بغداد - نشّطت العقوبات الشديدة المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة، وصرامة الأخيرة في مطالبة الدول بتنفيذها، المزايدات السياسية داخل الساحة العراقية الحساسة أصلا للتطورات والأحداث الإيرانية، وأذكَت الجدل بين الفرقاء السياسيين العراقيين، في فترة يشتدّ فيها الصراع على السلطة وتُوظّف جميع المعطيات في محاولة ضرب الخصوم وهزيمتهم. وبينما بدا من السهل على زعماء أحزاب وقادة ميليشيات شيعية معروفين أصلا بمتانة علاقاتهم بإيران، التضامن بشكل مطلق مع طهران وانتقاد العقوبات ورفضها ودعوة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي لعدم الالتزام بها، بدت الأخيرة في وضع محرج بين التزاماتها تجاه طهران، وواجب الحفاظ على مصالح حيوية تربط العراق بالولايات المتّحدة. ووجد قادة فصائل شيعية منافسة للعبادي على كرسي رئيس الوزراء الفرصة مواتية لإحراجه وتصويره منحازا للولايات المتحدة على حساب إيران. وانتقدت فصائل وحركات شيعية عراقية الأربعاء، موقف العبادي بالالتزام بقرار الإدارة الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. وأجمعت الفصائل والحركات الشيعية في بيانات صحافية على عدم الانصياع لإدارة الرئيس ترامب. وقال همام حمودي، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، “نحن نرفض العقوبات الأميركية اللاّمشروعة ضد إيران وندينها ونعدها تهديدا لاستقرار المنطقة”. ودعا الحكومة العراقية في بيان صحافي إلى الطلب من “الإدارة الأميركية بعدم التزام العراق بتلك العقوبات”. كذلك هاجمت موقف العبادي من العقوبات كلّ من ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وميليشيا كتائب سيد الشهداء وحزب الدعوة الإسلامية. وطالب تحالف “الفتح” الممثّل السياسي لميليشيات الحشد الشعبي حكومة العبادي بموقف صريح مساند لإيران ضدّ العقوبات. وقال حسن سالم، العضو بالتحالف الأربعاء في بيان، إنّه “يتوجب على الحكومة العراقية من باب الوفاء ورد الجميل أن تقف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقفا شجاعا ومبدئيا لمساندة الشعب الإيراني الذي قدم الأرواح والمال والسلاح في محنة العراق الأمنية بدخول عصابات داعش”. وقطع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي خطوة إضافية في التضامن مع إيران واجتمع بسفيرها في العراق إيرج مسجدي. وقال مكتب المالكي في بيان إنّ زعيم حزب الدعوة جدّد خلال اللقاء “موقفه الرافض للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الشعب الإيراني المسلم”، داعيا المجتمع الدولي إلى “رفض سياسية التجويع التي تفرض على الشعوب”. ودعا بيان المالكي حكومة العبادي “إلى ألا تكون طرفا في هذه العقوبات”، كما دعا “الحكومات في العالم والمنظمات الإنسانية إلى إيقاف تلك الإجراءات العقابية ضد الشعب الإيراني وسرعة التحرك لمعالجة الانتهاكات وما يترتب على ذلك من وضع إنساني وحقوقي مأساوي”. وتراجعت حظوظ المالكي كثيرا في المنافسة على منصب رئيس الوزراء بعد أن اكتفى ائتلافه المسمّى “دولة القانون” بالحصول على 26 مقعدا نيابيا في انتخابات مايو الماضي، ومع ذلك لا يزال يسعى للعب دور كبير في تحديد من يتولّى المنصب في الفترة القادمة. ويعتبر المالكي حيدر العبادي رغم انتمائه لحزب الدعوة الذي يقوده المالكي نفسه منافسا وخصما. واضطرّ العبادي أمام مزايدات خصومه ومنافسيه على السلطة إلى استخدام صياغات مطاطة في التعبير عن الموقف من العقوبات من قبيل عدم “التعاطف” معها مع الالتزام بها في نفس الوقت. ويعلم العبادي جيدا أنّه لا تزال لإيران كلمة تقولها بشأن تشكيل الحكومة العراقية القادمة وتحديد من يرأسها، وأنّها تستطيع أن تقف حجر عثرة في طريق حصوله على ولاية ثانية، لكنه لا يستطيع في المقابل إغضاب حكومة ترامب ذي المواقف الحديّة الصارمة حتى تجاه أقرب الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة. وقال العبادي خلال مؤتمر صحافي عقده في وقت سابق “لا نتعاطف مع العقوبات ولا نتفاعل معها ولا نعتبرها صحيحة”، وأردف “لكننا نلتزم بها لحماية شعبنا”. ولم يخرج خطاب وزارة الخارجية العراقية بشأن العقوبات على إيران عن هذه الصياغة المرنة، حيث ورد في بيان صدر الأربعاء عن المتحدث الرسمي باسم الوزارة أحمد محجوب أنّ “العراق يرفض مبدأ الحصار على أي دولة والذي يلحق الضرر بالدرجة الأولى على الشعوب بمختلف شرائحها الاجتماعية”، مضيفا “في الوقت الذي تشيد فيه الوزارة بموقف الجمهورية الإسلامية مع العراق في مواجهته للإرهاب، فإنها تدعو المجتمع الدولي إلى الضغط من أجل ثني الإدارة الأميركية عن الاستمرار بهذه العقوبات”. ويكشف موقف الحكومة العراقية من العقوبات الأميركية المفـروضة على إيران عن محدودية خياراتها وأنها لا تملك ترف رفضها وعـدم الانخراط فيهـا، حيث ستكون بغداد بشكل رئيسي تحت مجهر الملاحظة الأميركية لأن دور العراق بحكم الجوار الجغرافي مع إيران يستطيع أن يكـون مفصليا في إحباط العقوبات وإفشالها “وهـو الأمـر المستبعد إلى حدّ كبير ولا يمكن لأي حكومة عراقية قادمة مهما كانت تركيبتها والشخصية التي سترأسها، أن تغامر بالقيام بذلـك، إلا إذا أرادت أن تدخل في صراع غير متكافئ وخاسر سلفا مع الولايـات المتحدة”، بحسب ما ورد على لسـان أحـد المحللين السياسيين.
مشاركة :