الشارقة: عثمان حسن يؤكد كثير من الدارسين، أن المصطلح النقدي العربي الحديث يعاني من إشكالية واضحة، سيما وأن مرجعيات هذا النقد هي مرجعيات غربية، حيث تؤكد معظم القراءات أن أزمة هذا المصطلح بدأت منذ سبعينات القرن الفائت، ويرجعها المحللون إلى عدة محاور، بعضها له صلة بترجمة المصطلح ذاته من اللغات الأجنبية إلى العربية، وبعضها الآخر له علاقة بتوقف العرب عن إنتاج مصطلحاتهم الخاصة بهم، في ما تشير بعض الآراء إلى أن القضية شكلية بحتة، وأن غرض النقد هو تقديم فهم فلسفي يضيء دروب النقد العربي، بعيداً عن حرفية المصطلح وطرق ترجمته من اللغات الأصلية.الدكتور علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام، رئيس تحرير موقع 24 الإخباري، يرى أن أزمة المصطلح شكلية، وليست حقيقية، حيث يشير إلى أنه في ظل وجود الموسوعات الكثيرة، فإن المصطلح النقدي لم يعد يشكل عائقاً أمام فهمه من قبل الدارسين والمختصين، طالما كان الهدف من المصطلح هو فهم النظرية النقدية أكثر من كونها مفردة تتطلب تفسيراً واضحاً أو محدداً، وبناء عليه فإن الجيل الجديد من المثقفين والنقاد على حد سواء كما يؤكد د. ابن تميم، لم يعودوا يشغلون أنفسهم بأمور أو قضايا شكلية، بل هم معنيون بالفهم والممارسة النقدية، ومن جهة أخرى، وإذا بحثنا في أصالة النظرية النقدية، فهي على الأغلب ليست أصيلة في لغتها، كما يؤكد د. ابن تميم، بل هي نتاج تراكم وتطور في ممارسة التفكير النقدي، سيما وأن أصول بعض النظريات تعود إلى أفكار سابقة عليها.ويعتقد د. ابن تميم أن النظرية النقدية تقدم مقاربة فلسفية أكثر من كونها ممارسة بلاغية، حتى إن كثيراً من النظريات الجديدة كالبنيوية وما بعدها، قد تأثرت، بأفكار ونظريات سابقة عليها، وكلنا نعرف أن كثيراً من هذه النظريات قد تطورت منذ الإغريق، منذ أرسطو، مروراً بالعصور الوسطى، ومسيرة تطور الفلسفة والمنطق وأصول علم الكلام.من جانب آخر، يؤكد الدكتور صالح هويدي، أن هناك بالفعل إشكالية في المصطلح النقدي، وهي تخص الثقافة العربية ولا يعاني منها الغرب، وهي ناشئة عن واقع المنجز النقدي في بيئتنا العربية، حيث يقول «لم تكن ثقافتنا العربية إبّان ازدهارها الحضاري تعاني من وجود إشكالية كهذه، إذ كانت تنتج مصطلحها النقدي والبلاغي مع إنتاجها العلمي والثقافي، لكن توقفها عن المشاركة في إنتاج المعرفة والعلوم منذ أفول نجمها مروراً بعصور التخلف والمرحلة العثمانية المقيتة، حيث لم تقدم للبشرية شيئاً ذا بال، وفي القرون الثامن والتاسع والعاشر وحتى الحادي عشر الميلادي كان علماء النقد والبلاغة فضلاً عن علماء العلوم الصرفة والفلاسفة يمنحون العالم منجزاً هم صنّاعه، ويضخّون مصطلحاته الخاصة به، ولعلنا لا ننسى ما قدمه الجاحظ وقدامة بن جعفر وابن طباطبا والآمدي والقرطاجني وعبد القاهر وسواهم، من رؤى وكشوف ومصطلحات في رؤية النص الأدبي وتلقيه».لقد توقف بنا قطار التقدم، كما يشير د. هويدي، فصرنا عالة على ما ينتجه الغرب الأوروبي من معارف وعلوم ومصطلحات، ولوصول هذه المصطلحات إلينا وإشاعتها في ثقافتنا المعاصرة، فإن ثمة مستويين لهما، الأول: يخص المترجمين العرب الذين يترجمون المصطلح عن الانجليزية أو الفرنسية، لكن هؤلاء المترجمين ليسوا واحداً بل هم يتباينون دقة وثقافة وتمكناً من لغتهم، وكل منهم يترجم من واقع دربته وثقافته ومدى تبحّره في مضمار اللغتين؛ المترجم عنها والمترجم لها، لذا، فإن هذه الاختلافات ستخلق نوعاً من الاضطراب والتشويش، لأن المصطلح بحاجة إلى الوضوح والدقة والاستقرار، لاستيعاب المفاهيم وارتباطها بالنظريات، وإذا أضفنا إلى هذا اختلاف مترجمينا المغاربة عن مترجمينا المشارقة في ترجماتهم عن الفرنسية والانجليزية، فسنكون