الثقافة في إيران... بين الأصالة والمعاصرة (3)

  • 8/9/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثنا في المقال الأخير عن الشاعر عمر الخيام برباعياته التي طافت كل العالم من خلال ترجمتها لمختلف اللغات... كنموذج متفرد يشير إلى خصوصية الثقافة في إيران، وسنكون على تواصل مع المبدعين الإيرانيين الذين أثروا الحياة الثقافية العالمية بالإبداع الذي وصل من مجرد منتج أدبي محلي «إيراني» إلى منتج أدبي عالمي، تنقله الترجمات، إلى مختلف دول العالم.ومن هؤلاء المبدعين الذين تأثرت بهم خلال مراحل حياتي المختلفة سعدي الشيرازي، ذلك الشاعر الملهم الذي اتصفت أعماله بالفلسفة والقرب من الهم الإنساني الكبير.وسعدي صاحب «الكلستان والبوستان»، وهما ديوانا شعر فيهما الكثير من الأحداث والفلسفة والعاطفة، والتاريخ، وكان لقبه «كوكب الغزل الفارسي» من أهم الألقاب التي لازمته، ومن اللافت أنه كتب الشعر باللغتين العربية والفارسية.ومن أصعب المحطات التي واجهت سعدي أحداث غزو المغول لخوارزم، مما دفعه إلى الفرار إلى بلدان أخرى مثل الأناضول والشام ومصر والعراق، كي يستقر به الأمر في نهاية المطاف للمكوث في مسقط رأسه شيراز.وأشار الباحثون في شعر سعدي أنه كان شديد التأثر بالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، ومن ثم فقد جاءت أشاعره قريبة من الوجدان الإسلامي، ولكن في أنساق غزلية وفلسفية خاصة، مما أسهم في تفرد لغته وقوة قصائده سواء تلك التي كتبها بالفارسية أو العربية. واستخدم سعدي الأساليب والأشكال الفارسية في ما يخص الأوزان والعروض، تلك التي استخدمها- أيضا- في بعض كتاباته بالعربية، ولقد اعتبر البعض ذلك تجديدا في موسيقى الشعر العربي، والبعض الآخر لم ترق له واعتبرها مخالفا للذائقة العربية في مجال الوزن الشعري.ومن أكثر الأحداث التي تأثر بها سعدي سقوط بغداد، ومقتل الخليفة العباسي المعتصم باللّه سنة 656هجرية على يد هولاكو، تلك التي رآها من أكبر المآسي التي تعرض لها المسلمون في ذاك الوقت كي ينشد في هذه الحادثة قصيدته الرائية.والشاعر حافظ الشيرازي الذي لُقب في عصره بـ«خواجه حافظ الشيرازي» واشتهر بـ«لسان الغيب»، كان من أنقى وأكثر الشعراء في العالم شهرة وتميزا.ومن الأمور التي تستحق التأمل أن مولده كان في شيراز... أقام فيها جل عمره ولم يغادرها إلا مرة واحدة إلى مدينة يزد- كما تشير بعض المراجع التي تتحدث عن سيرته- وقد توفى فيها، ومع ذلك- رغم إقامته التي يراها البعض أنها ضيقة في مدينة واحدة «شيراز»- إلا أن شهرته قد بلغت كل بقاع الأرض، ليس في عصره فقط ولكن في عصور متلاحقة إلى وقتنا هذا.... وقد اعتبرت منظمة اليونسكو قصائده وكتاباته من الكنوز الخالدة في الادب العالمي.ومن التقاليد الإيرانية- اعتقد أنها موجودة حتى الآن- أن كل بيت في إيران لا يكاد يخلو من ديوانه الشعري، بل انهم يتفاءلون أو يأخذون «الطالع» منه، ففي الأعياد الدينية يقوم أحد الأشخاص من كبار السن المشهورين بالثقافة بفتح صفحة عشوائيا من الديوان، ثم يبدأ في قراءة ما تحتويه هذه الصفحة من أبيات شعرية، وهذا على سبيل التفاؤل.وكتب حافظ الشعر باللغتين العربية والفارسية، كما أنه في بعض قصائده قام بدمج اللغتين في قصيدة واحدة، مما يدل على تمكنه من الشعر، وقدرته الفذة على تطويع القصيدة بما يسمح لها أن تكون قطعة فنية محكمة البناء بلغتيها العربية والفارسية.يقول حافظ في إحدى قصائده الخالدة:قضيت الليل في خوف، بحور الهمِّ تطوينيفقل للعاتب الزاري: تعال الآن فانزلهاوأبو قاسم الفردوسي المولود في قرية فاز القريبة من بلدة تباران في إقليم طوس بخراسان... رغم اشتهاره بوضعه وتأليفه لكتاب «الشاهنامة»، إلا أنه من أروع الشعراء وأكثرهم حكمة وقد اشتهر بشعره الملحمي، الذي يتطرق للأحداث التاريخية، ويتجول بين العصور وصفاً ونقلاً وتشويقاً.* كاتب وأكاديمي كويتي

مشاركة :