انخفضت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي من 3.51 ليرات تركية للدولار الواحد في منتصف أغسطس 2017 إلى نحو 6.88 % ليرة في 13 أغسطس 2018، وخلال الخمس سنوات الماضية انخفضت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بنسبة 240.6%، حيث كان سعر صرف الليرة التركية 2.02 ليرة للدولار في 1 سبتمبر 2013 (الشكل المرفق). وقد تسارعت حدة التدهور في سعر صرف الليرة التركية بعد محاولة الانقلاب في العام 2016، وما تبعها من أحداث لاسيما الخلاف بين الحكومة التركية والبنك المركزي التركي حول أسعار الفائدة، وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءا بعد تفجر الخلافات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية التي يعتبرها البعض بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وقد حاول البنك المركزي التركي الحد من تدهور سعر صرف الليرة التركية عن طريق رفع سعر الفائدة، لكن الحكومة كانت تعارض وبشدة، إلى أن قرر البنك المركزي قبل نحو شهرين رفع سعر الفائدة 300 نقطة أساس من 13.5 % إلى 16.5 %، وكانت في حدود 8 % في العام 2008. إلا أن ذلك لم يكن كافياً لعلاج الأوضاع المتردية للاقتصاد التركي الذي يعاني من مشكلات مزمنة على الصعيدين المحلي والعالمي. فقد ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة من 60.7 مليار ليرة في العام 2016 إلى 71.0 مليار ليرة في العام 2017، ثم إلى 105.8 مليارات ليرة في العام 2018 (تقدر بنحو 7.8 مليارات دولار في العام 2016 و13 مليار دولار في العام 2017 و17.3 مليار دولار في العام 2018). ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع نسبة العجز في الميزانية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 2.3 % في العام 2017 إلى نحو 2.9 % في العام 2018. وترتب على تفاقم عجم الميزانية العامة للدولة ارتفاع الدين العام على الحكومة المركزية من 738.5 مليار ليرة تركية في العام 2016 إلى 882.7 مليار ليرة في العام 2017، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الدين العام على الحكومة المركزية التركية بنسبة 13.7 % خلال العام 2018 ليصل إلى نحو ترليون و3.5 مليارات ليرة تركية. وعلى صعيد التعاملات الخارجية، ارتفع عجز الحساب الجاري لتركيا من 33.1 مليار دولار في العام 2016، إلى 47.1 مليار دولار في العام 2017، ويتوقع صندوق النقد أن يصل العجز إلى نحو 49.1 مليار دولار في العام 2018. وقد أدت هذه الأوضاع السيئة إلى ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد التركي من 7.8 % في العام 2016 إلى 11.1 في العام 2017 (يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل المعدل إلى نحو 11.4 % في العام 2018)، كذلك ارتفع معدل البطالة من 10.9 % في العام 2016 إلى نحو 11 % في العام 2017. ولمواجهة هذا التدهور الحاد في سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار قرر البنك المركزي التركي الأسبوع الماضي ضخ عشرة مليارات ليرة وستة مليارات دولار أميركي في النظام المصرفي التركي، إضافة إلى ما قيمتها ثلاثة مليارات من الذهب، كما قررت الحكومة التركية الرد على العقوبات الأميركية من خلال زيادة الرسوم الجمركية على 22 منتجا مستوردا من الولايات المتحدة، إضافة إلى مقاطعة المنتجات الأميركية الإلكترونية، وشملت هذه الإجراءات زيادة الرسوم على التبغ الأميركي بنسبة 60 %، والسيارات بنسبة 120 %، والكحول المستوردة من الولايات المتحدة. وأبرز العوائق التي تواجه الحكومة التركية في تعاملها من أزمة الليرة تتمثل في أن 35 إلى 40 % من الديون مقومة بالدولار الأميركي، لذا فالتخلص من هيمنة الدولار على الاقتصاد التركي غير واردة في الأجل القريب، كذلك عدم رغبة الحكومة التركية الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتوفير الكميات الكافية لاستقرار سعر صرف الليرة التركية وإعادة الثقة محلياً ودولياً. وقد أعلنت الحكومة التركية على لسان وزير المالية والخزانة براءة البيراق في 10 أغسطس 2018م عن خطتها للخروج من هذه الأزمة تحت عنوان "النموذج الاقتصادي الجديد" الذي يتضمن ثالثة مبادئ رئيسة هي: تأمين تواصل فعال وثقة مع كافة الشركاء، واستقلالية السياسة المالية، وإعادة التوازن للموازنة، وشمل النموذج الاقتصادي الجديد خمسة أركان هي: مكافحة التضخم، والانضباط المالي الدقيق، والسياسة المالية المستقلة، واقتصاد واسع في القطاع الحكومي، ونمو مستقر ونظام ضريبي عادل. وتم تحديد أهداف متوسطة المدى تشمل تحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 3 إلى 4 %، واستقرار معدل عجز الحساب الجاري عند 4 % من الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على عجز الموازنة في حدود 1 إلى 5 %، وقصر التمويل الخارجي والاستثمار الأجنبي على مشروعات البنى التحتية، وتخفيض نسبة تحويل ديون الخزينة إلى ما دون 100 %، وتخفيض الإنفاق الحكومي بنحو 35 مليار ليرة تركية خلال العام 2018، ورفع الفائض الأساسي بمبلغ 5 مليارات ليرة، وخفض نسبة عجز الميزانية إلى ما دون 2 % في نهاية العام 2018م. وهذه الأهداف طموحة ويصعب تحقيقها في الأجل القصير.
مشاركة :