجم الإنترنت كسوق للعمل مع تقلص حجم المعروض من فرص عمل توفرها الحكومات في الكثير من الدول العربية، وانخفاض متوسط الرواتب في القطاع الخاص، ما أضاف عدة نقاط قوة لسوق العمل على الشبكة الإلكترونية، جذبت أعدادا كبيرة من الشباب ذوي المهارات المتعددة. وتشير بعض التقديرات إلى أنه بحلول عام 2020 سوف تصبح أكثر من 46 بالمئة من إجمالي القوة العاملة في مختلف أنحاء العالم تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ما يعني أن النمط المعروف للعمل في المقرات الحكومية على وشك الدخول في مرحلة جديدة، تتراجع فيها صورة الموظف التقليدي الذي يذهب للعمل في مواعيد محددة ويعود أيضا في مواعيد محددة. واتجهت بعض الدول إلى تشجيع الشباب على هذا النموذج من العمل، وقامت بمبادرات لتوفير وظائف “عن بعد”، ففي مارس الماضي، وقّعت وزارة الموارد البشرية والتوطين الإماراتية ومجموعة «داتا دايركت» مذكرة تفاهم، يتم بموجبها توفير 225 فرصة عمل للشباب في المناطق الشمالية من الدولة، وفق نظام «العمل عن بعد» الذي ينبثق عن مبادرة «التوظيف المبتكر»، التي تبنتها الوزارة ضمن حزمة من المبادرات الخاصة بتسريع وتعزيز توظيف الموارد البشرية الوطنية. وهي المذكرة الثانية من نوعها التي تبرمها الوزارة في إطار نظام “العمل عن بعد”، إذ وقعت مذكرة مع بنك الإمارات دبي الوطني. وقال وكيل الوزارة المساعد للخدمات المساندة، محمد صقر النعيمي، إن المذكرة تهدف إلى توفير الفرص الوظيفية الجاذبة، التي تجنب شاغليها المستهدفين عناء الانتقال من أماكن سكنهم في المناطق الشمالية إلى مقر المجموعة في دبي، وهو الأمر الذي ينعكس إيجابا على الحياة الأسرية، خصوصا للمواطنات. 46 بالمئة من إجمالي القوة العاملة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة بحلول عام 2020 وأشار إلى أن الوظائف المتوافرة (وعددها 225 وظيفة) تستهدف الباحثين عن العمل من حملة شهادتي الثانوية العامة والبكالوريوس، وذلك للعمل في وظائف خدمة المتعاملين، والمبيعات عبر الهاتف، ومراقبة الجودة، وغيرها من الوظائف وفقا لاحتياجات المجموعة. وكانت مبادرة إماراتية سابقة لـ”العمل عن بعد” أطلقتها ونفذتها جهات عديدة لموظفيها من خلال العمل في المنزل، حققت نجاحا كبيرا على صعيد الإنجاز الوظيفي، ومكاسب اقتصادية واجتماعية من خلال تقليل النفقات على المؤسسة، بدءا من موقف السيارة وتكاليف التشغيل وتخفيف الازدحام المروري وزيادة الإنتاج، وانعكس الأمر إيجابا خصوصا على النساء اللواتي أصبحت لديهن مرونة في العمل وباتت من السهل عليهن متابعة شؤون منازلهن. وتعتبر هذه الإيجابيات عاملا مشتركا في نظام “العمل عن بعد”، مهما اختلفت الظروف أو مكان العمل أو المجتمع، ويحكي الشاب محمد عمار، وهو عامل مصري، كيف أنه كان يقضي وقتا طويلا للذهاب إلى مقر عمله لاستلام النسخ الورقية المكتوبة بخط اليد من صاحب مطبعة يعمل بها منذ عشر سنوات، ليقوم بنسخها على الكمبيوتر وإعادتها إلى المسؤول عنها لمراجعتها وتصحيحها، قبل أن تنتشر المراسلات الإلكترونية على الإنترنت، إذ يكتفي اليوم بالتقاط صورة لهذه النسخة بالهاتف المحمول، وإرسالها عبر تطبيق واتساب أو البريد الإلكتروني. وقال عمار لـ”العرب”، “اشتريت جهاز كمبيوتر محمولا، وطلبت من صاحب المطبعة إرسال الأوراق التي يريد نسخها عبر واتساب أو البريد الإلكتروني، وأقوم بكتابتها من المنزل، ثم إرسالها بنفس الطريقة للمسؤول عن المراجعة والتدقيق، ثم تعود إلي مرة أخرى لتصحيحها، وهكذا لا أتكبد وقتا طويلا في المواصلات وهذا يوفر الكثير من النفقات”. وحالة عمار لم تعد استثنائية، لأن عددا كبيرا من الشباب وجدوا فيها وسيلة جيدة للربح، ويصلح تطبيقها