مثّل لقاء زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بقادة الفصائل الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي في محافظة النجف يوم الثلثاء الماضي، مفاجأة غير متوقعة لمعظم المراقبين، لا سيما في هذا التوقيت بالذات، حيث وصلت خلافات الصدر إلى ذروتها مع «التحالف الوطني» الشيعي بعد قرار المحكمة الاتحادية إلغاء قرار إعفاء نواب رئيس الجمهورية من مناصبهم من جهة، واستمرار معارضته ممارسات الميليشيات التي يصفها دائماً بـ «الوقحة» من جهة ثانية. اللقاء الذي حصل في منزل الصدر ووصف بأنه لقاء المصالحة الشيعية - الشيعية، حضره الأمين العام لمنظمة «بدر» وقائد الحشد الشعبي، هادي العامري، ونائبه أبو مهدي المهندس، وزعيم «عصائب أهل الحق» الشيخ قيس الخزعلي، وزعيم «حركة النجباء» أكرم الكعبي، والأمين العام لكتائب «رساليون» عدنان الشحماني، إضافة إلى بعض القيادات الأخرى، من المفترض أن يطوي صفحة الخلافات والتراشق الكلامي الذي استمر لسنوات، لكنه لم يخرج بإعلان بنود أو مبادئ لتنفيذ تلك المصالحة كما لم يتطرق الاجتماع كثيراً إلى الجانب السياسي وتعليق مفاوضات الصدر مع التحالف الوطني. مصدر مطلع على اللقاء قال لـ «الحياة» أن «قادة الحشد الشعبي ركزوا في أحاديثهم على معركة الموصل من دون تناول الجانب السياسي» وأشار إلى أن «الصدر شدد أثناء اللقاء على ضرورة على أن تكون فصائل الحشد منضبطة وتحت إمرة الجيش العراقي، وأن لا تدخل مدينة الموصل». ويضيف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن «قادة الحشد كانوا يسعون إلى تدعيم الجبهة الداخلية وأرادوا إظهار موقف موحد من الوجود العسكري التركي شمال البلاد، لذلك فإنهم شجعوا خطوة الصدر بتأجيل التظاهرة التي توعد بها أمام المحكمة الاتحادية». وكان من المقرر أن يتظاهر أتباع الصدر يوم الثلثاء الماضي أمام مبنى المحكمة الاتحادية احتجاجاً على قرارها القاضي بإعادة نواب رئيس الجمهورية الثلاثة (نوري المالكي وأسامة النجيفي وأياد علاوي) إلى مناصبهم وذلك من خلال قبولها الطعن الذي تقدم به النجيفي منذ أكثر من عام لإلغاء قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي القاضي بإلغاء مناصب نواب الرئيس. وقرر الصدر تحويل التظاهرة إلى السفارة التركية، حيث توجه المئات من أنصاره ورفعوا شعارات تطالب الرئيس التركي رجب طيب أوردغان بسحب قواته من الأراضي العراقية. وكان الصدر قرر في العاشر من الشهر الجاري تعليق مفاوضات عودة كتلته البرلمانية (الأحرار) إلى التحالف الوطني وقال: «حدثت أمور عدة تكرس الفساد وتحاول إرجاعه ومن تلك الأمور، إبطال المحكمة الاتحادية إقالة نواب رئيس الجمهورية وتأخير اختيار وزيرين كفوءين ومستقلين لوزارتي الدفاع والداخلية ومحاولة البعض للاستيلاء عليها»، وأشار إلى «أن التحالف الوطني يصر على بعض الأمور الخاطئة والتسويف في ملف الوزارات والمناصب الأخرى التي يتربع عليها الفاسدون». ووفقاً للمصدر فإن «اجتماع قادة الحشد لم يتطرق إلى تعليق مفاوضات الصدر مع التحالف الوطني على الإطلاق ولم يطلب منه العودة إلى المفاوضات، لكن الأحاديث كانت حول مستقبل الحشد وضرورة تحويله إلى مؤسسة نظامية تابعة للحكومة». وفي المؤتمر الصحافي، الذي أعقب اللقاء، كشف الصدر عن اتفاق مع قادة الحشد حول «مستقبل العراق ما بعد تنظيم داعش»، مؤكداً أن «بعض مخاوفه قد بددت، وأولها بعد أن تولى الجيش العراقي قيادة معارك التحرير»، معرباً عن أمله بأن يتم «تبديد بقية مخاوفه في لقاءات أخرى». وقال العامري أن «اتفاقنا مع زعيم التيار الصدري في أعلى درجاته»، مشدداً على أن «الجميع يقدّر ظروف العراق الحرجة». فيما وصف قيس الخزعلي، مقتدى الصدر بأنه «رمز وطني عراقي»، مشدّدا على أن «تكامل الأدوار يكمن في موقف وطني واحد خلف القوات المسلحة». ويقول النائب عن كتلة «الأحرار» المتابعة للتيار الصدري