يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة دول شمال أفريقيا أواخر العام الجاري، في خطوة تكشف تحرك الدبلوماسية الفرنسية للحد من نفوذ الدول المنافسة لباريس في الساحة الأفريقية خاصة في الملف الليبي أمام عودة الاهتمام الأميركي بالصراع الليبي وسباق مع روما لم يهدأ أبدا. ويتوقع مراقبون أن تطرح الجولة المرتقبة للرئيس الفرنسي استراتيجية جديدة للتعامل مع الملفات الشائكة، بغية إقناع أصدقاء باريس بتبني مقاربتها لحل الأزمة الليبية على غرار ملف الهجرة غير الشرعية ومعضلة الإرهاب والوضع في منطقة الساحل الأفريقي. الجزائر - تتصدر المقاربة الفرنسية لحلحلة الأزمة الليبية، والوضع في منطقة الساحل الصحراوي، علاوة على الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب، الأجندة التي تحملها حقيبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته المنتظرة إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط قبل نهاية العام الجاري، في خطوة تلمح إلى مراجعة باريس لاستراتيجيتها في التعاطي مع دول المنطقة، من العلاقات الثنائية إلى الشراكة الجماعية، لا سيما في ما يتعلق بالملفات الشائكة. ويرتقب أن يقود ماكرون جولة إلى كل الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، فضلا عن السعودية، وهي الزيارة المعول عليها من طرف قصر الإليزيه لفتح أفق علاقات جديدة بين باريس ودول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لا سيما بعد فترة ميزها الفتور بين فرنسا والجزائر، منذ تولي ماكرون القيادة السياسية بعد نجاحه في السباق الرئاسي العام الماضي. وبحسب مراقبين في المنطقة، فإن جولة الرئيس الفرنسي المرتقبة، ستؤسس لتحول استراتيجي في كيفية تعاطي باريس مع دول المنطقة، فبعد تركيز أسلافه على إرساء علاقات ثنائية معها، يتوجه ماكرون لبناء شراكة فعلية، خاصة في ما يتعلق بالملفات الحساسة المطروحة، كالهجرة السرية ومحاربة الإرهاب والوضع في منطقة الساحل والأزمة الليبية، فضلا عن التعاون الاقتصادي والتجاري. وكان الرئيس الفرنسي، قد أرجأ زيارة ثانية للجزائر في فيفري الماضي، بعد زيارته الأولى التي وصفت بـ”الاستعراضية” في ديسمبر 2017، إذ لم تفض إلى نتائج ملموسة ترتقي إلى تطلعات البلدين لبناء شراكة متطورة، وهو ما أدخل علاقات البلدين في حالة من الفتور، لا سيما بعد الخطوات المتخذة من طرف الحكومة الفرنسية، والمتعلقة بالقانون الجديد للهجرة وعدم الحسم في مسألة الذاكرة التاريخية المشتركة. وترمي ملفات الأزمة الليبية والوضع في الساحل الأفريقي والحرب على الإرهاب والهجرة السرية، بثقلها على العلاقات الفرنسية مع دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تسعى باريس إلى إقناع شركائها في المنطقة بمقاربتها لحل الأزمة من خلال التسريع في إقامة مؤسسات شرعية منتخبة في طرابلس، ومراجعة سياستها المتصلة بالهجرة، باعتبار أن باريس هي الوجهة الأولى للجالية والمهاجرين المغاربة، فضلا عن تعزيز جبهة محاربة الإرهاب في الساحل الصحراوي، بالقوى العسكرية لدول شمال أفريقيا. وتطمح الجولة المرتقبة للرئيس الفرنسي إلى تكوين اصطفاف في المنطقة خلف المقاربة