هل تنتقل عدوى ضغوط العملات إلى الأسواق الناشئة؟

  • 8/16/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تيم فوكس* تعرضت الليرة التركية لهبوط حاد في قيمتها بسبب الاختلالات الاقتصادية المتكررة والمواجهة السياسية المفتوحة مع الولايات المتحدة، إلا أنها كانت الموضوع الأبرز على الساحة الدولية خلال الأشهر القليلة الماضيةشهدت الأسواق الناشئة ضغوطاً متزايدة بعد الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية وانحدار مستوى الروبل الروسي. ويعود السبب في الأمرين إلى عدد من المشاكل الداخلية التي تعاني منها كل من روسيا وتركيا. ولكن قبل أن يبدأ تأثير هذه الأحداث بالظهور، كانت العملتان متأثرتين بطبيعة الحال بموجة التقلبات الأوسع نطاقاً التي غمرت الأسواق الناشئة. وفيما أن هذه الأزمات التي يشهدها البلدان ستمر في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم ما إذا كانت أسواق البلدان الناشئة الأخرى ستتعرض لمثل هذه الضغوط في الوقت الراهن، وما تأثير ذلك على بقية دول العالم.وعلى الرغم من أن الليرة التركية قد تعرضت لهبوط حاد في قيمتها بسبب الاختلالات الاقتصادية المتكررة والمواجهة السياسية المفتوحة مع الولايات المتحدة، إلا أنها كانت الموضوع الأبرز على الساحة الدولية خلال الأشهر القليلة الماضية؛ وذلك لدورها في تعزيز قيمة الدولار الأمريكي بعد توقعات برفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتأثير ذلك سلباً على أسعار عملات الأسواق الناشئة تحديداً، وخاصة تلك التي تعاني من عجز كبير في الحساب الجاري وارتفاع الديون الخارجية. تضاف إلى ذلك المخاوف المتزايدة بشأن الحمائية التجارية التي تتبعها الولايات المتحدة من خلال فرض رسوم جمركية صارمة على الصين وتهديد الدول الأخرى بالمثل، مما تسبب مرة أخرى في انخفاض عملات الأسواق الناشئة الأخرى.وأدى تساهل الصين في موضوع تراجع قيمة اليوان الصيني إلى زيادة حدة الانقسام السياسي، وبالتالي فرض مزيد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية وزيادة حدة التوتر وسط تنامي مد القومية الاقتصادية وتزايد المخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية.وعليه، فإنه في الوقت الذي كانت فيه الليرة التركية تتصدر عناوين الصحف خلال الأسبوع الماضي، بدورها بدا العديد من عملات الأسواق الناشئة الأخرى في موقف ضعيف جداً، ولا سيما بعد هبوط مؤشر «جي بي مورجان» لعملات الأسواق الناشئة إلى مستوى قياسي، مع انخفاض قيمة الروبل الروسي والراند الجنوب إفريقي والبيزو الأرجنتيني. كما انخفض مؤشر «مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال للأسواق الناشئة» بنسبة 17% منذ بداية العام الجاري.ولم تكن عملات الاقتصادات المتقدمة بمنأى عن هذه التأثيرات، حيث انخفض الجنيه الإسترليني إلى نفس المستوى الذي كان عليه بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ تأثر بفشل مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالرغم من لجوء المملكة إلى رفع أسعار الفائدة. وعلى صعيد آخر، يعتبر تنوع السياسات النقدية أحد العوامل التي تؤدي إلى تفاقم مثل هذه التوجهات، والتي قوضت اليورو والين الياباني في خضم مشكلات النمو دون المستوى والتحديات التجارية.ويكمن الخطر الآن في تحول تراجع الأداء الإقليمي في أجزاء مختلفة من العالم إلى خطر كامن ومصدر لاضطراب بقية أنحاء العالم من خلال التقلبات الحادة في تدفقات رأس المال والعملات، وربما في حركة السكان. ومن الواضح أن الأسواق أصبحت في حالة تأهب دائمة لهذه المخاطر، وخاصة بعد أن زادت احتمالية تعرض الأسواق الكبيرة مثل الصين والاتحاد الأوروبي لمثل هذه المخاطر. وللأسف، أصبح فرض الرسوم الجمركية من الوسائل المقبولة لممارسة الضغوط السياسية في الأشهر الأخيرة، عدا عن فرض العقوبات الاقتصادية في الوقت الراهن أيضاً. مما يدعم بعض ادعاءات الرئيس رجب طيب أردوغان بأن هناك شكلاً من أشكال «الحرب الاقتصادية» ناشبة حالياً.وعادة في الأوقات التي تشهد حالة من عدم الاستقرار المالي والأزمات، يمكن الاستعانة ببعض المؤسسات مثل «صندوق النقد الدولي» للتعاون مع الحكومات المعنية والتوصل إلى الحلول التي من شأنها أن تعزز ثقة المستثمرين والأسواق. وكثيراً ما قدمت وزارة الخزانة الأمريكية المساعدة في هذا الشأن.ولكن هذه المرة، لا توجد مؤشرات قوية تدعم رغبة الأطراف المتنازعة بالتوصل إلى حل لهذه الأزمة، على الأقل في الوقت الراهن. وفي غياب مثل هذه الرغبة، ستستمر المحاور الداعمة للدولار والحمائية التجارية بلعب دورها حتى النهاية، كاشفة بذلك عن اختلافات في الرأي واختلافات سياسية يمكن أن تتحول إلى صراعات أكبر وأكثر ضرراً، متسببة بتدهور كبير في الأسواق المالية. ويبدو أن الولايات المتحدة ماضية في سياستها التي ستدعم قيمة الدولار وتثير المزيد من التوترات التجارية، في حين لا يظهر معارضوها مؤشرات مشجعة على تبني مواقف أكثر تصالحية بشأن قضايا الخلاف الرئيسية.وفي ظل هذه الظروف، من المرجح أن تتفاقم حالة عدم الاستقرار؛ ولا سيما مع تنامي إدراك الدول الأخرى لاحتمال تأثرها بالأوضاع المالية السيئة الناجمة عن الظروف السياسية الصعبة، مثل البرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا وباكستان. وأثبتت الأزمات السابقة أنه يمكن للدول المتقدمة أن تتأثر أيضاً بأزمات الأسواق الناشئة، وتبقى الصين إحدى القنوات الرئيسية التي تنقل هذا التأثير، وذلك لكونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم والذي يسعى إلى تبني نهج لإبطاء النمو دون التأثير على حالة التوازن الاجتماعي. وما هي الأحداث التي شهدناها خلال الأسبوع الماضي سوى مثال مصغر عما يمكن أن ينجم من أضرار أوسع نطاقاً عن عدم استقرار مثل هذه العملية، سواء نتيجة أخطاء في السياسة الداخلية أو تأجيج الخلافات الخارجية. *رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين في مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»

مشاركة :