ملف الشهادات المزوّرة ليس وليد هذه الأيام، ففي عام 1992 تحدّث النائب الأسبق مبارك الدويله عن ضرورة مراجعة وتدقيق الشهادات العلمية التي يحملها أعضاء هيئة التدريس في المؤسسات التعليمية. وإذا كان وزير التعليم العالي الأسبق د.بدر العيسى صرّح بوجود 400 شهادة مزورة، فإنما يُذكَر للوزير السابق د.محمد الفارس أنه شكّل لجان تحقيق لفحص شهادات هيئتي التدريس في الجامعة وهيئة التعليم التطبيقي.. غير أن المشكلة دائماً كانت ضربَ سياج الكتمان على ما توصّلت إليه هذه اللجان من نتائج، فلم نعرف مَن المجرم ومَن البريء! وحتى اللجنة التعليمية في مجلس الأمة لم يُرفَع اللثام عن نتائج تحقيقها في ظاهرة التزوير التي طالعتنا الصحف نقلاً بأنها تشمل 6 آلاف شهادة حصل عليها أصحابها من دون تفرّغ دراسي، وهو أمر ينتهك القانون والقواعد، ويقتل قدسية العلم والمصالح العليا للوطن في آن واحد، وعلى الرغم من ذلك عُدلت المسميات الوظيفية لحاملي الشهادات الوهمية، وكثير منهم تقلّد وظائف قيادية.. وبدلا من تفعيل القانون نفاجَأ ببرلمانيين ـــــ وبينهم أعضاء اللجنة التعليمية ـــــ يطالبون بإلغائها؛ بذريعة تقييدها حرية الموظف. وإذا كانت الصحف نشرت أن عملية تدقيق الشهادات المزورة ستنصب على الشهادات الصادرة، بدءا من عام 2007، فإننا نناشد وزير التربية وزير التعليم العالي البدء منذ عام 2000، كما نطالبه بوقف ابتعاث أبنائنا إلى دول عربية، كل جامعاتها (حتى العريقة منها) لا وجود لها في قوائم الاعتماد الأكاديمي العالمية، إلى حد أن شهاداتها صارت أقرب ما تكون إلى الشهادات الوهمية، لغياب كفاءة معلميها، وتساهلها في نظام الحضور، وتسريب أسئلة الامتحان وإعطائها شهادة دكتوراه في سنة واحدة. وعلى لجان التدقيق تفعيل قاعدة «تطابق التخصص» بين شهادتي الدكتوراه والماجستير والشهادة الجامعية، بحيث يجب أن تنتمي كلها إلى تخصص واحد.. لكن يبقى أحد أهم الأمور التي يتعيّن على الوزير العناية بها هو تطهير أجهزة وزارة التعليم العالي من الفاسدين الذين لا يرتاحون إلا بإشاعة الفساد في أروقة الوزارة، خصوصا بعض المعنيين بمعادلة الشهادات، وبعض من يعملون في البعثات التعليمية، فبالإضافة إلى الآليات المتخلفة والمتهالكة التي لا تزال تحكم هذه الإدارات منذ عقود، فإن كثيرا من هؤلاء الموظفين والقياديين يفتقرون إلى الكفاءة العلمية والأخلاقية معا، بل إنهم غالباً ما يعيَّنون في وظائفهم (أو بالأحرى يهبطون عليها بالباراشوت) إما بتزكية من قريب فاسد، أو بدفعة من متمصلح عابث، أو بمحسوبية يرعاها برلماني يتشدّق بحماية مصالح الدولة، في حين هو في الحقيقة يطيحها أدراج الرياح! حسنا فعل وزير التعليم د.حامد العازمي عندما أعلن مقاومته ظاهرة الغش في الامتحانات، متّخذا تدوير القياديين ومديري المدارس أساسا لخطته.. ونحن نناشده الفعلَ ذاته في الإدارات المختصة بالبعثات وتدقيق الشهادات، لأن محاربة التزوير العلمي ليس فقط بتمزيق الشهادات المزورة، أو بالكشف عن أسماء أصحابها وكفى..، فهذا كله معالجة للجزء الأعلى والأقل من جبل الفساد.. لكن إصلات سيف القانون على رقاب الجميع بلا مواربة ولا استحياء، هو وحده ما سيتكفّل بتفتيت الجانب الأكبر والخفيّ من الكارثة! كما نناشده في الوقت ذاته فتح ملف الترقيات لبعض هيئة التدريس بـــ «التطبيقي»، للتأكد من سلامة اجراءاتها العلمية من حيث طبيعة تشكيل اللجان واجراءات النشر في المجلات العلمية. أ.د. معصومة أحمد إبراهيم Dr.masoumah@gmail.com
مشاركة :