لماذا ارتبط مفهوم الإرهاب بالإسلام وأصبحت هذه الصفة لصيقة الصلة بهذا الدين والذي يُعد أكثر الأديان التي حرّمت التعرض للآخرين، فضلاً عن إرهابهم، ولماذا يشار بالبنان إلى الدين نفسه على أنه مفرخ لمنابع التطرف الحقيقية، وما الهدف الحقيقي من مطالب البعض بتغيير الخطاب الديني، وما أدوات الداعية الناجح، كل هذه الأسئلة وغيرها حاورنا فيها الشيخ خالد الجندي أحد أبرز الدعاة المعاصرين والمدير التنفيذي السابق لقناة «أزهري» الفضائية، فإلى نص الحوار. دين الفضيلة والوسطية . ماذا عن مفهوم الإسلام المعتدل، وكيف يمارس «الدعاة» الاعتدال، وهل هذه الممارسة كفيلة بالقضاء على أي بذور «تطرف»؟ - لا يوجد ما يسمى إسلام معتدل وإسلام غير معتدل، لأن الإسلام معتدل برمته، أما القول إن هناك إسلاماً غير معتدل، هذا ليس بإسلام، الإسلام هو الإسلام الذي يحث على الفضيلة والوسطية، لأن القاعدة تقول: كل أمر زاد عن حده ينقلب إلى ضده، لذلك فإن الفضيلة هي كل وسط بين رذيلتين، الكرم فضيلة فإن زاد عن حده يتحول إلى سفاهة، وإذا نقص عن حده يتحول إلى بخل، الشجاعة فضيلة إن زادت عن حدها لتحولت إلى تهور ولو نقصت عن حدها فهي جبن، الثقة بالنفس فضيلة لو زادت عن حدها درجة واحدة فهي غرور ولو نقصت درجة واحدة فهي ضعف، شخصية المتدين، فضيلة لو زادت درجة فهو إفراط ولو نقص درجة فهو تفريط، الحب فضيلة لو زاد درجة فهو غلو ولو نقص درجة فهو جفاء، لذلك قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً»، فالاعتدال والوسطية هي السند الأساسي للإسلام، فإذا وجدت داعية أو شخصاً لا يتوازن في خطابه الدعوي ولا يعتدل في ممارسة الدعوة إلى الله، فالحقيقة أنه لا يمثل الإسلام من جهة، والإسلام بريء من هذه الصفات من جهة أخرى. منابع التطرف . ما منابع التطرف من وجهة نظركم، وكيف يمكن القضاء عليها، وإذا كان الإسلام يدعو للاعتدال، فلماذا يتطرف بعض المسلمين بنزع بعض أحكامه وقواعده؟ - تطرف الدعاة يرجع إلى خمسة أسباب، السبب الأول ربما يكون اقتصادياً وليس أدل على ذلك بالصراعات الطائفية، أين تحدث؟، في الأحياء الراقية أم الأحياء الفقيرة؟، وهل هناك صراعات طائفية في الدول التي تشهد نسبة مرتفعة من الرفاهية؟، والحقيقة أن هذه الصراعات دائماً تحدث في العشوائيات والدول الفقيرة، لأن هناك عاملاً اقتصادياً مهماً له علاقة بالغلو. السبب الثاني الذي يدعو إلى التطرف هو الإعلام الذي يستغل وسائل التقنية الحديثة لبث أفكار متطرفة، تؤدي إلى نتيجة متطرفة وهذا لا يحتاج إلى بيان أو إيضاح. السبب الثالث، التربية عندما يتم تربية المسلم على فكر أحادي ينتج عنه تفكير أحادي لا يعترف بالآخر ولا يتحاور مع الآخر ولا يوقر الآخر وتكون النتيجة ما نراه من فكر متطرف. السبب الرابع، غسيل الأدمغة هي من أسباب التطرف الرهيبة، وأصبحت هناك مدارس متخصصة فيما يسمى «b.ain wash»، أي غسيل الأدمغة وهذه تقوم بدورها في أماكن كثيرة عن طريق أناس مدربين ترسلهم جهات لها توجه إرهابي معروف في المنطقة ومن صالحها تنفير الناس من الإسلام. السبب الخامس، الذي يؤدي إلى التطرف والظلم وعدم العدالة فإن الكيل بمكيالين من الممكن أن يصنع قنابل بشرية موقوتة تبغض الآخر وتحقد عليه وتؤدي إلى نتائج غير مقبولة. تبقى علاقة المسلمين بغيرهم علاقة محيرة فعلى قدر احترام الإسلام للآخر، أي كانت ديانته فهو في أمان سواء على ماله أم عرضه، إلا أن بعض الممارسات من قبل بعض المسلمين والدعاة لا تنم عن هذا الفكر. إن كلمة داعية كبير لا يمكن أن نصف بها دعاة متطرفين، لأن الكبير يكون كبيراً بعقله