في مهن مختلفة. مهن حديثة يمتاز العمل الحر على شبكة الإنترنت بالنسبة للشباب بأنه متعدد المجالات، ويتسع لأصحاب الاهتمامات والتخصصات والمهارات المختلفة، ويمكن التمييز هنا بين نوعين من هذه الوظائف. الأول هو فرص العمل التي أوجدتها شبكة الإنترنت ولم تكن معروفة في ما مضى، أحد أبرز الأمثلة على النوع وظائف مثل تصميم المواقع الإلكترونية، وإنشاء قنوات على موقع يوتيوب بهدف الربح، وبيع تطبيقات الإنترنت، وتقديم الأبحاث، وإنشاء المدونات وما بها من محتوى قوي وجذاب، وغير ذلك من الوظائف التي يمكن اعتبارها مستحدثة على سوق العمل التقليدي. أما النوع الثاني فهو وظائف كانت معروفة من قبل وساعدت شبكة الإنترنت على تطويرها بما يحقق المصلحة المشتركة بين مقدم الخدمة ومتلقيها، وهي وظائف شهدت طفرة نوعية بفضل الإنترنت، وأصبحت ممارسة هذه المهن بالقطعة بعد أن كانت خاضعة لنظام الدوام الكامل في مقرات الشركات. عائد مادي أكبر ساعد هذا النظام على رفع جودة المنتج وتحقيق الربح العائد على ممارسي هذه الوظائف، ومن بين أبرز أمثلة هذا النوع، تقديم خدمات الترجمة، والتصاميم الهندسية، وتقديم الدورات التدريبية أونلاين، وتسويق المنتجات المختلفة، وأصبحت هناك العديد من المنصات العالمية التي تستوعب كل من يرغب من الشباب في كسب العيش على الإنترنت. في العالم العربي، ومع ارتفاع معدلات البطالة في معظم الدول، شكّلت الإنترنت فرصة جيدة لكسب الرزق مع تفادي بعض المشكلات المقترنة بالالتزام بمواعيد الحضور والانصراف، فضلا عن أن معظم فرص العمل على الإنترنت توفر عائدا ماديا يفوق ما تقدمه الوظائف التقليدية. العمل الحر على شبكة الإنترنت بالنسبة للشباب يمتاز بأنه متعدد المجالاتالعمل الحر على شبكة الإنترنت بالنسبة للشباب يمتاز بأنه متعدد المجالات ولم يكن الأمر سهلا حتى يصبح مقبولا مجتمعيا أن يعتمد الشباب وأرباب الأسر على العمل في المنزل من خلف شاشة كمبيوتر، والتخلي عن الشكل التقليدي للموظف الذي يذهب لعمله صباحا ويعود آخر النهار، والذي يحصل على حقوق الموظفين من تأمينات اجتماعية وصحية ومعاش بعد بلوغه السن القانونية. وحول هذه القضايا يتحدث الشاب المصري محمد الحكيم، أحد أصحاب الخبرة في مجال العمل عبر الإنترنت، عن تجربته ومميزات وعيوب العمل عن طريق الإنترنت. وهو صحافي ومترجم حر، عمل خلال فترات في عدد من المؤسسات، إلا أنه حاليا يفضل العمل من المنزل عن طريق الإنترنت. ويرى الحكيم (31 عاما) أن الميزة في العمل الحر هي حصوله على ربح أكبر من زملائه في العمل النظامي، ففي هذه الطريقة يريد صاحب العمل شراء الخدمة دون توفير بيئة العمل، وما تتطلبه من مبنى وتجهيزات وسداد فواتير باهظة، بالتالي لا يجد مانعا في أن يدفع أكثر لمن يوفر عليه مشقة هذه المصاريف الإضافية. وعلى سبيل المثال، لو أن العامل عبر الإنترنت حصل على 5 آلاف جنيه مصري (نحو 300 دولار) كراتب من المؤسسة التي يعمل بها دوما كاملا لمدة 8 ساعات يوميا، ففي إمكانه ربح ضعف هذا الرقم عند قضاء نفس عدد الساعات في العمل من المنزل، مع تقديم الخدمات نفسها التي يقدمها للمؤسسة عند العمل المنتظم بها. وهناك ميزة أخرى للعمل من المنزل وهي تجنب وسائل المواصلات المرهقة، خاصة في البلدان التي تعاني ازدحاما مروريا شديدا، من شأنه إرهاق أي عامل في أي مجال والتأثير على إنتاجيته خلال دوامه. كما يوفر الفرد مع العمل من المنزل التكلفة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وتغيير قيمة تذاكر وسائل المواصلات الأخرى، مثل مترو الأنفاق والقطارات. ويشير الحكيم إلى أنه أحيانا يضطر إلى مساعدة زوجته في الواجبات المنزلية، وبإمكانه العمل وطفله الصغير يجلس إلى