أمام إشكالية مركبة للفروق اللغوية بين اللغتين المترجم عنهما. كما يشير د. هويدي إلى ما هو أبعد من ذلك وأشد إرباكاً ويتمثل في نظرية القراءة أو المنهج المعروف بنظرية التلقي، التي تتوزع فيه اجتهادات ترجمة المصطلح لهذه النظرية الألمانية إلى النماذج الآتية: ترجمت إلى نظرية التلقي، ونظرية الاستقبال، ونظرية الاستقبال والتقبل، وجماليات التلقي، وجماليات التقبل، كما ترجم أفق التوقع في هذه النظرية بأفق الانتظار أيضاً، كما نجد ترجمة الفعل المجازي في النص الأدبي، قصيدة كان أم قصة أم رواية بما سمي بالانزياح تارة والانحراف في ترجمات أخرى، في حين تقترح قراءات نقدية العودة إلى المصطلح النقدي العربي وهو العدول، يقول د. هويدي «لا شك أني لا أدعو هنا إلى مصطلحات عربية أو نقد عربي فليس ثمة نقد عربي ونقد فرنسي ونقد أمريكي، فالنقد حقل معرفي يقوم على الفكر والنظريات الفلسفية التي تعالج الأدب وتكشف عن قوانين النظرية الأدبية في تلقي النص والخطاب الأدبي، وهي قوانين تصلح في تطبيقها على آداب العالم جميعاً مع هامش الاختيار والإضافة التي تقتضيها خصوصية النص، فضلاً عن أن ثقافتنا اليوم خالية في حقل النشاط الفلسفي ونظرياته، فالنقد الاجتماعي والنقد الثقافي والنقد السيكولوجي ونظرية القراءة يمكن تطبيقها على أدبنا العربي ولا شك، لكن بحسب ما يؤكد د. هويدي من حق الناقد أن يختار من هذه المناهج ما يرى أنه الأقرب لروحها، فيستبعد منهجاً تفكيكياً يرى أنه بعيد عن فلسفتنا العربية التي تؤمن باليقين وبالمعنى، ويتساءل: لكن هل يمنع من أن يضيف العرب إلى هذا التراث النقدي نقداً جديداً ونظريات مغايرة؟ والجواب عندي: «يا ليت، ولكن أنّى لنا ذلك؟ ففاقد الشيء لا يعطيه».الناقد الدكتور هيثم الخواجة يعترف بأن الحركة النقدية في الوطن العربي قد شهدت نقلات نوعية حيث ظهر في القرن التاسع عشر وما بعده نقاد كبار ساهموا في ترسيخ الحركة النقدية العربية ومع بداية القرن الحادي والعشرين بدأت هذه الحركة بالتراجع بسبب عدم تشجيع وسائل الإعلام واعتبار الناقد عدواً للمبدع ووجود ما يشبه القطيعة بين الناقد والمبدع.يقول د. الخواجة «ما أحوجنا إلى ثقافة نقدية معمقة من خلال استراتيجيات وخطط تشغيلية دقيقة وما أحوج إبداع الشباب إلى نقد بناء ينير مفاصل الإبداع لأن الأدب لا يتطور ويزدهر دون نقد، ولا بد من إقصاء النقد الرديء الساذج» ويضيف: يحتاج الناقد العربي إلى أن يقول كلمته الصادقة لكي يؤازر المبدع في تحليقه وفي خطواته نحو الشمس، لأنه ليس كل ما يكتب من إبداع وصل حد الكمال.لقد أعرض الكثير من النقاد، عن ممارسة أدوارهم كما يشير د. الخواجة وتلك خسارة كبيرة لأن الناقد المبدع مبدع آخر، والقلة القليلة من النقاد امتلكوا أدوات نقدية فاعلة ومؤثرة. الدكتور محمد سلمان العبودي، يرى أن النقد العربي قديم، بل هو يسبق النقد الأوروبي بأزمان كثيرة، حتى إن الغربيين درسوا هذا النقد واستفادوا منه كثيراً في دراساتهم وأبحاثهم، وقد كان للعرب في العصور الذهبية للإسلام كما يؤكد د. العبودي، فضل في نشر المعرفة في كل بقاع العالم، وهم استفادوا من اليونانيين، وكل المعارف التي سبقتهم، وقدموا للعالم ما يمكن اعتباره معرفة في العلوم والآداب والفلسفات التي لا ينكرها الغرب ذاته.أما المشكلة الحقيقية بحسب ما يرصد د. العبودي فهي في تقاعس العرب الآن عن تقديم نظرياتهم ومصطلحاتهم النقدية الخاصة بهم، وهنا، يشير إلى ضرورة تفعيل حركة الترجمة واختيار مفردات تناسب البيئة العربية والثقافة العربية، وهذا يتطلب منا جميعاً مؤسسات ثقافية وجمعيات وأسر واتحادات كتاب، لكي نبرز مصطلحاتنا الخاصة بنا، لتشكل ركيزة نقدية يعول على ما فيها من قيم وأفكار ومُثُل هادفة.
مشاركة :