الخلافات السياسية تهيمن على قمة «العشرين» دون إعاقة التوافق الاقتصادي

  • 9/5/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تنعقد قمة العشرين اليوم في مدينة سان بطرسبرج الروسية وسط أجواء من التوتر المعلن بين موسكو وواشنطن بسبب الملف السوري أولاً، وثانيا جراء منح روسيا محلل المعلومات السابق في المخابرات الأمريكية إدوارد سنودن اللجوء السياسي. لكن قادة القمة تعهدوا وقبل انطلاقها أن خلافاتهم السياسية لن تحول دون التركيز على سلم الأولويات المعلنة لقمتهم، وهما القضايا المالية والاقتصادية. روسيا الدولة المضيفة اتخذت كل التدابير الأمنية الممكنة لضمان سلامة القمة، وعدم وقوع ما يعكر صفو الاجتماعات. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يواجه صعوبات مع المعارضة الداخلية بشأن الطريقة التي يدير بها البلاد، وتفاديا منهم أن تجد المعارضة في القمة فرصة لتشويه صورته دوليا ، قرر عقدها في قصر قسطنطين في مدينة سان بطرسبرج إذ يسهل تأمينه ومنع المتظاهرين من الوصول إليه، على أن يتم نقل مئات الصحافيين يوميا من المدينة إلى القصر المطل على خليج فلندا بالقوارب. القضايا الاقتصادية المهيمنة على قمة العشرين ستكون مالية في الأساس وستنصب على النظام المالي العالمي وخاصة البنوك الكبرى ووضعها الراهن. الإصلاحات الجارية بشأن النظام المالي العالمي قد أفلحت في منع الأزمة الاقتصادية العالمية من التفاقم والاتساع، لكنها فشلت حتى الآن في إخراج المنظومة الاقتصادية الدولية وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة من أزمتها ورفع معدلات النمو إلى المستويات المطلوبة وخفض معدلات البطالة. ويعلق الدكتور ريتشارد نيكلسون أستاذ مادة الاقتصاد الدولي والمستشار في البنك الدولي لـ «الاقتصادية» على ملفات القمة بالقول "هناك تقدم ملحوظ في إصلاح النظام المالي العالمي وتحديدا طريقة أداء البنوك الكبرى، لكن المشكلة الراهنة تتعلق بأن حجم بعض تلك البنوك ضخم للغاية، ورأسمالها يتجاوز عشرات إن لم يكن مئات المليارات من الدولارات، وهذا قد يكون مفيدا للغاية في لحظات الانتعاش الاقتصادي، ولكن في حالة الأزمات والانهيارات المالية، فإن هذا كارثة اقتصادية بكل المعايير، لأن على الدولة أن تقوم بإنقاذ هذه البنوك، وبالطبع سيكون ذلك على حساب المواطن العادي" ويضيف: "البنوك كالحرب، فكما أن الحرب من الخطورة بألا يترك أمرها للعسكرين فحسب، فان البنوك أيضا يجب ألا يترك أمرها لرؤساء مجالس إداراتها والعاملين فيها". وتعد قضية الديون السيادية واحدة من القضايا المؤرقة لقادة القمة، فمنذ قمة تورونتو في كندا عام 2010 وملف الديون السيادية ملف دائم على جدول أعمال القمة، وعلى الرغم من ذلك فإن بلدان المجموعة لم تفلح حتى الآن في الوصول إلى حل ناجع في هذا الموضوع، ويستبعد عدد من الاقتصاديين أن تفلح أيضا قمة سان بطرسبرج في الوصول إلى حل جذري لهذا الملف. وحول أسباب ذلك، يعلق ميتشل فوت المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الوزراء طوني بلير لـ «الاقتصادية» بالقول "التغلب على مشكلة الديون السيادية يتطلب إجراءات تقشفية قوية، وهو ما يترك آثارا سلبية على شعبية السياسيين، ولربما الدولة الوحيدة التي مضت قدما في هذا المجال كانت ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، ورغم محاولتها تبرير ذلك للشعب الألماني، فإن سياساتها التقشفية تركت بصمات غير طيبة على شعبيتها"، ويؤكد "لهذا السبب لا أعتقد أن قادة القمة سيحاولون التطرق إلى صلب هذا الموضوع". ومن المنتظر أن يناقش قادة مجموعة العشرين مبادرة