على الرغم من التقدم التقني والتطور التكنولوجي والمعرفي لا يزال عدد كبير من البشر يهرع عند الشدائد والمحن إلى أبواب المشعوذين ومدعي معرفة الغيب وأسرار المستقبل، بالإضافة إلى إدمان بعض الأشخاص على متابعة الأبراج حد الهوس القاهرة – يلجأ بعض الناس حين تحاصرهم المشكلات والهموم إلى استشارة بعض المشعوذين الذين يدّعون معرفتهم بتوافق الأبراج ودراستهم لعلم الفلك، وهم في الحقيقة يمارسون الكذب والاحتيال على أصحاب المشكلات والمحن. وتعتبر المصرية “س.م”، فتاة جامعية تدرس الفلسفة، نموذجا عن فئة من البشر الذين يؤمنون بشدة بمسألة الأبراج، إذ أنها تعرفت إلى زميل لها، تقاربا وتحابا، قرر زميلها التقدم لخطبتها، وكان اللقاء الأسري سريعا، وافقت أسرة الفتاة على الفور وكانت الخطبة على أن يتم الزفاف بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية. ومرت الأيام وبدأت الفتاة تقترب من خطيبها بشكل أكثر، وكانت الطامة الكبرى عندما سألته عن برجه، فوجدت أنه لا يتناسب مع برجها، وهنا حزنت حزنا شديدا، خاصة أنها مقتنعة على حد وصفها بمسألة الأبراج، فكرت وقررت فسخ الخطبة والبحث عن شخص آخر يناسبها وبرجه يوافق برجها. وقال “م.م”، موظف في أحد بنوك القاهرة، عن موقفه من الأبراج، إن إيمانه بالنجوم والأبراج قوي جدا لدرجة أنه يحرص على شراء صحيفة يومية للتعرف على ما تقوله النجوم حتى يحدد خطة عمل اليوم التالي. وذكر أنه ذات يوم رفض الذهاب إلى العمل لمجرد أنه قرأ في “حظك اليوم” ما يفيد أن ذهابه إلى العمل فيه خطورة كبيرة على مستقبله. وترفض درية محمد، ربة منزل، أن يعتمد الإنسان في تحديد مصيره ومستقبله على تنجيم أو أبراج، مشيرة إلى أن مثل هذا الأمر لا يعبر عن واقع بأي صورة كانت، بل هو مجرد خرافات ساعدت على انتشارها سيطرة الفكر الخرافي على الكثير من العقول هذه الأيام وانتشار الجهل، إضافة إلى قصور وسائل الإعلام في مناقشة مثل هذه الأمور وإن كانت أغلبية الناس تقرأ مثل هذه الأبواب، التي تتناول هذه المسائل من قبيل الترفيه والتسلية. وأشار عاطف صالح، مدير أحد مراكز الشباب المصرية، إلى أن قراءة الأبراج والاستسلام لما تقوله هما من الأمور “التي تهدد الكيان الاجتماعي، وتؤكد صدق ما تتوصل إليه هذه الأمور التي هي في الأصل خرافة يسعى المغرضون إلى تأصيلها في فكرنا، وهي سياسة أيضا من وجهة نظري تهدف إلى القضاء على العقلية العلمية العربية من خلال نشر هذا الفكر الخرافي”. أعمال التنجيم والشعوذة تشكل جريمة، خصوصا إذا كان من خلالها يوهم المشعوذ ضحيته كذبا بأنه يعلم ما تخفيه الأيام، ويقدم له معونة سحرية وشدد صالح على ضرورة التكاتف للقضاء على الفكر الخرافي الذي انتشر بشكل مخيف في التلفزيون والإذاعة والصحف، ورجل الشارع الذي يقتنع بهذا الكلام أهم من وسائل نشره، فالصين بدأت مؤخرا في استهداف العرافين من خلال حملة صارمة ضد انتشار هذا الفكر الخرافي. وأفاد منصور البنا، أستاذ علم الاجتماع، بأنه “لا يوجد أي دليل علمي أو منطقي يثبت وجود علاقة بين موقع الكواكب في وقت معين وشخصية