- حكومة كندا "قليلة التجربة" لم تستوعب التغيير الجديد والسريع في القرار السياسي السعودي. - القيادة السعودية طبّقت مفهوم الأمن الشامل ومنح الأمن الوطني أولوية لا يمكن لأي دولة التقدم عليها. - الشايع: دولتنا ليست غافلة عن تجييرهم الأهداف الإنسانية لتحقيق مطامع سياسية وورقة ضغط للابتزاز. - باطرفي: يستغلون الأقليات والمراهقين ومدعي المظلومية لتدريب العملاء باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. - الشمري: يتدخلون باستغلال العناصر غير الوطنية والحاقدة ذات الولاء الخارجي ويستخدمون وسائل التواصل للابتزاز. كشف التدخل الكندي السافر في الشؤون الداخلية السعودية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة، الكثير من التداعيات السياسية التي أصبحت مهمة لما يسمى بنشطاء حقوق الإنسان، واليمقراطية، ودعاة حقوق المرأة، وغيرها؛ بدعم من الطابور الخامس، واستغلالها كقوة ناعمة تستخدمها بعض دول الغرب للضغط على الدول الأخرى وابتزازها لتحقيق مصالحها؛ وهو ما فطن له ورفضه الموقف السعودي الحازم والحاسم. حول ذلك التدخل واستخدام القوة الناعمة ضد السعودية؛ يقول المستشار الشرعي والقانوني الدكتور خالد بن عبدالرحمن الشايع: "بدايةً، لا خلاف على ضرورة الحفاظ على حقوق الإنسان في المجتمعات الإنسانية، وهذا ما كفلته الشريعة الإسلامية الغراء في أكمل صورها وأعمقها وأصدقها، وضاعفت الشريعة الإسلامية تأكيد حقوق الإنسان وأكدتها فيما يتعلق بأفراد المجتمع الذين قد ينالهم الضيم أو إهدار الحقوق كالأطفال واليتامى والنساء ونحوهم.. ولما كانت المملكة العربية السعوية تعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستوراً لها؛ فلا غرو أن تكون الدولة مستندة في رعاية تلك الحقوق إلى أصول راسخة". ويضيف الشايع: "وفي عصرنا الحاضر، وبعد أن استفاق الغرب من وهدة الإهدار الذريع لحقوق الإنسان عبر ما عاشوه من سطوة الإقطاع والطبقيات المقيتة في مجتمعاتهم؛ ولدت الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تنامى حضورها في مجتمعاتهم حتى امتد نفوذها إلى خارج دولها التي نشأت فيها، واقترن بذلك تجيير الأهداف الإنسانية لتلك المنظمات لتكون جسراً لتحقيق أهداف سياسية وورقة ضغط على الدول لابتزازها". ويتابع: "لم يزل ملف حقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها من دعاوى الحقوق، تهتم لها الدول ذات الأطماع السياسية والاقتصادية؛ ليكون وسيلتها في ابتزاز الدول والمجتمعات، فراحت تعد التقارير تلو التقارير لممارسة أهدافها المشبوهة. وتتميماً لهذا المشروع الابتزازي للدول والمنظمات الموجهة؛ رأت أن تجعل لها أذرعاً داخل تلك الدول عبر عملاء من أبناء وبنات المجتمع نفسه، ممن رضوا بالخيانة أو خضعوا لابتزاز الاستخبارات؛ فراحوا يصنعونهم ويدربونهم ويخلعون عليهم صفات (ناشط) ونحوها من الألقاب الحقوقية الرنانة، ثم انطلق أولئك النشطاء العملاء لينفذوا الأجندة المصنوعة لهم، وانقلبوا على مجتمعهم وعلى أهليهم وعلى حكومتهم وعلى وطنهم الذي لا غنى لهم عنه والذي تربوا على ترابه العزيز ونالوا من خيراته الكثير؛ فقابلوه بالجحود بدل الشكر، وبالخيانة بدل الوفاء". ويستطرد قائلاً: "وفي خطوات بلغت منتهاها في الوقاحة السياسية والصفاقة الدبلوماسية؛ جعلت تلك الدول الطامعة من سفاراتها مأوى وملتجأً لعملائها ونشطائها المصنوعين لتنفيذ أجنداتها اللئيمة المجرمة. ومما يُحمد لحكومتنا وأجهزتها المختصة أنها لم تكن غائبةً