عوّضت الليرة التركية أمس بعضاً من خسائرها أمام الدولار الأميركي غداة إعلان المصرف المركزي التركي اتخاذ «كل التدابير الضرورية» في محاولة لتهدئة الأسواق. وتم تداول الليرة التركية عند 6.49 ليرة مقابل الدولار و7.41 ليرة مقابل اليورو، لتعوّض بذلك بعضاً من خسائر أول من أمس حين بلغت 7.24 ليرة للدولار و8.12 لليورو. وخسرت الليرة التركية منذ الجمعة نحو 20 في المئة من قيمتها مقابل الدولار. وراجع البنك المركزي، أيضاً نسب الاحتياطات الإلزامية المفروضة على المصارف لتفادي أي مشكلة في السيولة. وأوردت قناة «إن تي في» التلفزيونية أن وزير المال التركي براءة البيرق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، سيعقد يوم غد مؤتمراً عبر الدائرة المغلقة مع نحو ألف مستثمر أجنبي. وأدى تسارع النمو بدفع من التمويل الأجنبي ونسب الفوائد المنخفضة نسبياً إلى اختلال توازن الاقتصاد التركي، ومهّد الطريق أمام تدهور العملة المحلية. وأشعلت الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة على خلفية قضايا عدة من بينها اعتقال القس الأميركي أندرو برانسون، فتيل الأزمة المالية الحالية. وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات استهدفت الصادرات التركية من الصلب والألومنيوم ضمن سلسلة من الإجراءات العقابية على خلفية رفض أنقرة الإفراج عن القس الأميركي الذي يخضع حالياً للإقامة الجبرية لاتهامه بالتجسس وبارتكاب أعمال مرتبطة بالإرهاب. وقالت أربعة مصادر مصرفية أمس أن البنك المركزي التركي سيلبي حاجات البنوك من السيولة بالليرة بتكلفة أعلى من سعر الفائدة القياسي، وذلك في خطوة محتملة صوب تشديد السياسة النقدية باستخدام ممر سعر فائدة بدلاً من رفع الفائدة. وأبلغ المصرفيون، بعد أن امتنع البنك المركزي عن طرح عطاء إعادة الشراء المعتاد له أمس، بأن البنك مستعد لتوفير السيولة بالليرة للبنوك إذا احتاجت إليها بسعر فائدة لليلة واحدة يبلغ 19.25 في المئة أي أعلى 150 نقطة أساس فوق سعر إعادة الشراء الأسبوعي. وأضافوا أن المركزي قرر عدم التمويل عند هذا السعر بسبب تكوينات سعرية وصفوها بغير الصحية والتقلبات المفرطة في السوق، ومن غير المرجح أن يجري عطاء إعادة الشراء المعتاد في الأيام المقبلة إلى أن تهدأ تلك التحركات في السوق. وقال متعامل في سوق الصرف لدى بنك تركي: «فسر البنك المركزي تقلبات السوق بأنها تحركات سعرية غير صحية ووفر مجالاً لنفسه لإمكان العودة إلى سياسة الممر السابقة». واستخدم البنك المركزي من قبل سياسة نقدية أكثر تعقيداً وعدل أسعار الفائدة من خلال ممر بدلاً من استخدام سعر فائدة قياسي. وواجه البنك ضغوطاً سياسية من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي طالب مراراً بخفض أسعار الفائدة لتغذية النمو على الرغم من ارتفاع التضخم وتراجع الليرة إلى مستويات قياسية منخفضة ومخاوف من نمو تضخمي في الاقتصاد. وتحرك البنك لاحقاً لتبسيط أدوات سياسته النقدية وأعلن في أيار (مايو) استكمال العملية، وأن سعر إعادة الشراء لأسبوع واحد سيصبح سعر فائدته القياسي. وقال المصرفيون أن من السابق لأوانه الجزم بأن البنك قد عاد إلى استخدام ممر سعر فائدة. وقال متعامل سوق الصرف: «حاجات السيولة اليوم لا تزيد على بضعة بلايين من الليرة... لذا، لا نستطيع أن نقول، بناء على اليوم فقط، أن البنك المركزي عاد إلى سياسة الممر القديمة له». وفقدت الليرة أكثر من 40 في المئة مقابل الدولار هذا العام بفعل المخاوف من نفوذ أردوغان على الاقتصاد ودعواته إلى خفض أسعار الفائدة وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. ورغب المستثمرون في زيادة صريحة لسعر الفائدة القياسي من أجل وقف خسائر العملة، لكن المصرفيين يقولون أن إعادة العمل بممر سعر الفائدة قد يكون بديلاً من رفع الفائدة. في المقابل، أقبل السياح الأجانب في تركيا على متاجر المنتجات الفاخرة لاقتناص الفرص، مستفيدين من زيادة قوتهم الشرائية نتيجة أزمة العملة في البلاد، والتي دفعت الليرة التركية إلى مستوى قياسي منخفض عند أكثر من سبع ليرات للدولار. واصطفّ زوار، معظمهم من العرب، في صفوف لا تكاد تتحرك أمام متاجر شانيل ولوي فيتون في نيشانتاشي، وهو أحد الأحياء الراقية في اسطنبول، لاستغلال هبوط الليرة. وقالت فاطمة علي من الكويت، والتي تزور المدينة مع ابنتيها، «نشتري الملابس، نشتري مستحضرات التجميل، نشتري علامات شهيرة بأسعار رخيصة جداً». وشأنها شأن كثر من المتسوقين الآخرين، جلبت فاطمة حقائبها معها لتملأها، وانتظرت خارج متجر لمستحضرات التجميل ومعها ثلاث حقائب. وقال موظف في متجر للملابس الفاخرة، رفض نشر اسمه، إن عدد المتسوقين مرتفع في شكل غير عادي، حتى في موسم الذروة، وعزا ذلك إلى ضعف الليرة. وقال متسوق مصري إنه وفر نحو ألف دولار بالمقارنة مع شراء الهدايا والملابس نفسها في بلده. من جهةته، أعلن الرئيس التنفيذي للمجموعة في بيت التمويل الكويتي (بيتك)، ثاني أكبر بنك من حيث الأصول في الكويت، أمس إن محفظته التمويلية مستقرة ومتنوعة بين الليرة والعملات الأجنبية الرئيسية. وذكر الرئيس التنفيذي مازن الناهض في بيان أن مؤشرات النمو التي يحققها بيت التمويل الكويتي التركي (بيتك تركيا)، التابع لبيتك الكويت، تشكل «مصدات لمواجهة انخفاض قيمة الليرة التركية». وهبطت الليرة هبوطاً حاداً بسبب مخاوف من اتجاه السياسة النقدية في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتدهور علاقات أنقرة مع واشنطن. وقال الناهض في البيان إن بيتك تركيا يتمتع «بجودة أصول عالية» بفضل التنوع الاقتصادي في محفظة التمويل. وأضاف «المحفظة التمويلية في تركيا تتمتع بوضع جيد ومستقر وتتنوع وبشكل متوازن بين الليرة التركية والعملات الأجنبية الرئيسية، ما يساعد في بناء حائط صد أمام تأثيرات تقلبات العملة». وأشار إلى أن بيتك «يراقب ويتابع عن كثب» مجريات الأحداث في تركيا، مؤكداً ضرورة اتخاذ الحكومة والبنك المركزي والسلطات المعنية هناك «كل التدابير والإجراءات اللازمة للحد من انخفاض قيمة العملة التركية من خلال تحركات جدية» للخروج من الأزمة».
مشاركة :