الفرنسية، بغية تطويق دور بعض القوى الإقليمية المؤثرة في الملفات المطروحة، وسحب البساط من النفوذ الإيطالي والتركي والقطري في الأزمة الليبية بعد ثبوت انحيازه لجهات معينة ولمصالح ضيقة. ويتوقع محللون سياسيون، ألا يكون طريق ماكرون لشمال أفريقيا والشرق الأوسط مفروشا بالسجاد الأحمر، في ظل تباين المواقف بين باريس وبعض عواصم المنطقة، حيث لا زالت الجزائر تتمسك برفض إقامة مراكز احتجاز للمهاجرين الأفارقة على أراضيها من أجل الحد من الضغط المتنامي على سواحل الضفة الشمالية لحوض المتوسط، كما أنها ترفض الانخراط في مجموعة القوة الأفريقية لمحاربة الإرهاب التي أنشأت العام الماضي برعاية فرنسية، بدعوى عقيدة المؤسسة العسكرية القائمة على عدم خروج الجيش عن حدود إقليم البلاد. الجولة المرتقبة لماكرون تطمح إلى تكوين اصطفاف في المنطقة خلف المقاربة الفرنسية، بغية تطويق دور بعض القوى الإقليمية المؤثرة، وسحب البساط من النفوذ الإيطالي والتركي والقطري في الأزمة الليبية بعد ثبوت انحيازه لجهات معينة ولمصالح ضيقة وتتزامن زيارة ماكرون إلى جزائر، مع دخول الولاية الرئاسية الحالية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أنفاسها الأخيرة، ما سيطرح بحدة موقف باريس المؤثر في المشهد السياسي المحلي بشأن الجدل القائم في البلاد، بين مؤيد لترشيح الرجل لولاية خامسة، رغم الظروف الصحية الصعبة، وبين تشدد المعارضة ورفض المشروع. ورغم الدعم الذي حظي به ماكرون من طرف السلطات الجزائرية خلال تقدمه لخوض الاستحقاق الرئاسي الأخير، فإن الرجل لم يبد تفاعلا مع الوضع في هرم السلطة الجزائرية، عكس سلفه فرنسوا هولاند، الذي دعم استمرار بوتفليقة في السلطة، ويملك بصمة في تمرير الولاية الرابعة (2014)، وهو ما لم يتجل في مواقف ماكرون، رغم حاجة أركان السلطة الجزائرية ومحيط قصر المرادية تحديدا، لتزكية فرنسية لمشروع الولاية الخامسة. ومع ذلك يجري التركيز على بعث شراكة اقتصادية وتجارية، تكفل لباريس استعادة مكانتها في السوق الجزائرية، في ظل المنافسة القوية للصين وتركيا، حيث ينتظر أن تكون الزيارة إعلانا عن إطلاق مصنع “بيجو” للسيارات بعد سنوات من المفاوضات المتعثرة، ليكون نموذجا لشراكة تستهدف الانفتاح على أسواق القارة الأفريقية. وكشف رئيس غرفة التجارة الجزائرية الفرنسية في باريس قاسي آيت يعلي عن “لقاء مرتقب بين رجال أعمال جزائريين ونظرائهم الفرنسيين في أكتوبر القادم بباريس لتقييم ملفات الشراكة، وسيكون مصنع علامة السيارات الفرنسية ‘بيجو’، على رأس المشاورات”. وأضاف المتحدث في تصريح لموقع “سبق براس”، أن “معظم ملفات الشراكة الاقتصادية التي كانت عالقة بين الجزائر وفرنسا عرفت طريقها إلى الحل، بما فيها مشروع مصنع بيجو الذي سيفتح أبوابه للإنتاج مع نهاية السنة الجارية بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 ألف سيارة سنويا”. وأوضح أن “الشراكة المستقبلية بين البلدين لن تشمل فقط السوق الجزائرية، وإنما تتعداها إلى السوق الأفريقية، من خلال إبرام عقود ثلاثية تكون فيها الجزائر المستثمر وفرنسا المرافق التكنولوجي وبلد أفريقي ثالث يتم إنجاز المشروع على ترابه”.
مشاركة :