يحتل الحق في العمل وتقلد الوظائف المختلفة مكانة سامية في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وذلك لارتباطه الوثيق بحياة الإنسان كونه الملاذ الوحيد لتوفير احتياجاته واحتياجات أسرته الأساسية، من مأكل ومشرب وكسوة وتعليم وصحة وتنقل بل حتى الرفاهية. وبناء عليه، فالعمل هو حجر الأساس لحياة الأفراد ووسيلة التنمية الإنسانية المستدامة، وهو الحق (الأم) الذي تنشأ منه كل التزامات الأفراد القانونية والمدنية والاقتصادية. وبه يحس الفرد منا بمواطنته كاملة وبالولاء الوطني الكامل، بل يفتخر بانتسابه إلى الجماعات الاجتماعية المختلفة. وبالعمل يُتاح للأفراد منا كشف القدرات والمهارات المختلفة التي تعد حقيقة متنفسا طبيعيا وفرصة لفرض الذات، (انظر: الحق في الشغل والشرعية الدولية، عبدالغني السرار). في عام 1919م تأسست منظمة العمل الدولية باعتبارها من المؤسسات التابعة لعصبة الأمم، وبعد فشل تجربة العصبة انتقلت المنظمة إلى تبعية منظومة الأمم المتحدة. ولهذه المنظمة دور كبير في حقل (الحماية العمالية) وقد حددت الكثير من العلامات البارزة للمجتمعات الصناعية العمالية مثل تحديد ساعات العمل وسياسات الاستخدام، ونظم السلامة المهنية والعلاقات الصناعية. وفي عام 1969 نالت جائزة نوبل للسلام لسعيها الحثيث لتحسين الفجوة بين الطبقات والسعي لعدالة العاملين وتوفير المساعدات الفنية للدول النامية. ولهذه المنظمة أربعة أهداف رئيسية، هي دعم وتحقيق المبادئ الأساسية فيما يخص حقوق العمال في العالم من خلال إصدار توصيات بهذا الصدد، وإبرام معاهدات دولية ملزمة قانونيا لحماية حقوق الإنسان. والسعي الحثيث لإيجاد فرص عمل مناسبة تضمن دخلا مناسبا للرجال والنساء ودعم وتوسيع فعالية نظام الحماية الاجتماعية كالتأمين الصحي والتأمين ضد التعطل. وأخيرا تشجيع وتقوية مبدأ (الحوار الثلاثي) بين أطراف الإنتاج الرئيسية الثلاثة (الحكومات وأصحاب الأعمال والعمال). وعادة ما تنظم هذه المنظمة مؤتمر العمل الدولي في جنيف في شهر يونيو من كل عام، حيث التظاهرة السياسية البرلمانية العمالية، ولكل دولة عضو لديها أربعة ممثلين في المؤتمر: مندوبان عن الحكومة ومندوب عن أرباب الأعمال، ومندوب للعمال. وجميعهم لديهم حقوق التصويت الفردية وجميع الأصوات متساوية، وعادة ما يتم اختيار صاحب العمل والعمال المندوبين، للأكثر تمثيلا، للمنظمات الوطنية لأصحاب العمل والعمال، (انظر: منظمة العمل الدولية، ويكيبيديا). وحق العمل من الحقوق الراسخة في المواثيق الدولية والشرعنة الدولية، وقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مقرا لهذا الحق كما في المادة (23). «لكل شخص حق في العمل وفي اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة». «لجميع الأفراد من دون تمييز الحق في أجر متساو على العمل المتساوي». «لكل فرد يعمل الحق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة كريمة، وتستكمل عند الاقتصاء بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية». كما ضمن الإعلان الحق في إنشاء (التنظيمات النقابية) ومؤسسات الحماية العمالية. «لكل شخص حق في إنشاء النقابات مع الآخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه». وفي الجزء الثالث، المادة (6) بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية: 1 – تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، والذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية. 2 – ويجب أن تشمل التدابير التي تتخذها الدول الأطراف في هذا العهد تأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، وتوفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين. وفي المادة (7) منه: ولكل شخص التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على وجه الخصوص: (أ) مكافأة توفر لجميع العمال كحد أدنى. 1 – أجرا منصفا ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل من دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا شروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوي أجر الرجل. (ب): ظروف عمل تكفل السلامة والصحة. (ج): تساوي الجميع في فرص الترقية داخل عملهم إلى مرتبة أعلى ملاءمة من دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة. (د): الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والإجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية. وقد فصلت (المادة 8) من هذا العهد، حق العمال في أن يكونوا فيما بينهم (نقابات) دونما قيد سوى القواعد المنظمة المعنية بكل بلد. وكذا الحق في إنشاء اتحادات أو اتحادات قومية، وأن تكون هناك حرية تامة في ممارسة النشاط العمالي النقابي دونما قيود غير تلك التي ينص عليها (القانون) المنظم، وبشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين. في 1 يوليو 2003م، بدأ نفاذ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وتنص الاتفاقية على مجموعة من المعايير الدولية الملزمة لتناول معاملة المهاجرين الحائزين للوثائق اللازمة والمهاجرين غير الحائزين لها، على حد سواء، ورعايتهم وكفالة حقوق الإنسان الخاصة بهم، فضلا عن التزامات الدول المرسلة والدول المستقبلة لهم. ويوجد نحو أكثر من (175) مليون شخص من بينهم (عمال مهاجرون) ولاجئون وملتمسو لجوء ومهاجرون دائمون وغيرهم يعيشون