عاطف الغمري هل يحتاج الواقع القومي للأمة العربية إلى محفزات متطورة، وفق متغيرات العصر، ليصبح مفهوم القومية أكثر حيوية، ومتانة؟ إن القومية العربية واقع لا يشعر به أصحابه فقط، بل يضعه الطامعون في المنطقة تحت أعينهم مصدراً لقلقهم، ولا يفوتون فرصة لتوجيه ضربات قاصمة له لو استطاعوا ذلك. فهو مكون مشترك ضارب في الضمير الإنساني، بحكم التاريخ، والثقافة، والتقاليد، والمحن التاريخية، سواء التي تشابهت فيما بينها من دولة لأخرى، أو لحدوث المحنة بصورة تمسهم جميعاً، دفعة واحدة، مثل تبعات مأساة الشعب الفلسطيني منذ 48 وحتى الآن، ومثل نكسة حرب 1967. إن العصر المتغير لم يعد يكفيه التخاطب بهذه المفاهيم وحدها، بل صار في أشد الاحتياج لملاحقة فرص جديدة وتحديات متجددة، تطال الجميع لا تستثني منهم دولة. فمثلاً، حدث تغيير في المفهوم العالمي للأمن القومي للدولة، ولم تعد القوة العسكرية وحدها هي حائط الصد في مواجهة أية طموحات، أو اعتداءات خارجية. بل صعدت في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، إلى قمة مكونات الأمن القومي القدرة الاقتصادية التنافسية، ليس لمجرد الإنتاج الاستهلاكي، بل لابتداع سلع تغزو أسواق العالم، وتحتل لدولتها مركزاً تنافسياً، في السوق العالمي. وهذا عنصر لم يعد العالم، خاصة القوى الإقليمية، وبالتحديد في آسيا وأمريكا اللاتينية، تتعامل معه بحسب قدرة كل دولة على حدة، بل بالتكامل الإقليمي، خاصة نموذج التجربة الآسيوية، بخلق حلقة إنتاجية تكمل مكوناتها بعضها بعضاً، وتشترك فيها مجموعة من الدول. وكما لاحظنا، فإن الدول التي سميت بالقوى الصاعدة في آسيا ثم في أمريكا اللاتينية، قد نهضت أولاً على أساس الإنجاز الاقتصادي الذي رفع نفوذها ومكانتها إقليمياً، ثم دولياً. وهناك متغير مهم يخص منطقتنا العربية، وهو ما جرى من فتح جبهة حرب عدوانية متصلة ببعضها بعضاً، وعابرة للحدود، تتولى تنفيذ مهامها المرسومة بدعم خارجي، منظمات إرهابية محلية. بحيث لم يعد الأمن القومي الذي تستهدفه هذه المنظمات محصوراً في حدود دولة بعينها، بل صار متمدداً عبر الأراضي العربية، وهو ما يلزمه تكامل زمني عربي موحد. والتكامل ينشئ بدوره مصالح مشتركة متوافقة، ومتبادلة، ومتوازنة، تعمل بدورها على إعطاء مفهوم القومية التاريخي محتوى جديداً يقوم على المصالح المشتركة، ويتلاءم مع متغيرات العصر، وما يحدث فيه من تحولات سواء من جانب القوى الكبرى، صاحبة اليد الطولى في تحريك الأحداث في المناطق الإقليمية، أو من جانب دول إقليمية رأت أن الفرص تهيأت لها لكي تتخطى حدودها الوطنية، وتقتحم جوارها الإقليمي في العالم العربي، وتنفذ حسب تصورها طموحات عفا عليها الزمن، باستعادة نفوذ قديم لها، مثلما هو الحال بالنسبة لإيران، ووهم عودة الإمبراطورية الفارسية، أو تركيا التي تتحدث عن بعث ماضي الدولة العثمانية التي تحللت وبادت. مستشهدة بما كان لها من نفوذ في أراض عربية. إن العصر قد اختلف، وصار واضحاً للجميع أن الخطر يتربص بهم معاً، ناظراً لهم باعتبارهم أصحاب قومية واحدة، مهما اختلفت السياسات بين دولة، وأخرى. والآن، أصبح من الصعب الفصل بين المعنى العاطفي والإنساني للقومية، وبين ملاحقة متغيرات الزمن، بمفاهيم تناسبه. ومن المعروف أن ما سمي بمبدأ التكامل الإقليمي، كان شاع بقوة في أعقاب انتهاء عصر الحرب الباردة، وإذا كانت هناك دول خاصة في آسيا استوعبت هذا المعنى، وتحركت حسب قوانينه، ليتحقق لها الصعود والنفوذ، فإن التكامل في منطقتنا العربية ليس تكاملاً إقليمياً فقط، لكنه وفوق ذلك كله، تكامل قوى في الأساس.
مشاركة :