12 جدة يقدّمن قصصا من التراث الفلسطيني في القاهرة

  • 8/15/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ألقت الشائعة التي صاحبت فرقة “يا ستي” (يا جدتي) الفلسطينية، بكونها ممثلة لإسرائيل في مهرجان القلعة المصري، المزيد من الاهتمام الجماهيري بالفرقة التي تقودها الفنانة دلال أبوآمنة واثنتا عشرة جدّة لإحياء التراث الفلسطيني، والتذكير بوطأة الاحتلال ومعاناة الشعب الذي يعاني تحت الاحتلال. القاهرة- لم تتخيل الفنانة دلال أبوآمنة وفرقتها الغنائية أنها عند حضورها إلى القاهرة للمشاركة في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء، الذي يمتد من الثاني وحتى الـ17 من أغسطس الجاري، أنها ستلقى تلك الحفاوة البالغة والاستقبال الجماهيري الغفير في حفلتها، ردا على ما أحاط الفرقة قبل قدومها بأنها أول مشاركة إسرائيلية في محفل فني مصري. وصنعت صحف إسرائيلية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الجدل الواسع، بعدما حاولت اللعب كعادتها على المشاعر الاستفزازية لدى المصريين المرتعدين من التطبيع مع إسرائيل على أي مستوى فني أو ثقافي، وزعموا “أن فرقة يا ستي الفلسطينية ممثلة إسرائيل في المهرجان المصري”. ونفت وزارة الثقافة المصرية هذه العلاقة، بعد أن طالتها موجة غضب عارمة قائلة في بيان لها إنها تعتز بالتمثيل الدولي الأول لفلسطين في مهرجان القلعة، والتي تستحضر روح العائلة الفلسطينية على يد الجدات الفلسطينيات المكون منهنّ مشروع “يا ستي”، ووصفتهنّ بأنهنّ مناضلات بفنهنّ لإحياء التراث الفلسطيني. وما لم تكن تتوقعه وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أطلقت شائعة “إسرائيلية أبوآمنة”، أن تسهم في إلقاء الضوء على الفرقة البديعة وعملها التراثي الشهير لتصبح حفلتها الخميس الماضي، واحدة من أكثر الحفلات جماهيرية بعد أن شكلت حالة وجدانية بين الجمهور العاشق للفن الفلسطيني والفرقة التي عبرت عن نضالها بإحياء ذلك التراث الشعبي القديم. جمالية مشروع "يا ستي" تكمن في الاختلاف الذي تقدمه أبوآمنة بين الجدات اللاتي تنتمين للعديد من القرى الفلسطينية وأفرزت السنوات الماضية الكثير من المطربات اللاتي نجحن في الحفاظ على هوية التراث الفني الفلسطيني، والتأكيد على الدور الحيوي الذي يلعبه في مقاومة آلام الاحتلال، وجرى تبني القضية الفلسطينية والتعبير عنها بأصوات الكثير من الفنانات اللائي جمعن بين الصلابة والقوة، وكأن هناك جينات مكتسبة من واقع المعايشة بجانب المرونة والرومانسية اللتين تجعل لكل منهنّ تجربة مختلفة ومميزة. ومن هذه الحالة خرجت مطربات فلسطينيات بأصواتهنّ للعالم، أبرزهنّ الفنانة الراحلة ريم بنا التي ظهرت منتصف التسعينات من القرن الماضي، تلاها ظهور الكثير من المطربات الفلسطينيات، وحاولت كل منهنّ تقديم التراث بشكل مختلف، منهن سناء موسى التي تغني التراث بشكل صولو منفرد مع الآلات الموسيقية التي تبرز جماليات صوتها، ومنال مرقص التي بدأت مشوارها الفني بالغناء في الأعراس والحارات متمسكة بهوية الأغنية الفلسطينية التي شاركت من خلالها في العديد من المهرجانات الدولية. وآخر تلك المواهب الفلسطينية حاليا، دلال أبوآمنة، ابنة الثلاثين عاما، ومشروعها الأكثر تأثيرا “يا ستي” لتكتب به علامة جديدة في إحياء التراث الفلسطيني. مجموعة من الجدات تخطين العقد