ولا غافلةً عن هذه الخيانات والخطط الرامية لانتهاك سيادتها وتقويض أمنها الوطني؛ فلم تزل تراقب عن كثب، وتتابع على مهل؛ فاغتر النشطاء العملاء بهذا الحلم والتغاضي، واغتر بذلك من جندوهم من الدول، حتى إذا جاء التوقيت المناسب لإغلاق ملفهم بالأدلة والبراهين؛ جاء الردع والقبض وفق الأنظمة والقوانين؛ فلما نطق من جندوهم، شاهدنا النموذج الكندي صاغراً أمام قيادتنا العزيزة، مُداناً أمام العالم بمقتضى القانون الدولي. وبهذا ندرك أن أولئك النشطاء العملاء مهما حازوا من دعم أي دولة ومهما حققوا من نتائج؛ فهذا مدى مؤقت وفاشل، وهم صائرون إلى الخسارة والفضيحة، فالدولة لهم بالمرصاد، ومجتمعنا يلفظهم ويرفضهم". الطابور الخامس أما المحلل السياسي الدكتور خالد محمد باطرفي، فيقول: "في أزمنة مضت، كانت الطريقة الوحيدة للسيطرة على بلد ما، تكمن في استخدام القوة العسكرية، ثم استهداف العقول والقلوب بنشرالعقيدة وكسب الولاء، ومعاقبة المعارضة بالحديد والنار، وبالنفي والتهميش. هكذا بنيت الإمبرطوريات وتوسعت الممالك في القرون الأولى، وهكذا استعمر الغرب بلاد الشرق ونشروا أديانهم وثقافتهم ونصبوا الموالين لهم من أبناء المستعمرات، وحكموهم على الرقاب، وغضوا الطرف عن فسادهم وسفههم وتجبرهم على أهلهم، وبعد الحرب العالمية الثانية، تفككت المستعمرات وخرجت بلدان العرب والمسلمين من تحت مظلة الغرب النصراني والشرق الشيوعي والحكم العثماني. وأصبح الذين لا يحكمون بجيوشهم بل بثقافتهم، ويسيطرون على أبناء العرب والمسلمين المغترين بتمدن المستعمر وقيمه وإنجازاته. والمستعمر لا يختار لهذه المهمة أفضل العقول وأطهر القلوب حتى لا ينقلبوا عليه، وينحازوا لعقيدتهم وقيمهم وأوطانهم؛ بل أقل الناس حكمة وعلماً، وأكثرهم ضعفاً وغلاً، من الأقليات والمراهقين ومدعي المظلومية، يعدونهم بالمن والسلوى، بالتمكين والتحسين، ويغدقون عليهم التمجيد والتدليل. ويضيف باطرفي: "وفي بداية الألفية، وبعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١، انتفض الغرب وقرر أن يغير استراتيجيته التقليدية التي تعتمد النفس الطويل؛ لبث الثقافة وكسب الولاء وإعداد الطابور الخامس، واعتمد أسلوباً جديداً يجمع بين القوة الخشنة والناعمة. فسياسة الفوضى الخلاقة تعتمد على إثارة الصراعات الطائفية والعرقية والتاريخية والفكرية، وتدريب العملاء والناشطين عن طريق المنظمات الحقوقية والمجتمعية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتطور والمدنية". ويتابع قائلاً: "تم تنشيط الدورات التدريبية وبرامج تبادل الطلاب والمؤتمرات الشبابية والملتقيات الفكرية والإعلامية. وكان من بينها مركز تدريبي للناشطين في صربيا، وملتقى النهضة التابع لمجلس علماء المسلمين برئاسة يوسف القرضاوي. ومن خلال هذه المراكز تم استقطاب الشباب والشابات لتلقينهم القيم الغربية وتدريبهم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والنت والتجمع والتواصل السري، وبث الرسائل الموجهة عبر خلايا رقمية وأساليب التخفي، وفي كل مرة يقع أحد أعضاء هذه الشبكات في قبضة الأمن، وتنشط أجهزة الإعلام العربية والدولية المتوافقة مع المشروع وتكثف حملات المطالبة بفك سراحهم من منظمات وشخصيات حقوقية ومجتمعية أكثر من مرة. كما يقدم هؤلاء للرأي العام الدولي على أنهم مناضلون من أجل الحرية والديمقراطية، ويتم تكريمهم ودعوتهم للمؤتمرات والملتقيات الدولية بصفتهم مثقفين ومفكرين يعبرون عن التيارات الشبابية والليبرالية في