لولا إيماني بالقضاء والقدر، وأن الموت حق، لما صدقت أن زميلنا الأخ عبدالرحمن بن صالح المصيبيح قد مات، فقد فاجأني خبر وفاته بأسرع توقيت مما توقعت، إذ إن أملنا في شفائه لم ينقطع حتى وهو يمر في حالة صحية حرجة كما ذكر لي ذلك ممن زاره من زملائه في الصحيفة، وظلَّ كل منا يلهج بالدعاء أن يتم شفاؤه، وأن يعود إلى أسرته وعمله سليماً من أي علة مرضية. * * هي هكذا الحياة، دار عبور، ومحطة استراحة، وساعات وأيام وشهور وسنوات نقضيها إلى أن يحل الأجل، وننتقل إلى الدار الآخرة، وهكذا رحل حبيبنا (أبو بدر) بعد سنوات من زمالة وصحبة وعلاقة أخوية، كنا معاً على مدى عقود من الزمن نتحرك ونعمل ونتفانى من ذات الموقع وفي هذا الإطار لخدمة الوطن الغالي. * * مات عبدالرحمن المصيبيح، وكانت المفاجأة غير السارة أن يكون مرضه خلال تمتعي بإجازتي السنوية خارج المملكة، وأن تأتي وفاته مساء يوم الاثنين في اليوم الذي رتبت وزميلي مدير عام مؤسسة الجزيرة المهندس عبداللطيف العتيق لنزوره ونطمئن عليه في اليوم التالي، أي يوم الثلاثاء، دون أن يكون لنا حظ في إلقاء نظرة الوداع في زميل نعزه ونقدِّره ونحمل له وعنه أفضل وأجمل الانطباعات على المستوى العملي والإنساني، لكن هذه هي إرادة الله، فليس أمامنا غير التسليم والقبول بها. * * كان الفقيد أحد أبرز الصحفيين في المملكة في التزامه - دون ملل أو كلل - في القيام بالتغطيات الصحفية الميدانية، وفي التركيز والتخصص في ذلك، دون التفكير بنشاطات صحفية أخرى قد تضعف من جهده، وتحد من نشاطه، وتضعه بين خيارات ربما لا يحبذ بعضها، أو لا يجد نفسه فيها، لذلك فقد تخصص بكل نشاطات إمارة منطقة الرياض وأمانة مدينة الرياض والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وكل ما يتصل بنشاطات أو فعاليات ترتبط بهذه الجهات، إلى جانب ما يُكَلَّف به من مهام لا تبعده عن الأولويات في النشاطات التي اعتاد عليها. * * أهمّ ما تميز به الزميل المصيبيح، أنه لم يفكر في أي يوم بالعمل خارج صحيفة الجزيرة، فلم يقبل بإغراءات الصحف الأخرى، كما أنه لم يفكر في إملاء طلباته في ظل الإغراءات التي كانت تتوالى عليه، والمثير للانتباه في حياة الرجل أنه لم يطلب ذات يوم أن تُزاد مكافأته، وتركها دائماً لتقدير ومبادرة رئيس التحرير، كما أنه نأى بنفسه عن أي تفكير بتولي منصب قيادي في الصحيفة، مع أن مَن أتى بعده، وربما من تلاميذه كان يحصل على ذلك، والسبب أن طبيعة الفقيد كانت في الابتعاد عن المشاحنات والمصادمات والخلافات، ولهذا رأى - على ما يبدو - تجنب إدارة عمل يكون فيه رئيساً على غيره من الزملاء حتى لا يقع في أي خلاف معهم. * * ومن بين ما يُذكَر ويُسجل للزميل المصيبيح - الذي يناديه الزملاء أبو صالح وأحياناً أبو بدر، الأولى منسوباً إلى والده، والثانية إلى ابنه الكبير - علاقته الأخوية والإنسانية مع الآخرين، وبينهم زملاؤه في العمل بالصحيفة، فقد كان وإياهم في درجة عالية من الانسجام والمحبة والتقدير، وكان هو - رحمه الله - يتجنب كل تصرف قد يفقده هذه العلاقة التي ظل يحرص ويتمسك بها، لهذا فإن قهوته الصباحية مع التمر التي يحضرها من منزله صباح كل يوم خميس، وقد ظل يحرص أن تكون مصدر تجمع لزملائه في الصحيفة قبل بدء العمل، إنما تمثل صورة لهذه الشخصية في أريحيتها ومحبتها للآخرين. * * عبدالرحمن المصيبيح ظاهرة صحفية، وإن لم يكن قائداً ولا كاتباً، لكنه كان صحفياً بامتياز، وظل هكذا إلى أن مات، والأهم في ذلك أنه لم يكتف بالعمل الميداني الذي يستغرق منه أحياناًً إلى ما بعد منتصف الليل لتغطية المناسبات المهمة للصحيفة، بل إنه يباشر عمله صباحاً قبل كل الزملاء بما في ذلك الزملاء المتفرغون، فيما هو في كل خدمته لم يكن صحفياً متفرغاً للمهنة، لكنه كان يعطيها أكثر مما يعطيها المتفرغون، وهذا ناشئ عن عشقه وحبه الكبير للصحافة والعمل بها، رغم أن عمله مدرساً للغة العربية في مدارس وزارة التعليم يغنيه مالاً ووقتاً عن العمل المضني بالصحافة. * * رحم الله أبا بدر، الصحفي والإنسان، وجعل مكانه في الجنة ونعيمها، وألهم أهله وذويه وأسرته الصحفية الصبر والسلوان، فالفقيد خسارة كبيرة للصحافة، وفراغ كبير سوف يتركه غيابه عن أسرة المصيبيح.
مشاركة :