وتصرفاته واستيعابه الآخر وتبيينه للناس، ولكن عندما يكون هناك شخص مشهور داعية مشهور وليس كبيراً لأن كلمة كبير لها دلالة علمية وعقلية تتنافى مع تحريضه على الآخر، بأي حال من الأحوال وعلى هذا لا نضيع الوقت فيما يفعله البعض، بعض هؤلاء يجب ألا يعترف بهم التاريخ والمجتمع ولا يلتفت الناس حولهم ولا تستضيفهم الفضائيات، ولا يحاولون نشر آرائهم الهدامة، لكن عندما توجد قنوات توصيل شديدة الجودة لتوصيل آراء المتطرفين وتبني آرائهم، هذا وراءه مقصد؛ أذكر أن هناك في لندن، رجل متطرف له لحية غريبة وعينه عوراء ويمسك بيده «هك» كالقراصنة حتى أنه كان يسمى في لندن بالهوك مان، وكان يسب البريطانيين ليلاً ونهاراً، وهو يعيش هناك في لندن ويقول إنهم كفار ويستحل أموالهم ودماءهم إلى آخره، ويلعن في الأمريكان والأوروبيين، فماذا فعلوا، قاموا بإغلاق المسجد حتى يقوم بالخروج للشارع يخطب الجمعة في الشارع وكانوا ينقلون على الهواء خطبة الجمعة التي يقوم بها في الشارع بمنظره الكريه على الهواء مباشرة للناس كافة، حتى يقولون هذا هو الإسلام انظروا إلى كل إنسان يفكر في الإسلام، هذا هو شيخ من شيوخ الإسلام، الإسلام كهذا القرصان الذي يخطب الجمعة، فهناك مخطط لتبيين العينات والأمثلة غير الناضجة والمتطرفة حتى ينفروا الناس من الإسلام ولو كان هؤلاء كما يقولون متطرفين لماذا تنشرون آراءهم، لماذا تذيعون مبادئهم، لماذا تزيدونهم تواصلاً مع الناس هذا مخطط ضد الإسلام، فالإسلام ليس به متطرفون، إنما المسلمون بهم بعض المتطرفين نتيجة العوامل الخمس التي ذكرناها من قبل. أصل التطرف . كيف رصدت دور الجماعات والتنظيمات الدينية في نشر التطرف؟ -الجماعات الدينية هي أصل التطرف والإرهاب، والإخوان عندما فشلوا في الشارع اتجهوا لممارسة العنف ولتقنينه وشرعنته؛ فقالوا في الإسلام ما ليس فيه. . ومن أهم أبرز دعاة التنظيمات الدينية الذين أصلوا للعنف؟ - دعاة التنظيمات الدينية في عوالمنا العربية كُثر وهم يلبثون أثواباً مختلفة ولكنهم في النهاية يجتمعون على فكرة واحدة متجسدة في شرعنة العنف، وأبرز هذه الأسماء الدكتور، يوسف القرضاوي، الذي حرض بشكل كبير على استخدام العنف وتأصيله وكان دائم الخلط بين السياسي والديني، فأوقع كثيرين في شراك القراءة الخاطئة للإسلام. تهمة مضحكة . لماذا ارتبط الإسلام بالإرهاب، وما دور الدعاة إزاء تغيير هذه الصفة، وإظهار الإسلام الحقيقي دون أي زيادة أو نقصان؟ - أنا مندهش من حرصنا الشديد على رأي الغرب، كيف ينظر إلينا الغرب؟، كيف نتعامل مع الغرب؟، كيف يفكر فينا الغرب؟ حسن صورتك من أجل الغرب!!، صلي على الغرب!!، اسجد للغرب!!، هل نعبد الله أم نعبد الغرب!!، العالم يمر بمرحلة من المراحل الظالمة في تاريخ الكرة الأرضية هناك صهاينة استولوا على العالم بأكمله، وبالتالي يصفون الطفل الذي يمسك بحجر صغير بأنه إرهابي، ولا يرون دولة كإسرائيل تستخدم طائرات الأباتشي وإف-18 وإف-32، لا يرونها دولة إرهابية، وإنما يرونها في حالة دفاع عن النفس الفلسطيني الذي يسحق ويطحن يرونه إرهابياً ويطالبون المجني عليه بضبط النفس ولا يطلبون هذا الأمر من الكيان الصهيوني، العالم كله الآن يرى الأمور بموازين صغيرة، فقط ليس أكثر من ذلك عندما يتعثر رجل صهيوني في باب منزله تقوم الدنيا ولا تقعد، إنما ضحايا الاعتداءات الصهيونية المتكررة في العالم العربي، هذا كلام لا يرونه، المسألة هم لا يرون إلا أن «بن لادن» إرهابي، ولا يرون دولة كأمريكا احتلت العراق ودمرت أهله ودمرت مآذنه وقتلت المصلين في المساجد، ومارست معهم ممارسات جنسية