بلدانهم". ويقول: "يحدو الجميع هدف واحد، الهيمنة على العالم العربي من خلال القوة الناعمة وصولاً إلى السلطة المطلقة؛ إلا أن خروج أمريكا اليمينية في عهد الرئيس ترامب من قيادة المشروع المدمر، وتراجع الموقف البريطاني المحافظ، وخروجها من الاتحاد الأوروبي؛ أضعف المشروع. وربما لهذا السبب نشطت كندا في عهد حكومتها الليبرالية الحالية، لملء الفراغ برغم حداثة خبرتها وقلة تجربتها بالسياسة الدولية وضعف مكانتها على الخارطة السياسية العالمية. وكانت نتيجة الاندفاع غير المدروس، هذه السقطة المدوية في المواجهة مع المملكة العربية السعودية، بثقلها العربي والإسلامي والدولي، ومكانتها الاقتصادية والسياسية على خارطة العالم، وحنكتها وخبرتها في مواجهة المؤامرات، وأصبح ميزان الخسارة أثقل بكثير من ميزان الكسب، وفرص الفشل أكثر من فرص النجاح، ومزيد من التورط لن ينتج عنه إلا مزيد من الخسائر، وهدم لما تبقى من جسور العودة والتراجع". القوة الناعمة أما الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي، الدكتور عبدالله الشمري، فيقول: "تمثل القوة الناعمة أحد أهم الأدوات الناجحة لخدمة السياسة الخارجية للدول، وهي تحظى بمكانة خاصة لأنها تخدم أدوات نفوذ الدول بأقل الأثمان وبأجمل الصور الظاهرية، كما أنها تضمن تضخيم المصالح وكسب مزيد من التأثير ومحاولة التأثير على السياسات الداخلية". ويضيف: "بالإضافة للعمل الخيري والترويج الثقافي، تحتاج الدول الكبرى للتواصل السياسي مع عناصر محلية تحت ستار دعم مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان وقوى تحرير المرأة، وأحد أهم أهداف هذه الدول؛ استخدام ذلك كغطاء وحجة للتغلل وضمان اختراق المجتمعات المحافظة؛ لضمان التأثير في السياسة المحلية، والأهم جمع المعلومات بطريقة غير لافتة". ويضيف: "ولأسباب عديدة؛ استغلت القوى الدولية المناخ غير المستقر في عدد من الدول العربية خلال العقد الماضي، وكان هناك تسابق إقليمي ودولي محموم للتدخل عبر استغلال العناصر غير الوطنية أو الحاقدة وذات الولاء الخارجي؛ فانتشرت ظاهرة نشطاء حقوق الإنسان، وتم استغلال ثورة التكنولوجيا، وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على الساحة الإعلامية والمجتمعية عدة سنوات، وربما تم استغلال تعدد مصادر القرار السياسي والأمني خلال الأعوام الماضية". والجديد -كما يقول الشمري- في المملكة -والذي لم تستوعبه دول مثل كندا- هو التغيير الجديد والسريع في صناعة واتخاذ القرار السياسي وتبلور عقيدة الدولة الجديدة القائم على تطبيق مفهوم الأمن الشامل والذكي، بالإضافة إلى منح الأمن الوطني أولوية لا يمكن لأي دولة أو شخص التقدم عليها فيها. وكندا بتدخلها السافر في شأن داخلي لدولة أخرى؛ تتعدى على السيادة الوطنية التي أرستها العلاقات الدولية (اتفاقية ويستفاليا) منذ العام 1648، وهي بتصرفها اللاقانوني كأنها تريد ضرب الاستقرار في العلاقات الدولية، وهز الثقة بين الدول وربما تأسيس مرحلة فوضى عالمية جديدة لا يمكن التبؤ بما ستؤول إليه؛ وكأن تجربة الثورات العربية المدمرة والتي ثبت أن لها دوراً في التحريض عليها؛ لم تكن كافية لأخذ الدروس منها. ويختم: "برغم ما حصل من تجاوز خطير؛ لا يزال الباب مفتوحاً للتراجع الكندي وتصحيح الخطأ عبر اعتذار صريح، والعودة للعقلانية بعيداً عن ردود الفعل والمكابرة، وكما تقول المدرسة الدبلوماسية: مهما كان الخلاف؛ فتظل هناك طاولة جاهزة تنتظر المتفاوضين أو المعتذرين".
مشاركة :