سَنَّت إيطاليا تشريعاً شاملاً لحماية حقوق الأطفال (القصّر) غير المصحوبين ببالغين الواصلين إلى أراضيها، ومع أن هناك عيوباً في الطريقة التي تُعامل فيها هذه الفئة المستضعفة الخاصة، تؤسس المقاربة الإيطالية القائمة على الحماية لمثال يُحتذَى به في البلدان الأخرى. في آذار (مارس) 2017، أصبحت إيطاليا الدولة الأوروبية الأولى التي شرّعت إطار عمل شامل لحماية الأطفال غير المصحوبين ببالغين. وكان مشروع القانون قد قدّم قبل نحو ثلاث سنوات للمرة الأولى وتبع ذلك حملة كسب تأييد نسّقتها منظمات حقوق الإنسان طوال مدة القراءة البرلمانية لمشروع القانون والذي صوتت عليه غالبية النواب تحت اسم «أحكام تدابير الحماية للقاصرين الأجانب غير المصحوبين ببالغين». ويشار إلى القانون باسم قانون زامبا نسبة إلى رئيسة اللجنة الوطنية للطفولة في مجلس النواب الإيطالي ساندرا زامبا، الذي اقترحته استناداً إلى خبرتها الميدانية ومبادئ حقوق الطفل الدولية. ولقي هذا القانون ترحيباً من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كنموذج يحتذى به في البلدان الأوروبية الأخرى، أما «منظمة إنقاذ الطفل» Save the Children فوصفته بأنّه «النظام الأكثر تفصيلاً في توفير الحماية للأطفال في أوروبا». وكانت «يونيسف» أشارت إلى أن مسار وسط البحر المتوسط من شمال أفريقيا إلى إيطاليا هو أحد الطرق الرئيسة للأطفال الفارين من الصراع والاضطهاد والحرمان، كما يُعد من أطولها وأخطرها. وتتراوح أعمار 92 في المئة من القصّر الذين يسافرون وحدهم إلى إيطاليا عبر البحر، بين 14 و17 سنة. وقد جاء قانون «زامبا»، كما أورد جوزيف ليليوت في الدراسة التي أعدّها ونشرتها «النشرة القسرية» الصادرة عن مركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد، استجابة لتزايد الأعداد الكبيرة من الأطفال غير المصحوبين ببالغين، المسافرين «اللاجئين» عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا. فخلال العام الماضي دخل 15779 طفلاً، أتى معظمهم من البلدان الأفريقية وبنغلاديش وسورية. وتشير تقارير كثيرة صدرت أخيراً إلى الصعوبة التي تتسم بها رحلاتهم، وإلى وقوع حالات من الإساءات الجنسية والبدنية التي غالباً ما يواجهونها، إضافة إلى تعرّضهم لخطر استغلال عصابات الاتجار بالبشر. وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، اتخذت خطوات عدة للتصدّي لحاجات هذه الفئة بما في ذلك مراجعة منظومة اللجوء الأوروبية المشتركة، وتوجيه الاتحاد الأوروبي في شأن العودة، وتنفيذ خطة عملها الخاصة بالقاصرين غير المصحوبين ببالغين للأعوام 2010-2014. وعلى رغم هذه الإجراءات والجهود التي بذلتها بعض بلدان الاتحاد، لا تزال بعضها تفتقر إلى القوانين الخاصة أو الأطر العامة الشاملة للتصدّي لحاجات الحماية لهذه الفئة من الأطفال. أحكام ضامنة تُنشِئ مواد قانون زامبا وأحكامه وتعدّل إجراءات عدة ترتبط باســـتقبال الأطفال غير المصحوبين ببالغين في إيطاليا والتعامل معهم، وتقدّم لهم ضمانات بالحد الأدنى من الرعاية. والأهم من ذلك أن القانون يعكس الحقوق الرئيسة الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل بما فيها الحق في الرعاية