ويعملون في بلد غير بلد مولدهم أو جنسيتهم. وبناء عليه، فإن بدء نفاذ هذه الاتفاقية سيعزز المنظومة لحماية هذه العمالة. وقامت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وعملا بقرارها 44/1999م، بإنشاء منصب المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين وقد طلبت اللجنة من هذا المقرر أن يبحث بالوسائل الممكنة للتغلب على العقبات القائمة أمام الحماية الكاملة للعمال المهاجرين (انظر: www.ammestymaha). ويشكل الاتجار بالأشخاص نشاطا ملحوظا وكبيرا عابرا للدول، وتقدر إيراداته الإجمالية بنحو مليارات الدولارات، ويشمل الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون ضحية الخطف أو القسر أو العمل الإجباري في ظل ظروف مهينة ولا إنسانية ولا تحترم حقوق العمل. ويعد الاتجار بالبشر أو الأشخاص جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، والكثير من النظم القانونية الوطنية والإقليمية. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار يوم 30 يوليو يوما عالميا لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وذلك بقرارها المعنون برقم A/RES/68/192. ويمكن القول بأن الاتجار والتهرب والهجرة هي حالات منفصلة عن بعضها بعضا، ولكنها قد تكون قضايا مشتركة ذات صلة. ويوضح تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة الصادر عام 2006 بعنوان (الاتجار غير المشروع بالأفراد) الاتجاه العالمي لهذه الظاهرة ومدى شيوعها في نطاق أنشطة عصابات الجريمة المنظمة، وعملياتها التي تقف وراء هذه الظاهرة. وعدّد التقرير 127 دولة منشأ للأفراد المتاجر بهم و96 دولة عبور، و137 دولة مقصد، حيث يتم استغلال الأفراد والمتاجرة بهم، وخاصة في تجارة الجنس –والعياذ بالله– وعمالة السخرة -وقانا الله تلك المآسي والشرور. ويقول الممثل الخاص لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في تقريره الأول، والذي جاء بعد مرور عشر سنوات على القرار الوزاري بمكافحة الاتجار بالبشر: «إن الاستغلال الجنسي هو الشكل الأكثر شيوعا للاتجار بالبشر في أوروبا الغربية»، (انظر: فاعلية الآليات الدولية والوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، مهند حمود الشبلي، رسالة ماجستير). وقد عدَّ موقع مملكة البحرين ضمن الفئة الأولى (TIERI) في تقرير الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالأشخاص الصادر قبل فترة ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك التزام مملكة البحرين بالمعايير الدولية المتفق بشأنها، وكذا فإنه شهادة دولية تدحض كل الافتراءات الكاذبة والأصوات النشاز التي تصدر من هنا وهناك، والتي لا تمت إلى الواقع بصلة وهو –حقيقة- بمثابة رد كامل عملي وضربة قوية موجعة للأصوات الشاذة التي تصدر تقارير مشبوهة عن المملكة لا تعبر عن الواقع بشيء. وبقراءة فاحصة لأبعاد هذا الإنجاز، فإننا نستذكر بكل فخر جهود حكومة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر في هذا الحقل، ومنها إصدار مملكة البحرين قانونا معنيا بمكافحة الاتجار بالأشخاص، وهو قانون رقم (1) لعام 2008م، وعدّه مراقبون من أهم المبادرات الإقليمية بهذا الشأن. وكذا قامت حكومة مملكة البحرين بإنشاء إدارة معنية وهي إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص وهي إدارة معنية مختصة بالمكافحة والتحقيق والرصد والمتابعة والبحث والتحري حول هذه الجرائم وتتبع الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية. وأنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والتي تضم ممثلين للوزارات والمؤسسات المختلفة منها (الخارجية) و(العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف) و(الداخلية) و(الإعلام) و(المجلس الأعلى للقضاء) و(هيئة تنظيم سوق العمل) و(النيابة العامة الكلية) بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني المختلفة. وعلى الصعيد العمالي والاجتماعي، فإن حكومة مملكة البحرين لم تكن يوما من الأيام بعيدة عن حقوق العمال، بل وقعت كثيرا من الاتفاقيات الدولية المهمة وأصدرت قانونا مميزا وعصريا للعمل، وكذلك قانون للخدمة المدنية وأنشأت ونظمت وأباحت حق التشكيل النقابي والتعددية النقابية، وهو ما كوّن وأسس نشاطا وحراكا نقابيا عصريا متميزا، وكذا فإنها حظرت العمل في ساعات الذروة بالظهيرة لعمال الإنشاءات الذين يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، وأسست نظاما شاملا متكاملا للتأمين ضد التعطل والبطالة، وهو الأول من نوعه في المنطقة، واستحدثت منظومات تأمينية وتقاعدية تغطي جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، وكذا فإن حكومة البحرين عملت على استحداث منظومات رقابية للصحة والسلامة المهنية عبر تفتيش دوري لمواقع العمل بهدف الحفاظ على صحة وسلامة العمال في أماكن وجودهم. وكذا، فإن مملكة البحرين حرصت على المصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية، إيمانا منها بأهمية توافق التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالشأن العمالي وحقوق الإنسان، كما أن المشرع البحريني اهتم بالطفولة وحظر استغلالها بما لا يناسبها، من خلال قانون متكامل للطفولة والارتقاء بالحماية المقررة لها، وتنشئتهم التنشئة الصالحة،، وهذا والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
مشاركة :