داخل السجون هم لا يرون أنفسهم في ذلك عندما يتكلمون في قضية الإرهاب يرون الإسلام بمرآة الإرهاب، لماذا لم نر هتلر الذي اجتاح العالم تحت راية الصليب، علامة النازية التي ابتكرها هتلر كانت الصليب وهو صليب معقوف لماذا لم نقل إن المسيحية تدعو إلى الإرهاب، رغم أن هذا الرجل قام بتدمير العالم، الدول الاستعمارية، فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وإيطاليا التي احتلت الدول الإسلامية والعربية سرقت خيراتنا عشرات ومئات السنين وأموالنا وقتلوا من قتلوا وطوح بعلماء الأزهر من فوق المآذن، لم يتكلم أحد ويقول إرهاب، أليست هذه دول مسيحية الحملات الصليبية ال 17 حملة صليبية غاصت بها الخيول إلى ركبها في دماء المسلمين حتى أن في يوم واحد قتل في القدس 70 ألف مسلم تم ذبحهم عن بكرة أبيهم ألم يفعلوا هذا باسم الصليب، لماذا لم نقل إن المسيحية تدعو إلى الإرهاب، هذا الكلام واضح مثلاً بوش الذي روع العالم بكفره وإلحاده، وأعلن بدأت الحروب الصليبية، لماذا لم نقل إن المسيحية تدعو إلى الإرهاب، الرسوم الدنمركية التي وافقت عليها أوروبا، المآذن التي منعوها في سويسرا كل هذا، ويتهمونا نحن بالإرهاب، وهم ماذا! قديسون ملائكة، أصبحت التهمة أن يتهم المسلمون بالإرهاب، أصبحت تهمة مضحكة. . هل يحتاج الدعاة إلى تغيير خطابهم، وما أسباب تشدد البعض في خطابه اتجاه الآخرين، وهل يزيد ذلك من نفور الناس من الدعوة؟ - الدعاة بخير، والدعاة لا يحتاجون إلى تغيير خطابهم، كيف تحكم بقلة على كثرة، أنا لم اسمع ذلك في أي منهج اجتماعي، أنت تحكم ببعض المتشددين، أريدك أن تخبرني عن خطيب جمعة واحد يقف على المنبر ويسب النصارى، أو يذكر نصرانياً بسوء. الداعية الناجح . ما أدوات الداعية الناجح وكيف يتلمس الدعاة طريق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس؟ - أدوات الداعية الناجح أربع، العلم ثم الثقافة ثم الشخصية ثم الموهبة، العلم لا بد أن يتمرس ويدرك ما يقول ويعي ما يقول ويفهم ما يقول، والثقافة لا بد أن يكون منفتحاً على ثقافة الآخر وعلى واقع المسائل وعلى فقه النوازل والمقاصد والموازنات حتى يتكلم ويدعو الناس لدين الله سبحانه وتعالى، والثالث هو الشخصية يجب أن يكون وقوراً رزيناً هادئاً متوازناً عاقلاً ذا مظهر طيب وذا عقل راجح وذا فطنة أروب وحنكة في الكلام واللفظ والموهبة، وهذه تعطى من الله عز وجل وتتعلق في قدرة التوصيل التي تختلف من شخص لآخر قد يكون عنده علم وليست لديه الموهبة نقول له اترك الدعوة واعمل عملاً آخر، اكتب مؤلفات مثلاً بينما الدعوة تحتاج إلى هذه الأشياء الأربعة. يجب ألا نخلط قوانين الدنيا بقوانين الآخرة، فالدنيا لها قوانين والآخرة لها قوانين حتى أن القرآن قال هذا صراحة «فمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها»، إذا الآخرة لها سعي وسعي الآخرة الأذكار والصلاة واللحية والسواك والجلباب والحجاب وقيام الليل وقراءة القرآن والتصدق وبر الوالدين وفعل الخيرات وغض البصر وكف الأذى والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى آخر هذا الكلام الطيب، والاعتكاف والعمرة كل هذه الأمور لا تعمر الدنيا، كل هذه الأمور لا تصنع كمبيوتر واحداً ولا تصنع صاروخاً واحداً هذه الأمور للآخرة، أما أمور الدنيا مثل الاستيقاظ مبكراً والنظام والنظافة والجدية والمثابرة والصبر والتعلم واستغلال خيرات الأرض، التعاون مع الآخر الانفتاح على المجتمعات، النهل من العلوم الحديثة الحضارية استعمار الأرض بشكل يعمرها، عدم الإفساد في الأرض، الحفاظ على البيئة إلى آخر هذه