... حينما نكون على مقربة من الثقافة الإيرانية، دراسة وبحثا واطلاعا... لن نكتفي بأن نعجب ونندهش بتلك التي تنامت وعظمت خلال فترات زمنية متباعدة من تاريخ إيران، ومن ثم أنتجت إبداعا شعريا ونثريا، أصبح في مقدمة الآداب الإنسانية، وحققت انتشارا واسعا في مختلف بلدان العالم.ولكننا أيضا سنعجب ونندهش حينما نتناول بالقراءة الكتابات الإبداعية المعاصرة والحديثة، تلك التي اتسمت بالعمق والتواصل مع مختلف الأشكال والصور والمضامين الحديثة، وهي كتابات برعت فيها أسماء إيرانية من مختلف الأجيال، وصولا إلى الجيل الحالي، في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية والفنون الجميلة بكل أشكالها والخط العربي وخلافه.فبعد الثورة الإيرانية... اتجه الأدباء إلى مجالات أخرى في الحياة أكثر رحابة، ولم يعد همهم الأول تجسيد الملاحم والبطولات، ومقاومة العبودية، والظلم، والحب والغرام وغير ذلك من الأغراض التي كانت سائدة في العصور القديمة، في المجالات الدينية والوطنية والحياتية، التي لم تكن معنية بأمور الحداثة.ومن ثم فقد برع أدباء معاصرون في نتاجهم الإبداعي... بعد ولوجهم عوالم أخرى اكتسبوها من خلال اطلاعاهم الحثيثة على مختلف الثقافات العالمية، وأسفارهم المتعددة، واتقان بعضهم للغات أخرى غير الفارسية، ودخولهم في عمق التجارب الحديثة في مختلف الفنون والآدب الإنسانية، لنجد مفاهيم جديدة قد تحدث عنها هؤلاء المبدعون مثل الحرية والهموم الاجتماعية والمفاهيم المتعلقة بالمرأة وحقوقها، والمعترك السياسي الذي يشاهدونه شاخصا أمامهم، والفكرة التي بدأت تتبلور من خلال الهوية والقومية الإيرانية وخلافه.ومن خلال هذه الأمور تطور الأدب الإيراني ودخل عنوة إلى عمق التجارب الإنسانية، تلك التي تتبلور فيها مفاهيم متنوعة الجوانب والمضامين، وغير منغلقة في أفكارها على المدلولات التي يفرزها العصر الحديث بكل تحدياته، وميوله المتسارع نحو آفاق جديدة ومتجددة.إذاً نحن الآن إزاء أدب إيراني يختلف عن الموروث، وهو أدب يحتفي بالجمال من منظور أكثر اتساعاً وسعة، وأكثر شمولا في ما يخص الأغراض الأدبية.لتظهر أجيال متعاقبة تكتب في سياق هذه الطفرة التي أصابت مختلف جوانب الحياة، ليس في إيران فقط ولكل في كل بقاع الأرض، ونذكر في مجال الشعر- على سبيل المثال- علي اسفندياري ويوشيج رشيد باسمي وصورتكر ومسعود فرزاد ورعدي آذرخشي وبروين المتصامي وايرج ميرزا وبهار وفرخي اليزدي. ثم أحمد شاملو وسهراب سبهري وفروغ فرخزاد وسياوش كسرائي... وفي مجال القصة القصيرة نذكر محمد باقر خسروي وشيخ موسى كبودر آهنكي وصادق هدايت، كما برزت مظاهر أدبية أخرى لم تكن مطروقة مثل أدب الأطفال الذي تخصص فيه البعض، كذلك المسرح في صورته الحديثة، والفنون التشكيلية، تلك التي برع فيها فنانون تشكيليون إيرانيون متميزون.ومن هذا المنطلق فإن الثقافة في إيران لم تنقطع عن العصر الحديث، بل إنها دخلته بعمق، وبروح تنافسية، أفرزت أسماء معاصرة، وجديدة، بالإضافة إلى أسماء أخرى من الأجيال الواعدة تتبلور أفكارها بصبر وتحد.* كاتب وأكاديمي كويتي
مشاركة :