عبدالعزيز الظالمي لـ «الحياة» أن «الوجود التركي على الأراضي العراقية يوجب على الجميع تأجيل الخلافات والوقوف معاً بوجه العدوان الخارجي» وأشار إلى أن «عودة التيار الصدري إلى التحالف أمر يحدده الصدر فقط ولا يوجد حتى الآن أي حديث بهذا الخصوص». ويضيف الظالمي أن «كل الجهود تنصب الآن لدعم القوات العراقية والحشد الشعبي في معركة الموصل، ولقاء الصدر مع قادة الحشد يعطي دفعة معنوية كبيرة للمقاتلين». ولعل أبرز ما شهده اجتماع النجف هو اللقاء بين مقتدى الصدر وزعيم «عصائب أهل الحق» المنشقة عن تيار الشيخ قيس الخزعلي والملاطفة التي حدثت بينهما أثناء المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع ووصف الخزعلي الصدرَ بأنه «رمز وطني عراقي»، وبعد سؤال توجه به أحد الصحافيين عن احتمال عودة «العصائب» إلى التيار فكان رد الخزعلي في غاية الديبلوماسية وركز على توحيد الجهود لمواجهة «داعش» و «الوجود التركي» وأراد بذلك تجنب الإجابة المباشرة عن السؤال وإيصال رسائل تطمين إلى الشارع الشيعي القلق من مرحلة ما بعد «داعش»، فهذه الفصائل الشيعية سبق أن تقاتلت في ما بينها في السنوات الماضية، وقد وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة من التسليح والتدريب ويخشى من تصادمها مع دوافع سياسية أو من صراع على مناطق النفوذ. وعلى رغم رسائل التطمين هذه، إلا أن المتتبع المشهدَ العراقي يعرف جيداً أن فصائل الحشد التي استضافها الصدر، ومن بينها العصائب، يقودها فعلياً نائب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهو الخصم الأبرز لمقتدى الصدر الذي يعارض سيطرته على مفاصل الدولة وكان سبباً في حرمانه من الولاية الثالثة عام 2014 ويسعى (الصدر) الآن من خلال الاحتجاجات الشعبية إلى عودته إلى رئاسة الوزراء مرة أخرى، كما أن نفوذ المالكي في الحشد الشعبي كان السبب الرئيسي في اتخاذ سرايا السلام (الجناح العسكري للصدري) وضعاً خاصاً في «الحشد الشعبي» فهي تتخذ مواقع دفاعية في مدينة سامراء والمناطق القريبة من العاصمة، ويمكن القول أيضاً أن خلاف الصدر مع المالكي كان وراء انسحاب كتلة الأحرار من «جبهة الإصلاح» التي تشكلت في نيسان (أبريل) الماضي، وتأخر عودتها إلى التحالف الوطني حتى الآن. كل تلك الخلافات تجعل من الصعوبة بمكان تصور مصالحة حقيقية ونهائية بين الصدر وقادة الحشد وهم في الوقت ذاته زعماء لكتل سياسية متحالفة مع المالكي، ولكن يمكن الوصـــول إلى نقطة تفاهم مقبولة تبعد شبح الصـــدام المسلح وتحول دون استخدام القوة فـــي التأثير في المواقف السياسية من خلال التــوقيع على ميثاق مشترك. لكن الصدر ذكر فـي المؤتمر الصحافي أن «ميثاقنا المشترك هو نصرة العراق»، ما يعني أن هذه الفصائل في حاجة إلى اجتماعات أخرى لترتيب علاقاتها في مرحلة ما بعد «داعش» وأن اجتماعها لم يتطرق إلى هذه المسألة. وعلى أي حال، فإن هذا اللقاء كسر الجمود في العلاقة بين التيار الشعبي الواسع للصدر وباقي الأطراف الشيعية على المستويات كافة، وأصبح بالإمكان تكراره مستقبلاً، لكنه لن يتحول إلى تقارب يفضي إلى ولادة تحالفات انتخابية كما توقع البعض إلا في حال نجح الصدر في إخراج المالكي من «معادلة الحشد» أو نجاح الأخير في كسب الصدر وإبقائه ولو مرحلياً ضمن التحالف الشيعي. غير أن التسريبات تتعدد حول الجهة المنظمة هذا اللقاء، فبعض التقارير أشار إلى أنه جاء بدعوة من الصدر وبمباركة المرجعية الشيعية ممثلة بآية الله علي السيستاني، وأشارت تقارير أخرى إلى أن الفكرة طرحها هادي العامري على الصدر منذ فترة، فيما رجحت مصادر أن يكون اللقاء برعاية إيرانية أو بمبادرة من زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله، ولكل احتمال من هذه الاحتمالات دوافع وأسباب متنوعة تترتب عليها نتائج مختلفة باختلاف الطرف الساعي إلى تمرير رؤيته وطموحاته بعد التخلص من «داعش».
مشاركة :