بأي ذنب قتلوا؟

  • 3/17/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا وقت للفلسفة في المآسي، فآلام مشاهد الهجوم الذي أدى إلى قتل المصلين بدم باردزفي مسجدي كرايست تشيرش بنيوزيلندا لا تفارقني، وتتجدد معها صور لأبشع جرائم الإرهاب باستهداف المساجد وبيوت الله المخصصة للعبادة، فأي قلم يستطيع التعبير عن حجم ومدى هذا الجرم الشيطاني المخزي؟ والسؤال بأي ذنب قتلوا؟ وهم من كبار السن والشباب والنساء والأطفال وكلهم آمنون في بيت من بيوت الله. للإجابة لا بد من فهم أن هذه المجزرة العنصرية المقيتة ليست حادثا فرديا، بل عمل إرهابي منظم، نفذته بغدر وخيانة عصابة إجرامية مسيحية مسلحة، وبتخطيط وإصرار وترصد. هذا الهجوم مؤلم وصادم في دولة مسالمة ينتهج المسلمون فيها أعلى درجات التسامح والقبول بين الآخرين، والمهاجم إرهابي أيا كان دينه أو جنسه أو جنسيته، فهو سفاح محترف، بدم بارد، وقد أعد واستعد منذ وقت سابق لجريمته الشنيعة، فوثقها صوتا وصورة ببث فيديو مباشر ومرعب على حسابه في الفيس بوك، كان منظر زحف أحد شهداء المسجد بعد الترحيب بهذا الإرهابي يدمي القلب، وتتابع قتله للمصلين العزل بتلك الطريقة الوحشية يثير كل كوامن الأسى في روح المسلمين أو غير المسلمين أو حتى من يملك أقل صفات البشر. جريمة نيوزيلندا عكست بوضوح أبشع صور لتوغل الكراهية والحقد في عالم قد يكون في أشد الحاجة إلى الالتفاف حول قيم المحبة والوئام والسلام، وتحمل مؤشرات خطيرة على أن وراء هذا العمل الإرهابي منظمة دينية مسيحية متشددة، وذات ثقافة تاريخية قومية تؤمن بالتطرف، فالإتقان في تنفيذ الهجوم، وطريقة توثيقه، واختيار الزمان والمكان، وكتابة تواريخ الانتصار للحروب الصليبية على المسلمين في الأندلس وفلسطين بدقة، وإبراز أسماء قادة تلك المعارك على السلاح المستخدم في الهجوم، ونشر صور هذا السلاح على حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي قبل الجريمة بأيام، ثم نشر إعلان يزيد على سبعين صفحة بلغة عميقة ومرتبة، كل هذه الأمور تشير إلى أن الإرهابي الأسترالي برينتون تارنت (29 عاما) ومن ذوي التعليم المتوسط عضو في منظمة إرهابية خطيرة، وليس كما يدعي بأنه يعمل بشكل منفرد ولا ينتمي لأي حركة نازية أو معادية للسامية، وأنه شكل أفكاره من خلال الانترنت، وتأثر بأندرس بريفيك، الإرهابي المسيحي اليميني الذي قتل 77 شخصا في النرويج عام 2011. الإرهاب لا دين له، ولا لون يميز مرتكبيه، ولكن تنامي خطاب الكراهية وانتشار ظاهرة العنف ضد المسلمين كانا من أهم أسبابه. بث خطاب الكراهية باتجاه المسلمين من قبل بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين في كل وسائلهم الإعلامية، وكان آخرهم السيناتور الأسترالي فرايزر أنينغ الذي برر هذه الجريمة بشكل غير مقبول على حسابه في تويتر فكتب «السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها». أخيرا، لعل هذه الجريمة بكل ما سببته من حزن تكون سببا في نشر الإسلام، ومنح الحقوق للجالية المسلمة بنيوزيلندا وغيرها، وتشرع لقوانين حماية دور العبادة، وسيبقى الإسلام دينا عظيما قائما على مبدأ الأمان والتسامح والعدل، فهو يمتد وإن حاربوه اشتد، ومن لم يصدق فليقرأ التاريخ.

مشاركة :