الشكوى من التأخر في إجراء مراجعة شاملة لأدوات الاقتصاد الروسي في ضوء أزمته، لا تقلل برأي الخبراء من أهمية استخدام الظروف الراهنة ومنها العقوبات ومحاولات فرض العزلة في شكل «إيجابي» والمقصود التوجه نحو إحياء القطاعات الصناعية والخدمية الوطنية وتشجيعها، على رغم المخاوف من أن الخسائر المكلفة التي منيت بها روسيا ستعيق بدورها التقدم في هذا الاتجاه، خصوصاً بسبب العزوف من جانب المستثمرين وفقدان الثقة بالغد. وأورد خبراء حصيلة أولى لخسائر روسيا بسبب العقوبات وتراجع أسعار النفط، وهي دلت على أن حجم الخسائر المباشرة زاد عن مئة بليون دولار وهذا رقم لا يدخل فيه الجهد المنصبّ لتعويض خسائر الشركات والمصارف الروسية التي تأثرت بالعقوبات، كما لا يدخل فيه أيضاً التوجه إلى دعم بعض الشركات الكبرى والمصارف التي تواجه حالياً وضعاً حرجاً بسبب حاجتها إلى مساعدات حكومية عاجلة لتسديد القروض المترتبة أمام المصارف الغربية قبل حلول نهاية العام. ويقول تيمور نعمة الله، المحلل في مؤسسة «إنفيست كافيه» الاستثمارية: «ثمة ضرورة لإعادة تمويل ديون عدد من مؤسسات الدولة التي طاولتها العقوبات، وتعويض أموال المستثمرين الأجانب الذين لا يمكن جذبهم الآن إلى مشاريع محددة. لكن هذه الضرورة تؤدي إلى تقليص الصناديق السيادية». وعلى وجه التحديد، فإن شركات النفط والغاز الكبرى مثل «روس إنفيست» و»نوفاتيك» توجهتا بطلب للحصول على الأموال من خزانة الإيرادات النفطية المعروفة بـ «صندوق الرفاه الوطني». في ظل ذلك، هبطت إيرادات الشركات الروسية في شكل حاد. ووفق بيانات مؤسسة «روس ستات» الرسمية للإحصاء، فإن أرباح ما قبل الضرائب والتي تعادل تقريباً نصف رؤوس الأموال المستثمرة في روسيا، تراجعت في أيلول (سبتمبر) الماضي نحو 83 في المئة. وفي المحصلة، هبطت الأرباح في الربع الثالث قياساً إلى الربع الثالث من 2013 بنسبة 44 في المئة. وتفسر وزارة الاقتصاد ذلك بأن أرباح المصدّرين بالروبل دعمت الارتفاع العالمي النسبي لأسعار السلع الخام في الربع الثاني من العام الحالي، لكنها أخذت بالهبوط في النصف الثاني من العام متأثرة بالأسعار العالمية للنفط وبالظروف الداخلية. وفي المحصلة، فإن هذه الشركات ليست مستعدة للاستثمار في تنمية الإنتاج، كما يريد الكرملين. في هذه الظروف تبدو التوقعات لعام 2015 متشائمة للغاية، وهي تتعلق بالدرجة الأولى بمشكلتين أساسيتين يواجههما الاقتصاد الروسي تتعلق الأولى بأسعار النفط والغاز والثانية بوضع الشركات الروسية المدينة لمؤسسات غربية. وفي الأولى نقلت وكالة « بلومبرغ» عن وزير المال الروسي أنطون سيلويانوف أن اقتصاد روسيا سيشهد انكماشاً في 2015 في حال هبوط أسعار النفط إلى 60 دولاراً للبرميل (التصريح نشر عندما وصلت الأسعار إلى 80 دولاراً). وعندها قال الوزير: «في ظل وصول سعر النفط إلى 80 دولاراً للبرميل، يتعين علينا التعامل في صورة صارمة مع الموازنة». مع هذه العبارات وبعد استمرار تراجع أسعار النفط يبدو من الصعب على الوزير حالياً أن يتحدث عن تكهنات للعام المقبل. في العنصر الثاني تواجه المصارف الحكومية مشكلة جدية في العام الجديد، تتلخص في كيفية تسديد التزاماتها بالعملات الصعبة، ويكفي أن القطاع المصرفي استقطب في العام الماضي من أسواق الإقراض أكثر من 14 بليون دولار، وأن حصة المصارف التي طاولتها العقوبات بلغت 70 في المئة من هذه القروض، علماً بأنه يتعين على المصارف تسديد دفعة من ديونها الخارجية تبلغ قيمتها 34 بليون دولار، قبل حلول آذار (مارس) المقبل. وعلى افتراض أن المصرف المركزي قام بمساعدة بعض المؤسسات، فهذا لا يحل المشكلة إلا في شكل موقت، كما يزيد إرهاق «المركزي» ويفقده مزيداً من احتياطات العملات الأجنبية. وتؤكد ناتاليا أورلوفا، أبرز الاقتصاديين في «ألفا بنك»، أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعني أن كل المصارف المدرجة في لائحة العقوبات ستواجه مشاكل في إعادة التمويل في الأسواق العالمية. أما أحد الحلول الممكنة فهو الاقتراض بالعملة الصعبة من داخل البلاد، غير أن المصارف التي لم تدخل لائحة العقوبات وتملك إمكانية الوصول إلى أسواق العملة الصعبة الغربية هي مصارف متوسطة الحجم في شكل عام، كما أنها لا تستطيع الاقتراض وفق الشروط نفسها المفروضة على المصارف الكبرىً. ويحذر رئيس إدارة التمويل المشترك في مصرف «غازبروم بنك» أليكسي كوتلوف من أن المصارف الروسية لن تنقذ الجميع. ووفق قوله، فإن رؤوس الأموال ليست كثيرة بما يكفي لتحل محل جميع المقرضين الأجانب، وترضي الاحتياجات كلها في قسم الإقراض والاستثمار. وبالإضافة إلى ذلك، تفضل مصارف كثيرة زيادة احتياطاتها على تقديم رؤوس الأموال للإقراض. ويبدو التوجه نحو الشرق أحد المخارج التي يتطلع إليها الاقتصاديون الروس للتخلص من الأزمة الراهنة. تقول كيرا يوختينكو، أبرز المحللين في شركة « إف بي إس» للوساطة المالية، إن المصارف الحكومية، من أجل تغطية الحاجة إلى العملة الصعبة، ستستمر في المستقبل بتوسيع تواجدها في الأسواق المالية الآسيوية. لكن المشكلة كما يشير سوروكو تكمن في أن حجم هذه الأسواق ليس كبيراً كما يبدو.
مشاركة :