وتصرفات ومستقبل شخص ولد في هذا الوقت، كما أن المنجمين أنفسهم فشلوا في تفسير ارتباط صفات معينة بتأثير كوكب معين”. وأضاف أنه مع انتشار الأديان وإيمان الإنسان بأن الغيب لا يعلمه إلا الله بدأت تقل شعبية التنجيم، وتحديدا في القرن السابع عشر أين وجهت للتنجيم طعنة قوية بعد ظهور النظريات التي تؤكد أن الأرض ليست مركز الكون، حيث أنه بهذه الاكتشافات فسدت قواعد الفلك الأساسية، التي تعتمد عليها قواعد التنجيم، وإن كانت محاولات المنجمين متصلة لا تنقطع لتحوير تلك القواعد لتتماشى مع الاكتشافات الفلكية الجديدة. ولكن من دون جدوى، ولذلك انخفضت شعبية التنجيم بشكل كبير جدا في القرون التالية، خاصة مع تطور علم الفلك وتفسير العلم للعديد من الظواهر الفلكية، التي كانت تثير حيرة الكثيرين، وحاول المنجمون ربطها بالمستقبليات، وبالتالي فقد التنجيم مصداقيته، التي يكون قد حملها قبل ذلك، لكن مع منتصف القرن العشرين بدأ التنجيم في استرجاع شعبيته المفقودة من جديد من دون حدوث أي تغيير جوهري في قواعده التي اعترف سابقا بخللها. وأكد عمرو إسماعيل، محامي ومستشار قانوني لعدد من منظمات المجتمع المدني، أن أعمال التنجيم والشعوذة تشكل جريمة، خصوصا إذا كان من خلالها يوهم المشعوذ ضحيته كذبا بأنه يعلم ما تخفيه الأيام، ويقدم له معونة سحرية (أحجبة مثلا) لتحقق له ما يتطلع إليه من آمال، وذلك بهدف إيقاعه في الخطأ، أو أن يحصل المشعوذ على مقابل مادي نظير هذه الأعمال يسلمها له الضحية بإرادته وبرضاه التام. ويعد هذا العمل جريمة نصب حدد لها المشرع عقوبة الحبس، ويدخل في نطاق الجرائم كل أعمال التنجيم من قراءة الطالع والأبراج والكف والفنجان، وما دام حاول العراف إيقاع ضحيته في الوهم والخداع وممارسة أساليب احتيالية عليه للحصول على أمواله، فإنه حتما سيقع تحت طائلة القانون، أما إذا قام بهذه الأعمال من دون مقابل، فلا تعد جريمة يعاقب عليها القانون، فقط يؤثم صاحبها. وقالت زينب النجار، أستاذة علوم التربية الحديثة، “إن اللجوء إلى الخرافات يكون في الغالب لخلق حال أحسن مما عليه الإنسان، إضافة إلى أن الإنسان يسعى بالأساس وراء كل جديد لإشباع نزعة حب الاستطلاع والفضول لمعرفة المستقبل، فالمؤمن الحق يعلم أن الأمور كلها بيد المولى عز وجل، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى”. وتابعت أستاذة علوم التربية الحديثة “من هنا تأتي أهمية قيام الأسرة بدورها الصحيح في عملية التربية الدينية، ومراعاة الأسس التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف في تربية الأبناء، إضافة إلى وجود اعتقاد اجتماعي سلبي بأن المنجم يعرف المستقبل ويساعد الإنسان على تحقيق أحلامه وطموحه، ويستطيع الإنسان بالتمرين والتعود أن يغير هذا الاعتقاد السيء الموجود لديه، وفق اعتقاد راسخ بأن كل شيء بأمر الله، كما ترجع هذه الظاهرة إلى وجود رغبات وتطلعات كبيرة لدى الإنسان لا يسعى إلى تحقيقها بالعمل الجاد، لكنه يلجأ إلى الدجل والشعوذة، والعجيب أنه قد يكون على درجة عالية من العلم والثقافة”.
مشاركة :