تعاني أسرة مكونة من خمسة أفراد حالة شتات، فهي بلا هوية وطنية منذ ما يقرب من 33 عاما، وذلك نتيجة تخلي والدهم عنهم، وتركهم لدى والدتهم التي طلقها بعد زواج دون تصريح من الجهات المختصة. ورغم محاولات الأم استخراج أوراق الهوية المطلوبة والمتمثلة في بطاقة عائلة، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، فبقيت محتارة بين أب تخلى عن أبنائه في أصعب الأوقات، وبين إجراءات رسمية عقدتها بيروقراطية النظام. وبعد سنوات من المعاناة توفيت الأم وخلفت وراءها أبناءها الذين فاتهم قطار التعليم في المدارس الحكومية، وكذلك حرمانهم من العلاج أو الحصول على وظائف، وباتوا الآن مهددين بالطرد من منزلهم. "الوطن" زارت الأسرة في منزلها والتقت الابن الأكبر وحيد القرني ويبلغ الآن 30 عاما، إذ قال "بدأت معاناتنا مع والدنا الذي تركنا مع أمنا غير السعودية دون أوراق ثبوتية منذ ولادتنا، ونحن ثلاثة ذكور وفتاتان، ولا يوجد لدينا حتى عقد زواج يثبت زواجهما لنتمكن من تقديم ذلك في الأحوال المدنية لإثبات نسبنا". وأضاف "كل ما نملك صورة من بطاقة الهوية الوطنية لوالدنا تثبت أنه سعودي الجنسية، ولم يستخرج لنا بطاقة عائلة بل اكتفى ببطاقته ورحل". وأكد وحيد أنه بعد وفاة والدته، تواصل مع والده أكثر من مرة لإقناعه بالذهاب معهم لاستخراج الأوراق المطلوبة. وأضاف "كان يعتذر عن ذلك في كل مرة نتصل به، ويتكاسل عن ذلك ولا نعرف السر وراء تهميشنا ونحن أبناؤه، فلماذا يتركنا دون هوية وليس لدينا شهادات ميلاد تثبت نسبنا فنحن ليس لدينا نسب ولا إثبات". ويواصل القرني حديثه قائلا: "رفعنا طلبا إلى إدارة الأحوال في جدة للحصول على إثبات هوية، لكن لم تقبل الأوراق إذ إن الإجراءات كانت معقدة، علما بأن أبي يملك هوية وطنية ولديه رقم سجل مدني في الأحوال، ويتطلب حضوره معنا أو الذهاب لعمدة الحي من أجل الحصول على مشهد نستطيع خلاله استكمال إجراءات معاملتنا وإنهائها، لكن لم نجد تفاعلا من والدنا ولا من الأحوال المدنية". وأضاف "توجهنا إلى إمارة المنطقة منذ عامين وتقدمنا بطلب النظر في أمرنا وإحضار والدنا بالقوة الجبرية كي يتم استخراج هويات لنا ولكن دون جدوى". وحول تعثر معاملاتهم قال، إنه لا يعلم السبب وراء ذلك، خاصة أنهم حرموا من التعليم والتوظيف جراء رفض معاملاتهم، وبات يحمل عبئا ثقيلا على كاهله، إذ يتولى التزامات إعاشة أشقائه وأخيه الذي يعاني أضرارا صحية بسبب حادث مروري". أسرة الشاب وحيد لا تعاني فقط من تلك الأمور، بل إنها تتعرض للحرج الدائم بسبب عدم وجود إثباتات الهوية، خاصة عند مرورهم بنقاط التفتيش الأمنية. يقول وحيد "في كل مرة تطلب منا الهوية، نبدأ رحلة مفصلة عن شرح حالتنا لهم، نحن نتعرض للإحراج دائما ونحن سعوديون ولكننا لا نملك الإثباتات اللازمة وحرمنا من أبسط حقوقنا بسبب ما فعله والدنا بنا". من جهته، أكد المتحدث الرسمي للأحوال المدنية محمد الجاسر لـ"الوطن"، أن كل زواج رسمي لا بد أن يتوافر له عقد نكاح وشهادات ميلاد للأبناء تثبت اسم الأم وجنسيتها، وخلاف ذلك يعد مخالفا للأنظمة، وإذا كان النكاح وقع وفق الشروط المتكاملة مع وجود وثيقة، فعلى الأب التقدم لإثبات نسب أبنائه، وإذا لم يفعل ذلك فإن على الأبناء اللجوء إلى القنوات الشرعية أي المحاكم لإثبات نسبهم. قانونيا، قال المحامي ريان مفتي، إنه ينبغي على الأبناء أصحاب الشكوى اللجوء إلى القضاء، مبينا أن الزواج دون تصريح هو إحدى المشاكل الكارثية التي لا يعي فداحتها بعض الآباء والأمهات، وتتسبب في ضياع مستقبل الأبناء وتشريدهم، وعلى وحيد وإخوته رفع دعوى لإثبات نسبهم وجلب شهود لإثبات واقعة الزواج، لأن هذا الزواج تم وهو غير نظامي ولا يستطيع الأب إضافة أبنائه عبر الحاسب الآلي، ومن ثم يتم التأكد من هذا النسب عبر تحليل الحمض النووي لإثبات نسبهم لأبيهم، وعلى القاضي التحقق من الواقعة والتحري عنها بالشكل الشرعي الصحيح، وهو بوجود ولي وشهود على إتمام الزواج، وإثبات النسب عبر التحاليل وشهادة الشهود على الواقعة، عبر جلب الأقارب من الأب والأم أو المأذون الذي عقد النكاح إذا كان على قيد الحياة.
مشاركة :