جناحا الشعر «الفصيح والشعبي» .. لا يخفقان معاً

  • 8/8/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انقسم متذوقو الشعر بين الفصيح والعامي، وكل جانب يحكم على الساحة من وجهة نظره وذائقته، الشعر العامي أو الشعبي كما يطلق عليه محبوه أصبح شريكا يزاحم «الفصيح» في المناسبات الرسمية، وله جمهوره العريض، ويعلل البعض ذلك لكونه يلامس احتياجات الناس ويعالجها في قالب بسيط يفهمه الجميع، وينطلق من اللهجة الدارجة المحكية في التعاملات اليومية، فيما يتجه الشعر الفصيح إلى النخبوية، تاركا كثيرا من المنابر، التي يجب حضوره فيها، وهذا ما يراه البعض تراجعا أمام الشعر الشعبي. « لغة القرآن» يقول الشاعر عبدالعزيز الأزوري: فصيح أو شعبي، الشاعر هو الشاعر.. ليس له ذنب إن وجد نفسه في القالب الشعبي، فهو ذاكرة البيئة والمجتمع في كل الأزمنة، وما انتشار الشعر الشعبي اليوم إلا واحدا من أشكال تزعزع الهوية العربية في جوانبها الثقافية والتعليمية، وعلى الرغم من ذلك لن يؤثر انتشاره في الأمد البعيد في «الفصيح»؛ لأن الشعر الشعبي مكبل بمحليته التي تجعله غير قادر على الذهاب بعيداً خارج الإطارين الجغرافي والاجتماعي، الذي يتكلم اللهجة التي يكتب بها، ولا يمكن أن يعم على القارئ في أنحاء الوطن العربي، فهو من هذه الناحية يحمل بذور عجزه عن الاستمرار، وعدم قدرته على تشكيل تواصل عريض برقعة الوطن العربي، وأتفهم خوف أهل اللغة على انحسار «الفصيح» على الرغم من أنه لا خوف على «الفصحى» ما دام لدينا قرآن يقرأ، والشعر الفصيح يستمد قوته من صلابة اللغة الفصحى وقوة مرجعيتها وإرثها الحضاري، غير أننا مكلفون بإعادتها لمكانتها العظيمة التي تستحقها، وعتقها من انعزالها في إطار أكاديمي صرف، وعدم مواكبتها لمجريات الحياة اليومية، ما جعلها بعيدة عن المتلقي، والوجدان الجمعي وذاكرة المجتمع، وهذا يحتاج لمشروع قومي كبير تتبناه الحكومات عبر مؤسساتها الرسمية سواء كانت تعليمية أو إعلامية وغيرهما.  الحارثي: هموم المتلقي تحدد تلقيه الجهني: الإبداع بوابة تقبل أحدهما «واقع مخيف» وكذلك قال الشاعر محمد العرافي: إنه منذ ما يقارب الثلاثة عقود وتحديدا في الثمانينات ميلادية كانت ساحة الشعر الشعبي محدودة النطاق إعلاميا؛ حيث لم يكن موجودا على الساحة سوى برنامج أو برنامجين فقط، وأغلب متابعيه من الفئة المتوسطة عمريا، وفي المقابل كان الشعر الفصيح حاضرا في عديد من البرامج ومطلاً من نوافذ كثيرة سواء التعليمية التربوية أو الإعلامية الثقافية، وبمرور الوقت والأيام تدخلت عوامل عدة أحدثت تغيرا تدريجيا بدأت معه الكفة في الحضور والتمثيل تميل لمصلحة الشعر الشعبي خاصة مع انطلاقة عصر الفضائيات، فأصبحت برامج الشعبي في تزايد مستمر إلى أن أنشئت قنوات شعبية متخصصة في الشعر الشعبي واتجاهاته وفنونه، وبدأ الشعر الفصيح يتوارى عن الظهور الإعلامي إلا قليلا.. وأشار إلى أن كل ذلك كان له تأثير كبير في تشكل الذوق العام للمجتمع الذي أخذ يتقبل المد الشعبي بكل مجالاته وفنونه، فأصبحت المواهب الأدبية والملكات الإبداعية في طور نشأتها الأولى تسلك الطريق الأسهل والمتاح لوجوده المستمر على الساحة، حتى بلغ الشعراء الشعبيون بهذه الكثرة الواضحة الموجودة اليوم، وعلى الطرف الآخر انحسر وجود الشعر الفصيح عن الساحة، واقتصر على الجانبين النخبوي والأكاديمي وبعض المواهب الفردية هنا وهناك، مبيناً أن هذا التأثر الواضح لا شك أنه باعث للقلق والخوف على الفصيح وجمالياته ما دعا -في الفترة الحالية- المؤسسات والجهات المعنية بالأدب العربي وبالشعر الفصيح تحديدا إلى ضرورة العودة مجددا للساحة الإعلامية فكثفت برامجها وفعاليتها وأنشطتها مستغلة الوصول السهل عبر منافذ برامج التواصل الاجتماعي وقنواته. « نافذة الأذواق» وأبانت د. خلود الحارثي أن لكل شعر جماهيره، ويمكن أن يكونوا الجماهير أنفسهم، لكن الشعر الشعبي يتفوق في المساحة الجماهيرية لسهولة وصوله للمتلقي البسيط، لكن ذلك ليس عائقا أمام الشعر الفصيح؛ حيث يستطيع الشاعر المتمكن بلغته السليمة النافذة للأذواق أن ينتشر ويحقق جماهيرية كبيرة، ونزار قباني مثال على الشاعر الفصيح، الذي انتشر على مستوى كبير جدا أكبر من أي شاعر شعبي. التعويل على الوصول للمتلقي والحصول على إعجابه، أما بالنسبة للموضوعات التي تلامس هموم المجتمع، فلو كتبت بطريقة غير جيدة فلن تجد صدى سواء بالفصيح أو الشعبي. «مقومات الإبداع» وقالت د. هيفاء الجهني عضو اللجنة الثقافية بنادي مكة الثقافي الأدبي، أعتقد أن لا تأثير لإزاحة أي نوع من الشعرين الشعبي والفصيح على الآخر، فلكل منهما عشاقه ومتذوقوه، وإن كان في الأعم الأغلب أن من يتذوق نوعا منهما ويميل له لا يعد اهتماما وتذوقا للآخر. كما أن الشعر في رأيي كلما لامس هموم المتلقّي، ووقف على ما قد يجول في خاطره سواء أمنياته  أو تجاربه أو مجرد بوح معادل سيكون ذلك الشعر مثار اهتمام، وبذلك تتكون القاعدة الجماهيرية بغض النظر عن كون الشعر شعبيا أو فصيحا، وخير دليل على ذلك شعر أبي نواس في العصر العباسي، فقد سار في الآفاق بملامسته هموم الناس، وكذلك نزار قباني في العصر الحديث، فكثير من قصائده سار في الآفاق أيضا .. فإذا ما تحققت مقومات الشعر الأصيل وجماليات النص الإبداعي انتشر ذلك الشعر وحقق قاعدة جماهيرية شعبية بغض النظر عن نوعه أو مدرسته الفنية التي ينتمي إليها. الأزوري: «الشعبي» عاجز عن الاستمرار العرافي: «الفصيح» لم يصمد للمنافسة

مشاركة :