جواره، لا سيما عندما تقوم زوجته بواجبات أخرى. وثمة ميزة ثالثة، يعتقد الحكيم أنها الأهم، وهي إتاحة الوقت الخاص لتطوير قدراته الشخصية، فهو يعمل صحافيا ومترجما، فإذا أراد الحصول على دورة تدريبية في أي من مجالي عمله يسهل عليه إدارة وقته وتخصيص جزء منه لتطوير هذا الجانب من مهاراته دون تحمل عناء الاستئذان من المؤسسة التي يعمل بها لو كان يعمل بصورة نظامية في دوام. أما عيوب العمل من خلال المنزل بالنسبة لقطاع كبير من الشباب، فأشهرها الشعور بالوحدة، لأن العمل على كمبيوتر في حجرة المنزل، لا يسمح بالتواصل مع الزملاء وجها لوجه، ما يسبب الشعور بالعزلة المهنية، قد تتطور إلى أحد أنواع الاكتئاب مع مرور الوقت، خاصة إذا كان الشاب اجتماعيا ويهتم بمشاركة التطورات ومناقشة الأحداث الاجتماعية والسياسية مع الزملاء والاستفادة من خبراتهم العملية وطريقة آدائهم لأعمالهم، فالتفاعل مع فريق العمل يزيد الشخص خبرة. ويقول خبراء في علم الاجتماع إن من العيوب الأخرى أن المنزل في حد ذاته قد لا يكون في الكثير من الأحيان بيئة عمل مثالية، ما يؤثر سلبا على سير العمل الحر، فمثلا لو أن الإنترنت انقطعت عن المنزل سوف يضطر العامل إلى إيجاد بديل آخر، وهذه مخاطرة كبيرة جدا قد تؤثر سلبا على أرباح العامل، وتزيد الشاب إحباطا. ويتخوف البعض من الشباب الذين اعتادوا العمل من المنزل وتوظيف الإنترنت في وظائفهم، إذا فقدوا جميع العملاء دفعة واحدة مع ظهور منافس يقدم نفس جودة العمل مع سعر أقل. ويوضح الحكيم، أنه مر بهذا المأزق ما جعله يعاني ضائقة مالية لبعض الوقت، لكنه صمد وتحمل أزمته، لأن هذا النوع من العمل يجب تحمل مخاطره المفاجئة، واستفاد من هذا الدرس بمضاعفة مجهوده لتوفير احتياطي مالي تحسبا لمواقف أخرى. مبادرة "العمل عن بعد" الإماراتية حققت نجاحا على صعيد الإنجاز الوظيفي، ومكاسب اقتصادية واجتماعية من خلال تقليل النفقات على المؤسسات ولا يخلو الأمر من بعض المشكلات الصحية، لأن الجلوس في المنزل لفترات طويلة قد يؤدى إلى زيادة الوزن والإصابة بالأمراض المصاحبة لذلك، بعكس العمل في المؤسسات الذي يتطلب المزيد من الحركة والنشاط. ويحرص الكثير من الشباب على تخصيص وقت للرياضة يوميا لكسر حواجز الملل التي يمكن أن تصيبهم، جراء البقاء فترات طويلة في المنزل، ولتجنب الإصابة المبكرة بالأمراض. والمخاطرة الكبرى في مسألة المرض، أن العامل عبر الإنترنت أيضا يواجه خطورة انقطاع دخله في حال مرضه، لأنه يعمل بالقطعة وليس براتب ثابت، فضلا عن النفقات الكبيرة التي سيتحملها وحده في حالة المرض في غياب نظام للتأمين الصحي. وقد يؤثر العمل الحر عبر الإنترنت على الأحوال الأسرية، لأنه يقتضي البقاء في المنزل لفترات طويلة، وقلة علاقات الصداقة. كما أن النظرة المجتمعية إلى من يعمل عبر الإنترنت قد تكون عائقا أمام الزواج، لكن الحكيم لا يرى أنها كذلك، مؤكدا أن ما يهم معظم أهالي الفتيات أن يكون لدى من يتقدم لخطبة أي فتاة مقومات الزواج، من منزل وحالة مادية جيدة وهكذا، عندها لن يهتم معظم أهالي الفتيات بأسلوب عمله من خلال الإنترنت، اللهم إلا في بعض الأسر التي لا تزال تتمسك ببعض الأفكار القديمة. ويمكن القول بأنه حتى وإن كانت تجربة العمل عبر الإنترنت لا تخلو من السلبيات أو التعارض مع نماذج التفكير القديمة، فإن تحديات العصر تفرض كلمتها في النهاية. وتؤكد هذه التحديات أن مستقبل العمل عبر الإنترنت سوف يشهد توسعا وجذبا للمزيد من الشباب الذين سيجدون فيه مساحة لإظهار مهاراتهم والاستفادة مما لديهم من خبرات في ظل أجواء من المنافسة تخلو من الأمراض المجتمعية التي يحاول أصحاب المؤسسات الحكومية والخاصة محاربتها بكافة الطرق.

مشاركة :