تشكل العمالة المنزلية المعينة للأسرة نسبة كبيرة جدا من العمالة الأجنبية في مختلف مواقعها الاقتصادية والإنسانية والتجارية. وأصبحت هذه العمالة تلعب دورا محوريا ورئيسيا في حياة المجتمع البحريني، ولم يعد من الممكن تقريبا لأغلب العوائل وخاصة الأسر التي تعمل المرأة فيها وتكون خارج البيت, الاستغناء عن هذا النوع من العمالة التي أصبحت مكملا لدورة الحياة الاقتصادية في البحرين. هذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني, الكبير والصغير, ولكن ما أريد إثارته في هذا الموضوع أمرين أراهما في منتهى الأهمية: الأول يتعلق بالدور الإنساني لهذه العمالة, وأقول الدور الإنساني لأنه يشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والأسرية من عمل منزلي شاق ومن سهر على تربية الأطفال ورعايتهم ومن العناية بكبار السن والمعوقين والمرضى إلى غير ذلك من الأدوار التي لا تخفى عن أحد. هذا الدور الإنساني المعلوم من الجميع يفترض أن يواجه بكل التقدير والاحترام لا أن يمر مرور الكرام من دون تقدير أو شكر أو امتنان, فكما هو معلوم فإن هذا الدور الأساسي والمهم يرفع الأعباء عن المجتمع وعن الأسرة البحرينية ويتيح لها التفرغ للاستمتاع بحياتها ولأداء أدوار أخرى في المجتمع أو العمل, ولولا هذه العمالة ودورها الإنساني الذي يستحق الشكر والتقدير لتعطلت العديد من أوجه الحياة الأسرية وأصبحت في خبر كان. نشاهد هذا الدور الإنساني في الشوارع والمتنزهات والحدائق والمستشفيات والمراكز الصحية وحتى في البيوت عندما نرى كيف تهتم هذه العمالة بالأطفال والمرضى وكبار السن والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتشملها بالرعاية والاهتمام والحنان وتقدم لهم كل أشكال المساعدة في مشهد إنساني يستحق التقدير والاحترام. الثاني يتعلق بوجه خاص بالنزعة السلبية في حياتنا الاجتماعية والمتعلقة بالمبالغة في التعويل على عمل هذه العمالة إلى درجة لا يمكن تصورها, فمن المشاهدات اليومية والقصص أن أغلب الأسر البحرينية تكاد تعتمد اعتمادا كليا ومطلقا على الخدم المنزلي إلى درجة أصبح فيها الجميع من الكبار حتى الصغار في البيوت لا يعتمدون على أنفسهم في النظافة والأكل وغير ذلك من الجوانب الحياتية اليومية, التي من المفترض أن ينشأ عليها الأفراد في أي مجتمع على الإحساس بالمسؤولية حيث لا يعقل أن تتولى العمالة المنزلية كل شيء من الألف إلى الياء وهو ما هو قائم الآن للأسف الشديد في واقعنا. إن خدم المنازل في بلداننا الخليجية عامة وليس في البحرين فقط أصبحوا جزءا من صورة الحياة التي نعيشها اليوم ومن الصعب في المستقبل المنظور أن يتم الاستغناء عنها أو التخلص من خدماتها لأهمية الأدوار التي تضطلع بها والتي من الصعب تجاوزها أو تعويضها بأي صورة من الصور الآن ولكن هنالك أمران لا بد من النظر إليهما بكل حكمة: الأول: ضرورة مقابلة هذه العمالة بكل التقدير والاحترام لما لها من دور حيوي وإيجابي أشرنا إلى أهم جوانبه, فلا يعقل مقابل كل هذه الخدمات أن تكون هنالك معاملة قاسية لا تنطوي على الاحترام والتقدير. وهذا الموقف يفترض أن نربي عليه أبناءنا منذ نعومة أظفارهم بلا استثناء حيث يكون ما جزاء الإحسان إلا الإحسان. الثاني: عدم التعويل كليا على العمالة المنزلية في رعاية كبار السن والمرضى والمعوقين وحتى الأطفال حتى لا يفقدوا الحنان الأسري أو يشعروا بالضيق بسبب الإهمال وترك مسألة العناية بهم للعمالة الوافدة. بالرغم من أهمية هذه العمالة إلا إننا نرى ضرورة التخلص ولو تدريجيا من الاعتماد الكلي على العمالة المنزلية الوافدة والاعتماد على أنفسنا للتخلص من النزعة الاتكالية التي تدمر المجتمع وثقافة المجتمع.
مشاركة :