لتحسين القواعد المنظمة للسوق العالمية للمشتقات المالية مثل العقود الآجلة والخيارات وغيرها والتي يبلغ حجمها 630 تريليون دولار لتفادي حدوث اضطرابات محتملة. وسيمنح مجلس الاستقرار المالي التابع لمجموعة العشرين هذا القطاع مهلة حتى عام 2015 للامتثال للقواعد العالمية الجديدة. وبينما اتخذت الولايات المتحدة والصين إجراءات جريئة لتحفيز الطلب، فإن أوروبا تتباطأ في التخلي عن سياسة التقشف، وترفض ألمانيا أكبر ممول في القارة توقيع صك مفتوح لدعم اتحاد مصرفي لمنطقة اليورو. وتضم قمة العشرين قادة وزعماء البلدان الرأسمالية عالية التطور، إضافة إلى عدد من البلدان سريعة النمو وفي مقدمتها روسيا والبرازيل والصين والهند، وتمثل المجموعة 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و80 في المائة من التجارة العالمية، وثلثي عدد سكان العالم، ولهذا فإنها تعد واحدة من أقوى المجموعات الاقتصادية الدولية. لكن هذه القوة لا تتسم بالتوحد وتكمن داخلها تناقضات رئيسة، فالبلدان الصاعدة وخاصة المنتظمة فيما يعرف بـ "مجموعة البريكس" وتضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تسعى إلى إنشاء بنك خاص بها بقيمة 50 مليار دولار في مواجهة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وعلى الرغم من أن مجموعة البريكس لم تفلح حتى الآن في الاتفاق على المساهمات المالية للبنك وسبل إدارته، إلا أنها ستسعي خلال القمة لبحث هذا الموضوع. ويقول الدكتور هاورد فرنش المتخصص في الاقتصاد الروسي لـ «الاقتصادية»: "موسكو تتبنى هذا الموضوع بقوة في محاولة لخلق آلية مالية منافسه لأوروبا، لكنها فشلت حتى الآن في الوصول إلى اتفاق بين بلدان البريكس حول المساهمات المالية وكيفية إدارة البنك المزمع إنشاؤه حتى الآن، لكننا نعلم أن بوتين يحاول جاهدا، لكن أبرز المعوقات التي تواجهه ليس فقط في عدم ثقة الصينيين بالموضوع وشعورهم أن موسكو تريد استغلاله في مواجهاتها مع أمريكا، ولكن الأهم أن البيانات المتاحة تشير إلى أن معدلات نمو مجموعة البريكس تراجع مقارنة بتحسن طفيف في معدلات نمو البلدان الأخرى". ومع رغبة قادة قمة سان بطرسبرج في ألا تبدو قمتهم كمنتدى للأقوياء اقتصاديا فقط، فإن الحديث عن التنمية يحتل حيزا مهما خلال اللقاءات. وإذا كانت المستشارة الألمانية قد استبقت الاجتماعات بالتأكيد على ضرورة عدم نسيان أو تجاهل أن العالم مليئ بالبلدان الفقيرة وأن دفع عملية التنمية في الدول الأكثر فقرا يضمن استقرار الاقتصاد العالمي، إلا أن هذه التصريحات بدت في نظر البعض مسعى لإرضاء الرأي العام العالمي أكثر منها حقيقية واقعية خلال القمة. ويقول الدكتور مراد الحسني الخبير العربي في صندوق النقد الدولي لـ «الاقتصادية»: "في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة فان تركيز البلدان المشاركة في القمة يتمحور حول سبل النمو ورفع معدلاته وخفض البطالة، والتطرق إلى السياسات المالية من منظور الاقتصاد العالمي دليل على ذلك، فتركيز قادة العشرين ينصب حول إصلاح المنظومة البنكية، ومكافحة التهرب الضريبي، أما قضايا إعادة توزيع الثروة سواء عالميا أو محليا فليس محل اهتمام القمة". ويضيف "تحقيق معدلات نمو مرتفعة لا يعني القضاء على الفقر، كما أن الدول الغنية داخل المجموعة تتعامل مع قضايا الفقر العالمي باعتبارها قضية مساعدات، ولا تأخذها في سياق الخلاف في آليات توزيع الثروة، فعلى سبيل المثال ورغم الحكومات التي ترفع شعار الدفاع عن الفقراء في البرازيل فإن 1 في المائة من السكان يسيطرون على 13 في المائة من إجمالي الدخل القومي".

مشاركة :