السادس، وعددهنّ 12 يجلسن على المسرح وراء الفنانة يشاركنها الغناء الذي لا يشترط أن يكون فيه من أصحاب الأصوات الفخيمة مثل صاحبته دلال أبوآمنة التي اختارتهنّ كراويات للتراث معها من خلال عدد من الحوارات التي تجريها معهنّ خلال الحفل في شكل يشبه المسرح الغنائي الاستعراضي. ومن بين رواة التراث اللاتي شاركن دلال على المسرح الباحثة نائلة لَبْس المتخصّصة في مجال الفلكلور الفلسطيني، والتي تعمل على توثيق الموروث الشعبي، ويحمل اختيار دلال هنا ذكاءً لافتا، لأنها لم تكتف بتقديم التراث الغنائي لوطنها، بل دعمته بحكايات النساء، حيث عاصرن القضية، وتم دمجها بروايات شعبية تحيي من خلالها مواريث كانت قد انقرض بعضها من الثقافة العربية. وقدمت دلال شكل العائلة بين الماضي والحاضر، وروت كيف كان التجمع معا على مائدة واحدة في الوقت الذي أفسدت فيه التكنولوجيا الحديثة حياة الكثير من العائلات العربية، وأحدثت التشرذم، ما يلقي بظلاله على فكرة التقارب بين جميع الأقطار في رسالة فنية ثقافية. وينقسم مشروع “يا ستي” الذي أسّسته دلال أبوآمنة، إلى شقين، الأول يتمثل في تقديم عروض متنوعة من التراث الفلسطيني على المسرح تستعرض من خلالها مراحل من تجمعات النساء السرية قبل النكبة عام 1948. أما الشق الثاني من المشروع فيتمثل في زفة شعبية بعنوان “عرس يا ستي” تقوم من خلالها مجموعة من الجدات الفلسطينيات بإحياء زفة شعبية نموذجية كبيرة في الأزقة القديمة بالمدن الفلسطينية وتتطرّقن خلاله للمدن المهجرة والتي يزيد عددها عن 531 قرية. شائعة "إسرائيلية أبوآمنة" تسهم في إلقاء الضوء على الفرقة البديعة وعملها التراثي الشهير لتصبح حفلتها الخميس الماضي، واحدة من أكثر الحفلات جماهيرية وتكمن القيمة الحقيقية التي تقدّمها أبوآمنة لهذا المشروع في الحفاظ على الروابط بين الفلسطينيين وتوطيد العلاقات الثقافية مع جيرانهم وأشقائهم العرب من خلال الأصوات النسوية التي تنقل التراث من دولة إلى أخرى، وتبقى الرسالة الأهم تعزيز فكرة الانتماء خصوصا لدى قطاع كبير من الشباب. وتزداد جمالية مشروع “يا ستي” في الاختلاف الذي تقدّمه دلال بين مجموعة الجدّات اللاتي تنتمين للعديد من القرى المختلفة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يقدّم مزيجا متنوعا بين موروث السيدات وحالة الدمج التي تقدّمها من خلالهنّ باستحضار مجموعة من العازفين الشباب مع رقصة الدبكة الشهيرة، لدعم تقديم تجربة موسيقية مميزة على المسرح تجتمع فيها الكثير من العناصر الفنية. ولم يتوقف نجاح الفرقة عند تنظيم حفلات متعددة تجذب المئات، لكن بدأت أبوآمنة في توسيع مشروعها على نطاق عربي أوسع تحت شعار “يا ستي الكل”، وتقوم من خلاله بضم نساء من مختلف أنحاء العالم العربي ليقمن بنقل موروثهنّ وحضاراتهنّ. ووصل عدد المتقدّمات لهذا المشروع ما يزيد عن مئة سيدة بين طبيبات متقاعدات وأخريات جذبهنّ المشروع، لأنه لا يلزم الجدّات باستحضار موهبة عظيمة لديهنّ، وحسب ما تؤكد عليه أبوآمنة، فإن مشروعها يتطلب مشاركة النساء صاحبات المزاج الفني. وقرّرت أبوآمنة الذهاب إلى الجانب الروحاني الذي لا تختلف عليه المنابر الدينية والسياسية، وتعد الآن لمشروع بعنوان “نور” تقوم من خلاله بإطلاق التراث الصوفي من الكنائس، ولعل هذا المشروع يأتي في إطار الرسائل التي تؤكد عليها، وأهمها التسامح.

مشاركة :