تشرح الجملة الأولى من رواية «آنا كارنينا»، رواية ليو تولستوي، الوضع الراهن للمسلمين، الآسيويين أو أولئك الذين يعيشون في الشرق الأوسط: «جميع الأسر السعيدة متشابهة، بينما كل أسرة تعيسة لها مأساتها الفريدة». يعد الشعب الباكستاني إحدى الأسر التعيسة. ولكم أن تتخيلوا أن ابنك المراهق في طريقه إلى مدرسته، وبعد بضع ساعات يخبرك البعض بأن عليك التوجه للمدرسة لأن ابنك وزملاءه قتلوا رميا بالرصاص. لقد شاهدت صور لـ141 طالبا ومدرسيهم في الصفحات الأولى للصحف الباكستانية. من يمكن أن يصدق ويقبل أن هؤلاء الأطفال الأبرياء قتلوا باسم الله، وباسم الإسلام والجهاد؟! كيف يمكننا تحليل مثل هذه الأحداث الوحشية؟! وكيف يمكن لـ«طالبان» تبرير هذه الجرائم المروعة؟! ربما عندما تقتل «طالبان» عسكريين باكستانيين، فإنهم يبررون أفعالهم بأنهم في حالة حرب مع الحكومة الباكستانية، لكن لماذا قتلوا الأطفال؟! ما مبررهم؟! ومثلما قرأنا في القرآن الكريم، أمر الفرعون بقتل جميع أبناء بني إسرائيل من الذكور في اليوم الأول لمولدهم لاعتقاده أن واحدا منهم قد يتحول إلى عدو له! وهذه حقيقة محزنة ومثيرة للغضب نواجهها هذه الأيام: ومن بين التساؤلات الكبرى التي تفرض نفسها عند هذه النقطة: ما المصدر الرئيسي لهذه الكارثة التي نواجهها بصورة متكررة؟ ودعوني استقِ من كلمات ستيفن وينبرغ، عالم الفيزياء الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979: «الدين إهانة للكرامة الإنسانية. به ومن دونه كنا سنجد الأخيار يفعلون الأمور الخيرة والأشرار يفعلون الشر، وفي حال إقدام الأشرار على فعل الشر فإن هذا يحتاج للدين». وأعتقد من جانبي أننا بحاجة للتمييز بين الدين كمصدر للإيمان والدين كمصدر للعنف والكوارث والجرائم ضد الإنسانية. إن الإسلام كدين، ونبي الإسلام باعتباره مؤسسا للإسلام، والقرآن باعتباره نصًا مقدسًا، جميعهم ضد قتل الأبرياء. لا يرغب الإسلام في فرض أفكاره بالقوة، وإنما تتمثل مبادئه الجوهرية في السلام واحترام الآخرين. لهذا تحديدا، يصف الإسلام نفسه بأنه الدين الذي يكمل الأديان الأخرى. ولذلك، نجد في القرآن تفاصيل تتعلق بحياة موسى والمسيح ومريم وإبراهيم وإسماعيل تفوق ما يتعلق بنبي الإسلام. مثلاً، نجد أن المعلومات المتاحة حول مريم، والدة المسيح، في الأناجيل الأربعة محدودة للغاية، بينما في الإسلام نجد سورة كاملة مخصصة لها في القرآن الكريم. وعندما يتحدث القرآن عن حياة البشر يقول: «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» (المائدة: 32). وينتقد القرآن عرب الجاهلية الذين اعتادوا قتل بناتهم قبل الإسلام، ويطرح عليهم سؤالا عسيرا للغاية: «بأي ذنب قتلت». الآن، نواجه من يبيعون المسيحيات كإماء ويقطعون رؤوس الجميع ويدمرون المدن المقدسة ويقتلون 141 تلميذا بإحدى مدارس بيشاور. وتنضم هذه الكارثة الأخيرة إلى سلسلة من الكوارث التي يقترفونها بناءً على ظنهم أنها تقوم على الشريعة والقيم الإسلامية، فما مصدر الوحشية المتجلية في صورة مهاجمين يقتلون طلابًا بإطلاق الرصاص على رؤوسهم واحدًا تلو الآخر؟ وبالنظر إلى أعين أمثال هؤلاء القتلة بينما يشرحون سلوكهم ويبررون قتلهم البشر أو تنفيذ تفجيرات انتحارية، يتضح لي أن المصدر الرئيسي لهذا القدر الهائل من الجهل هو الاعتماد على تفسير خاطئ للإسلام. من ناحيته، ندد مولانا فضل الرحمن، رئيس جمعية علماء الإسلام، الهجوم، قائلاً: «المذبحة التي وقعت في بيشاور تلطخ اسم الإسلام، في محاولة لتشويهه. وينبغي لباكستان وأفغانستان صياغة استراتيجية مشتركة لهزيمة الإرهاب». في الواقع، لديّ تعليق على تصريح مولانا فضل الرحمن، أولاً: أن مصدر العنف قائم داخل المدارس الدينية. مثلاً، إذا ذهب المرء لمدرسة الحقانية قرب بيشاور، لن يجد صعوبة في إدراك كيف أن الدروس مفعمة بالكراهية تجاه الآخر. وقد عملت بعض القيادات البارزة في «طالبان» في التدريس بهذه المدرسة. ويمكن مشاهدة قبورهم في موقع خاص بالمدرسة مخصص للشهداء. وتعتمد مدرسة دار العلوم حقاني على جمعية علماء الإسلام، التي يترأسها فضل الرحمن. كما أن بعض خريجي المدرسة من القيادات العليا والبارزة في «القاعدة» و«طالبان». على سبيل المثال، لعب كل من الملا عمر وجلال الدين حقاني وعاصم عمر أدوارًا محورية في أفغانستان وباكستان والهند في قتل الناس باسم الإسلام. وغني عن القول، إن جذور هذه الشجرة الملعونة غذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والاستخبارات الباكستانية خلال ثمانينات القرن الماضي. وأود أن أسأل فضل الرحمن: «هل يمكن أن تذهب لتلك المدرسة وتعاين بنفسك كيف يجري تمهيد الطريق نحو الإرهاب باسم الإسلام؟». وجراء أسلوب التعليم والتدريب في مثل هذه المدارس، ينتهي الحال ببعض الطلاب باختبار التفسيرات الخاطئة والمظلمة للإسلام. ثانيًا: في الأربعاء 17 ديسمبر (كانون الأول)، وفي أعقاب الكارثة التي وقعت في بيشاور، تعهد رئيس الوزراء نواز شريف بعدم التمييز بين «طالبان» الجيدة والسيئة. ودعوني أؤكد خطأ استراتيجية باكستان في هذا الصدد، حيث تمسكت باكستان فيما مضى بقناعة أن «طالبان» جيدة بالنسبة لها، ومن ثم دعمتها في قتلها الشعب الأفغاني. ولا شك في أن الكارثة الحالية هي نتاج لهذه الاستراتيجية الباكستانية الخاطئة، ذلك أنه يتعين علينا محاربة الإرهاب في أي صورة وبكل مكان. لقد كان التمييز بين الإرهاب الجيد والسيئ بداية قصة طويلة نواجهها اليوم. وقد يزيل الشعاع المتلألئ من دماء الأطفال الغشاوة التي تغطي أعين فضل الرحمن ونواز شريف! ونأمل أن يكون ذبح تلاميذ هذه الأسرة التعسة (باكستان) الفصل الأخير في مسلسل القتل الوحشي للأطفال.
مشاركة :