«الحب السائل» لزيغمونت باومان.. إنسان بلا روابط

  • 8/5/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

انديرا مطر ـــ بيروت | ضمن سلسة كتبه عن ظواهر الحياة الحديثة «السائلة»، صدرت للمفكر الألماني زيغمونت باومان، الطبعة الثانية من ترجمة كتابه «الحب السائل: عن هشاشة الروابط الانسانية». ترجم الكتاب حجاج أبو جبر، وقدمت لها وراجعتها هبة رؤوف عزت، ونشرتها الشبكة العربية للأبحاث والنشر ومنتدى الفقه الاستراتيجي. يعتبر باومان أن الفكرة الأساسية في كتبه عن ظواهر الحداثة السائلة، تتمثل في انتقال الحداثة الرأسمالية من الاقتصاد القائم على الانتاج إلى الاقتصاد القائم على الاستهلاك، الذي نعيش اليوم في غمرته. وهذا ما ينسحب على العلاقات الانسانية والعاطفية والجنسية بين الجنسين. فالمقولة الرئيسية في كتاب «الحب السائل» تتمثل في انتقال الروابط الأساسية، التي تجمع بين الجنسين، من روابط سمتها الثبات والاستمرار والعيش من أجل الآخر إلى روابط عابرة وآنية وهشة، تتغير بين لحظة وأخرى تماماً كما تُستهلك السلع في زمن الاستهلاك السريع. بدأ هذا المسار منذ أن فككت الحداثة المجتمع العضوي والتضامني، وجعلت مشهد الحضور الجسدي هو مسرح الحياة اليومية كلها. وفي هذا الإطار جرى تدمير العلاقات الوجدانية القائمة على الديمومة والعفوية والتلقائية، وذلك بفعل العلاقات التي أنتجها المجتمع الاستهلاكي الحديث، الذي يقوم بتوليد الحاجات توليداً مستمراً ويحوّل كل قديم الى شيء مستهجن يستحق أن يوضع في سلة المهملات، بما في ذلك المشاعر والأجساد والعلاقات الانسانية. رحلة فلسفية يأخذنا باومان في كتابه هذا في رحلة تبدأ من الفلسفة، وتدخل في صلب الاجتماعيات، وتنتهي في السياسة. فبعد كتابيه «الحداثة السائلة» و«الحياة السائلة» (صدرت ترجمتهما عن الدار نفسها)، اللذين يسعيان إلى فهم طبيعة الحالة السوسيولوجية، التي نعيشها اليوم، يريد في كتابه «الحب السائل» أن يبيّن تجليات الحداثة السائلة في وعينا لذاتنا، وخياراتنا الشخصية، وعلاقاتنا العاطفية. يحدثنا باومان عن الحياة العاطفية في ظل غياب أعمدتها وسقفها، وفي ظل اختفاء الثقة وسيادة المغامرة، «حتى ان الانسان صار يأكل ثماراً محرمة، وهو يظن انها الجنة المفقودة، فيما تعده آلة التشويق الرأسمالية بقمة اللذة ومنتهى النشوة». هكذا دخل الانسان عالم الصلات العابرة ظناً منه أنه يتخفف من مسؤوليات والتزامات، ولا يحرم نفسه من فرص وآفاق مستجدة. لكنه يجد نفسه في النهاية تعيساً يحتاج إلى مستشار نفسي يقود حياته، أو خبراء بكلفة باهظة ينصحونه كيف يقيم علاقة طبيعية في زمن لم يبقَ فيه شيء طبيعي على حاله.. وهذا ما يسميه باومان «عالم النفايات»، حيث كل الصلات يمكن الاستغناء عنها مثل منتج استهلك. حياة اللحظة فلسفياً يجد باومان تبرير هذا كله في اختفاء الأبد. فحين اختفى الابد بات الانسان يبحث عن أبدية اللذة في لحظة المتعة وآنيتها بلا مسؤوليات ولا التزامات. واللحظة هذه غالبا ما تختصرها علاقة الاجساد.. والاجساد في النهاية يصيبها الملل أو تزهد من جسد آخر أصابه التعب. فحوى القول ان باومان يرى ان عالم الحداثة السائلة قضى على العلاقات الثابتة، ومنها الزواج لمصلحة علاقات آنية عابرة لا تدوم. وهو ينتقد هذه السيولة انتقاداً عنيفاً ومريراً على مدى صفحات كتابه، التي يحضر فيها كبار الروائيين والرسامين والفلاسفة. في طليعة هذه الروايات رائعة النمساوي روبرت موزيل «رجل بلا خصائص» (او بلا صفات). وبطل هذه الرواية هو بلا صفة ولا خاصية، بل انه يبتكر لنفسه الصفة والخاصية التي يرغب ويريد وفق مهارته وتجربته. ونسجا على منوال عنوان هذه الرواية يبتكر باومان فكرة أن انسان اليوم هو انسان بلا روابط ثابتة ومستمرة. واذا علمنا ان هذا الكتاب كتب ما قبل شيوع وسائل التواصل الالكتروني الاجتماعية على نطاق واسع، فإن باومان سوف يعتبر ان انسان اليوم ليس بلا روابط فحسب، وانما هو كائن افتراضي غير موجود.

مشاركة :