رسم تقرير أصدرته، أمس، منظمة «هيومن رايتس ووتش» صورة قاتمة لحالة حقوق الإنسان في الموصل جراء ما سمته «عمليات سوء المعاملة والتعذيب والموت التي يتعرض لها المعتقلون في مراكز تديرها وزارة الداخلية» هناك.وفيما لا تنكر المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق وجود حالات تعذيب في عموم المحافظات العراقية، تؤكد مصادر من الموصل ومناطق نينوى عموماً أن «تقرير المنظمة لم يأت بجديد».ونقل تقرير «هيومن رايتس ووتش» عن شخص كان محتجزا لدى «مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية في سجن شرقي الموصل من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) 2018، قوله إنه «شاهد وتلقى تعذيبا متكررا أثناء الاستجواب، ورأى 9 رجال يموتون هناك، اثنان على الأقل من سوء المعاملة». كذلك نقل عن أشخاص آخرين تعرضهم للتعذيب ومشاهدتهم بالعين المجردة وفاة عدد غير قليل من المعتقلين نتيجة التعذيب على يد عناصر الشرطة.نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة «هيومن رايتس ووتش» لمى فقيه، قالت في متن التقرير إن «المزاعم الأخيرة لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في منطقة الموصل فحسب، بل أيضاً عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب»، معتبرة أن «تقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب».وأشار التقرير إلى أن الباحثين في المنظمة الحقوقية «أجرَوا مقابلات مع المعتقلين السابقين شخصياً وعبر الهاتف. وقدَّم كل منهم أدلة مادية أو وثائقية أو فوتوغرافية لإثبات رواياتهم. ولم يُخبر الرجال المعتقلون أو المفرج عنهم القضاة بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة أو أنهم شهدوا سوء معاملة، خشية الانتقام من حراسهم».ويلاحظ تقرير «هيومن رايتس ووتش» أن الدستور العراقي يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية وينص على أن «لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب»، ومع ذلك فإن النظام الجزائي العراقي «يعتمد بشكل كبير على الاعتراف باعتباره الدليل الوحيد في المحاكمة، لا سيما في المحاكمات الحالية لآلاف المشتبه في انتمائهم إلى (داعش)»، معتبراً أن «القضاة في العراق نادراً ما يتعاملون مع مزاعم التعذيب في قاعة المحكمة بشكل مناسب. ويتجاهلون معظمهم الادعاءات، وفي بعض الحالات، يأمرون بإعادة المحاكمة دون التحقيق مع رجل الأمن المتورط في سوء المعاملة».بدوره، لا ينفي عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فاضل الغراوي، «وجود حالات تعذيب» في أغلب المحافظات العراقية، لكنه يؤكد أن «تلك الحالات تقع في مراكز الاحتجاز الأولية بمراكز الشرطة والاحتجاز وغيرها ولا تحدث في السجون، لأنها تخضع إلى رقابة دورية، وعليه يجب التفريق بين الأمرين، المشكلة أن بعض الجهات التي تقوم بالتحقيق غير مؤهلة للتعامل مع المتهمين وفق معايير حقوق الإنسان».ومع ذلك، يقول الغراوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن مفوضية حقوق الإنسانية العراقية «غير معنية بالإجابة عن التقارير التي تصدرها منظمات حقوقية دولية، إنما هذه من مسؤولية الدولة العراقية وهي المعنية بذلك». ويشير إلى أن المفوضية «تتعامل في ملف العدالة الجنائية المتعلق بقضايا الاحتجاز والسجون ولديها فرق رصدية تتابع بشكل يومي مراكز الاحتجاز والسجون للوقوف على مساحات التعامل مع المتهمين وتتلقى دائماً بلاغات عن سوء المعاملة من مختلف المدن العراقية وضمنها الموصل».ويعتقد الغراوي أن «المشكلة تكمن في أحيان كثيرة في رفض المتعرضين للتعذيب أو غيره من الإدلاء بشهاداتهم، رغم المعايير السرية التي تقوم بها مفوضية حقوق الإنسان، وعدم كشف أسماء الشهود، لكن الخشية أحيانا تمنعهم من الإدلاء بشهاداتهم حتى وهم خارج السجن».من جانبه، يؤكد مصدر يعمل في مجال حقوق الإنسان في مدينة الموصل المعلومات التي أوردها تقرير «هيومن رايتس ووتش»، ويقول لـ«الشرق الوسط»: «الأمور في الموصل خاصة تسير بشكل سيئ، وكأننا نعود لفترة ما قبل احتلال (داعش) للمدينة عام 2014». ويضيف المصدر الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه: «وجود عدد كبير من الجهات الأمنية والحشود العسكرية أربك الناس كثيرا وجعلها في حيرة من أمرها إن رغبت في التقدم بشكوى، وباتوا لا يعرفون الجهة الأمنية المختصة في هذه القضية الأمنية أو تلك، وبالتالي أصبحوا غير قادرين على اللجوء إليها لحل مشكلاتهم».وأبلغ رئيس المركز العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون «الشرق الأوسط» أنه ليس في معرض الاتفاق أو الاختلاف مع تقرير المنظمة الحقوقية، لكن «الخروقات والاحتجاز التعسفي وأعمال التعذيب حدثت على نطاق واسع أثناء العمليات العسكرية في الموصل والأشهر التي تلت طرد (داعش) منها». ويشير سعدون إلى أن مرصده تحدث في تقرير سابق عن «عمليات تعذيب واختفاء قسري لأكثر من 130 شخصا في الموصل، لكن الحكومة العراقية لم تعمل على معالجة هذا الملف وكأن شيئا لم يكن، كما أنها لم تقم بمحاسبة المتورطين في ملفات التعذيب والاختفاء والانتهاكات من القادة والضباط والعسكريين».
مشاركة :