أمَا وقد انكشف الستار عن ظاهرة «الشهادات العلمية المزيفة» على هذا النحو المرعب، واتسعت الفضيحة إلى حد أن الشك في الشهادة العلمية بات هو الأصل، بينما الثقة هي الاستثناء، فقد صار يتعين علينا جميعا – كل من زاويته وتخصصه – «الفزعة» للدفاع عن الوطن والمواطن بكل ما نستطيع، ليس فقط صونا لشرف العلم ورقي التعليم، بل حفظا لوجودنا ذاته، وبقاء أجيالنا المقبلة أيضا! لقد أضحى فرضا على كل منا أن يعمل على كبح هذه العاصفة الهوجاء التي اجتاحت الكويت بقسوة، كأنما تسعى إلى أن تقتلع من تربتها العزيزة الشجر الأخضر، وقوائم اللافتات على الطريق، وأعمدة الإضاءة، حتى ليخيَّل إليَّ أنها تكاد تهدم مكتسبات المجتمع والدولة والناس، خصوصا أن الأمر يتعلّق بالبعض ممن يتقلدون وظائف قيادية في وزارات الدولة وأجهزتها، كما يشغلون مقاعد التدريس في الجامعات، وهي مفاصل يؤدي اختلالها علميا إلى اهتزاز الدولة وتضعضع نظامها وتآكل قدراتها ربما أكثر مما ينجم عن غزو خارجي، لأن أخطر شيء على وطن ما أن يتعرض لتهديد من أبنائه أنفسهم، فيتكالبون على اقتطاع مصالحهم الخاصة على حساب ثروته المادية والمعرفية وقدسية ترابه! ولقد تحدثت كثيرا – في هذا المكان ذاته – عن الشهادات المزيفة وخطرها على المجتمع والدولة، وسط صمت مطبق ومريب، إلى أن اتسع الخرق على الراقع، فأضحى من الصعب على من يريد التستر على الظاهرة أن يحجب الشمس بفلسٍ صغير، وبدأت بئر الفساد تنضح بما فيها قبل أن تفيض على صفحات الصحف بأخبارها البائسة التي تأخرت عن موعد نشرها عقودا طويلة! يجب علينا إذن أن نشد على يد الوزير الجريء د. حامد العازمي الذي دأب منذ تسلمه حقيبة وزارة التربية ووزارة التعليم العالي في ديسمبر 2017 على التصريح بأن محاربته الشهادات المزورة والوهمية في المؤسسات الأكاديمية هي من أولى أولوياته بعدما صار هذا الملف نارا مسعورة تهدد بضياع الوطن، وبينما ظلت ظاهرة «التزوير العلمي» تستفحل على مدى السنوات، كان أغلبية المسؤولين يديرون لها ظهورهم إما بالتغاضي عنها وإخفاء عيونهم وراء أكفهم، وإما بالتقاعس عن وضع آليات معتمدة عالميا في التدقيق على هذه الشهادات السقيمة قبل اعتمادها، حتى صار حاملوها من المواطنين والوافدين أشبه بجيش يغزو الوطن ويحرق الأخضر واليابس على أرضه… وليس من الصواب أو المنطق أن يتصور أحد أن الظاهرة ظلت غائبة عنا ثم تمزقت عنها الستائر فجأة… فقد ظلت الصحف طوال السنوات الماضية تطالعنا باكتشاف شخص ما مسؤول عن هذه الشهادات المزورة ومتورط بشأنها، لتثار زوبعة إعلامية بضعة أيام قبل أن تُخمد سريعا ونهائيا وكأنها محض حلم عابر… والأسباب معروفة بطبيعة حال، فعندما يكون بين نواب «الأمة» ووزرائها من يحملون شهادات «مضروبة» (كما ذكرت «السياسة» في عددها 10 يوليو 2017)، فإن التحقيقات يجب إغلاقها، وكل الألسنة يتعين إخراسها! فحين يكون المحقق ذاته هو واحدا من الجناة… فلا شك أن الجريمة سيكون مصيرها الضياع والاختفاء… لأن الموتى لا ينبشون قبورهم بأيديهم!! ونكمل في المقال المقبل. أ. د. معصومة أحمد ابراهيمDr.masoumah@gmail.com
مشاركة :