قال لـ "الاقتصادية" محللون نفطيون إن دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" غيرت استراتيجيتها من الحفاظ على الأسعار إلى الحفاظ على الحصص السوقية، وذلك في ظل تخمة المعروض وتنافس المنتجين داخل المنظمة وخارجها على كسب عملاء جدد. تأتي التغيرات في استراتيجية "أوبك" في وقت استقر فيه سعر نفط برنت الخام فوق 60 دولارا للبرميل أمس، بعد أن أظهرت بيانات أن الاقتصاد الأمريكي نما في الربع الثالث من العام بأسرع وتيرة له في 11 سنة، في أقوى مؤشر حتى الآن على اكتساب النمو مزيدا من الزخم، وأبطل ذلك أثر الضغوط النزولية الناجمة عن وفرة إمدادات المعروض وعلامات على ضعف الطلب العالمي على الوقود. وعدلت وزارة التجارة الأمريكية أمس تقديراتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالزيادة إلى وتيرة سنوية قدرها 5 في المائة من 3.9 في المائة التي أعلنتها في الشهر الماضي. وعزت الوزارة ذلك إلى ارتفاع إنفاق المستهلكين والشركات عن التقديرات الأولية. وهذه هي أسرع وتيرة للنمو منذ الربع الثالث من عام 2003. وجرى تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي بزيادة بلغ إجماليها 1.5 نقطة مئوية منذ نشر التقديرات الأولى في أكتوبر. وبالعودة إلى استراتيجية المنتجين في "أوبك" قال، لـ "الاقتصادية" أحمد الصادي رجل الأعمال إن "أوبك" بقيادة السعودية تدير الأزمة الحالية بحكمة شديدة، وغيرت من استراتيجياتها التقليدية السابقة بالتركيز على الحفاظ على الحصص السوقية والتعامل مع وضع جديد في السوق يقوم على أنه ربما لا تعود الأسعار المرتفعة من جديد خاصة ما فوق 100 دولار للبرميل. وأضاف: إن تأكيد النعيمي أن هبوط أسعار الخام سيعزز الطلب من خلال تحفيز الاقتصاد، يؤكد أن السعودية تضع عينها نصب المستقبل وترى أن الطلب سينمو في ضوء الأوضاع الحالية، والمعروض سيتقلص مع خروج المنتجين الضعفاء، ما يعني أن الأسعار ستعود إلى الارتفاع على المديين المتوسط والطويل. وأشار إلى أن التصريحات حملت كثيرا من الرسائل المهمة للسوق وللمنافسين؛ أهمها أنه لا تقليص للإنتاج بل على العكس هناك استعداد لزيادة الإنتاج والاستحواذ على حصة في السوق لتلبية الطلب من عملاء جدد، وهو ما يؤكد أن التنافس في الفترة المقبلة سيكون على الحصص السوقية بغض النظر عن الأسعار التي ستعود للتحسن تلقائيا. وأوضح الصادي أنه في الإطار نفسه جاءت مواقف المسؤولين السعوديين لتتكامل وتؤكد الرؤية المستقبلية الجيدة، حيث أكد الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية السعودي أن الحكومة ستواصل الإنفاق بكثافة على مشروعات التنمية وتحافظ على المزايا الاجتماعية في الميزانية الجديدة. وأشار إلى أن كثيرا من أصحاب الرؤى التفاؤلية للسوق في السنوات المقبلة يرون أن الهبوط الذي طرأ على أسعار النفط في الآونة الأخيرة سيساعد على زيادة النمو الاقتصادي العالمي إلى ما يصل إلى 0.7 في المائة في العام المقبل، وهو أمر موضوعي إذا تسارع النمو في الدول المستهلكة للاستفادة من الظروف الاقتصادية