الأمور فالذي حدث خلط بين الدنيا والآخرة، فتجد مثلًا سائق ميكروباص، الميكروباص يسير من غير فرامل ولا أبواب ولا شبابيك ولا سائق، وكاتب على السيارة من الخلف، سيري بأمر الله، هذا خلط لأمور الدنيا بالآخرة، أسانسير العمارة الكهربائي لم يجر له صيانة منذ 15 سنة، بينما السكان يمررون اسطوانة على الأسانسير مسجل عليها الدعاء المأثور، وسبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين قبل ما تقول ذلك، اصلح الشيء الذي سخره الله لك، والأمر نفسه بالنسبة لساقي العصير، يكتب: وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، بينما الصراصير تعط بمحله والعجيب أنه يزيد ذلك بقوله تعالى: «كلوا من طيبات ما رزقناكم» وتجد السوسة كبيرة. خلط المجتمع بين قوانين الدنيا والآخرة فاستخدموا قوانين الآخرة في النصب على البعض في قوانين الدنيا، وهذا غير جائز ولا بد أن نفيق قبل فوات الأوان. . كيف يكون الداعية مقنعاً لجمهوره بعيداً عن التشنج والتشدد، وهل يجوز التشدد في أمور الحلال والحرام؟ - لا يشترط أن يكون الداعية فقيهاً يرد على الحلال والحرام، لأنها قضية تخص العلماء، فن التوصيل واستخدام الجسد في التعامل هذه مسائل من العيب أن أقوم بتعليمك، كيف تقنعني، كن صادقاً ومقتنعاً تكن مقنعاً، فالبوابة الوحيدة كي تقنعني أن تكون أنت مقتنعاً بما تقول، الذي يكذب في مرحلة يظهر في عينيه، «تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر»، القرآن الكريم علمنا كيف نقرأ الوجوه؛ ولذلك تجد الوجوه محور اهتمام القرآن بأكثر من آية « تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر» في آية أخرى «ووجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة»، «تعرف في وجوههم نضرة النعيم» «سيماهم في وجوههم من أثر السجود»، «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه»، «ووجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة»، «ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة، أولئك هم الكفرة الفجرة»، الفاجر يظهر على وجهه والساجد يظهر على وجهه والصالح يظهر على وجهه والمحترم يظهر على وجهه، إن القلوب على العيون لواحظ. . لماذا يظل تأثير الدعاة في مجتمعاتهم هامشياً، وهل يرجع ذلك لعدم استخدامهم لوسائل التكنولوجية الحديثة التي تؤثر في الآخرين، فضلاً عن لغة الخطاب ربما تكون غير متوازنة لدى بعض الدعاة والجمهور؟ - إذا أردت أن تتعامل مع الدعوة، أرجو أن تتعامل معها بقانون اسمه قانون الماركتينج how to sell، لا بد أن تقوم بتسويق سلعة؛ بالمناسبة هذا منطق التجارة الذي كلمنا الله به حتى لا يقول أحد إنني أحول الدعوة لتجارة، الله هو الذي حولها لذلك، في القرآن بأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة»، «يا أيها الذين آمنوا ألا أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم»، «من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً»، التعامل ببيع وشراء وتجارة، هذا أسلوب القرآن، فأنا أقول إن الدعوة إذا اعتبرناها كالسلعة التجارية، فاعتقد البعض سيفهم أنه من المناسب أن يجيد التاجر عرض بضاعته، لا بد له أن يحافظ عليها وأن يقوم بتزيينها وإزالة الغبار عنها، ويبتسم في وجه العميل الذي يريد أن يشتري منه تلك السلعة، وأن يكون محباً لها كما قال الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله- نحن أنجح قضية وأفشل محامي وأجود سلعة وأسوأ تاجر هذه حقيقة، هناك بعض التجار الفاشلون الذين لم يقنعوا بما عندهم من سلع فزهدهم الناس.
مشاركة :