الراهنة. وقال إن بعض الأوساط الإعلامية الغربية تحاول أن تروج إلى أن الصناعة النفطية في وضع مضطرب والأمر غير صحيح ولا يهم وقوع الأزمات ولكن ما يهم هو كيفية التعامل مع هذه الأزمات، ومن الطبيعى أن تلجأ "أوبك" إلى التخلي عن الأساليب التقليدية في التعامل مع السوق إلى أساليب أخرى أكثر تطورا تواكب طبيعة المتغيرات الاقتصادية. من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور كريستوف لايتل رئيس الغرفة الاقتصادية النمساوية، إن الكثيرين يتحدثون عن مكاسب ووفورات هائلة في دول الاستهلاك ولكن الموقف الاقتصادي لم يستقر بعد ولم تتضح أحجام دقيقة للوفورات والمكاسب ويجب أن تضخ هذه المكاسب في استثمارات وتنمية تزيد الطلب من جديد وتعالج تباطؤ معدلات النمو في كثير من الدول الصناعية الكبرى. وقال إنه يجب أن نعكف على دراسة التأثيرات النهائية لتراجع أسعار خام النفط العالمية على فاتورة شراء المنتجات البترولية، كما أن على بعض الدول المنتجة أن تعيد النظر في سياسات الدعم التي أصبحت صعبة في ضوء الظروف الراهنة. وأكد أنه لا يمكن تحديد قيمة نهائية لتلك الوفورات الآن في ظل التذبذب الواضح في أسعار الخام العالمية، وعدم استقراره، مضيفاً أن تراجع أسعار الخام يؤثر فورياً في أسعار شراء المنتجات البترولية من الوكلاء العالميين. من جانبه، يقول إيجور ياكوفلف المحلل الروسي لـ "الاقتصادية": إن الاقتصاد الروسي في ضوء الأوضاع الراهنة يتحمل أعباء وتحديات كبيرة من أجل أن يصل إلى نقطة التعادل الاقتصادي، مشيرا إلى أهمية تنويع الموارد الاقتصادية والتوسع في إنتاج المنتجات البترولية وزيادة الاعتماد على مصادر مختلفة للطاقة. وأشار إلى أنه في هذا الإطار أطلقت شركة "غازبروم" الروسية للطاقة عمليات تشغيل أكبر مشروع لاستخراج الغاز الطبيعي في شبه جزيرة يامال الروسية الواقعة في شمالي سيبيريا الغربية. وأوضح أن فكرة خفض إنتاج النفط أصبحت مستبعدة الآن سواء على مستوى "أوبك" أو خارج "أوبك" في إطار التنافس الحاد على الحصص السوقية بين كل المنتجين، ووفرة المعروض مقارنة بالطلب، مشيرا إلى أن وزراء "أوبك" أكدوا على هذه المعاني في اجتماعهم في أبوظبي هذا الأسبوع، كما أعلنت العراق ــ وهي ثاني أكبر منتج في "أوبك" ــ أنها تخطط لزيادة الإنتاج إلى أربعة ملايين برميل يوميا في العام المقبل، بالرغم من تراجع الأسعار وشدة المنافسة. يذكر أن سعر مزيج برنت الخام نزل نحو 50 في المائة في الأشهر الستة الأخيرة وسجل أقل مستوى في خمسة أعوام ونصف العام الأسبوع الماضي عند 58.50 دولار، ووجد صعوبة في الارتفاع كثيرا فوق 60 دولارا منذ ذلك الحين. وارتفع سعر خام القياس الأوروبي مزيج برنت في عقود فبراير 1.38 دولار إلى 61.49 دولار للبرميل قبل أن يتراجع إلى نحو 60.40 دولار بحلول الساعة 15:05 بتوقيت جرينتش. وقفز سعر عقود النفط الخام الأمريكي الخفيف أكثر من دولار ليسجل أعلى مستوى خلال الجلسة عند 56.85 دولار للبرميل في التعاملات المبكرة، قبل أن يتراجع إلى نحو 55.90 دولار للبرميل.
مشاركة :