الصحية والتعليم والتمثيل القانوني وحق سماع أقوالهم خلال المرافعات القضائية والإدارية. كما ينص القانون أيضاً على مبدأ ضمان أفضل مصالح للطفل. وتقرّ المادة الأولى من القانون بمواطن الإستضعاف الخاصة بالأطفال غير المصحوبين ببالغين، وتضمن لهم الحقوق والحماية ذاتها الممنوحة للأطفال الإيطاليين والأوروبيين. وهناك مادة أخرى تنص على الحظر التام لإعادة أي طفل غير مصحوب ببالغين وإخراجه من إيطاليا ما لم يكن ذلك بأمر من المحكمة وفي ظروف استثنائية، ولا يجوز فعل ذلك بأي حال من الأحوال إذا ما أنطوى عليه ضرر خطير بحق الطفل. كذلك يشترط القانون تنفيذ إجراءات تحديد الهوية فور وصول الطفل غير المصحوب ببالغين في إيطاليا ثم ينفّذ استقصاء من أجل تحديد الإجراءات المستقبلية التي يجب أن توفّر أفضل مصالح للطفل. وإذا كان هناك أي شيء معقول حول سن الطفل، فيجب تنفيذ إجراءات تحديد العمر شريطة استخدام الطرق الأقل تدخّلاً بالشؤون الخاصة ما أمكن ذلك. وينبغي تنفيذ إجراءات التحديد خلال 10 أيام في مرافق الاستقبال الأولية على أن تكون تتمتع بالحدّ الأدنى من المعايير لضمان الحماية الكافية له في إسكانه وحقوقه الرئيسة. وبعد 30 يوماً، ينبغي نقله إلى مراكز ثانوية ضمن المنظومة الإيطالية لحماية طالبي اللجوء واللاجئين. كما ينص القانون على وجوب توفير الخدمات الصحية للأطفال غير المصحوبين ببالغين خلال إقامتــهم في إيطاليا، ويُلزِمُ إدخالهم إلى المؤسسات التعليــمية. وبموجب هذا القانون، يتمتع هؤلاء بحق الاطلاع الكامل على ما يتعلّق بالتمثيل القانوني. ويلزم القانون الدولة بتقديم تلك الخدمة لهم مجاناً. وتُعَدِّل مواد أخرى في قانون «زامبا» إجراءات سابقة أو تقدّم إجراءات جديدة خاصة بلمّ الشمل الأســـري وتوفير تصاريح الإقامة والوصول إلى رعاية الأهل وتدريب الأوصــياء وتعيينهم وتقديم المساعدة لضحايا الإتجار بالبشر. ويلحظ القانون إنشاء منــظومة معلومات وطنية تُصَمَّم من أجل متابعة هؤلاء الأطفال وتَتضمَّن المعلومات الخاصة بموقعهم وحاجاتهم الفردية. تحدّيات التنفيذ عموماً يعدّ هذا القانون خطوة إيجابية ومثلاً يحتذى به في البلدان الأخرى. لكنّ ضمان تنفيذه الفعال من الأمور الصعبة على ما يبدو. فتوفير السكن الملائم والكافي للأطفال غير المصحوبين ببالغين والوصاية والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الأمور، تتطلّب تمويلاً واستطاعة كافيتين. لكنَّ جودة هذه الخدمات في أنحاء كثيرة من إيطاليا ومدى إتاحتها، لا تزال أقل من المعايير المطلوبة. ويسوء الوضع أكثر بسبب الضعف الذي يعتري منظومة الاستقبال التي لا يقدمّ قانون «زامبا» تعليمات كثيرة لتصحيحها. وينتجُ عن ذلك إسكان معظم هؤلاء الأطفال في صقلية أو كالابريا. كما أنّ كثراً منهم يُحرَمون من حق الوصول إلى منظومة حماية طالبي اللجوء واللاجئين، ويبقون في مرافق الاستقبال الأولية فترات طويلة أو في مراكز الاستقبال الموقتة. ويَنتج عن ذلك شعور بالإحباط لدى هؤلاء بسبب هذه الخدمات المضغوطة في تلك المناطق وسوء ظروف المسكن وإطالة أمد فترات الانتظار وغياب المعلومات الخاصة باللجوء وإجراءات لمّ الشمل، ما يجعلهم غالباً يفرون من مراكز الاستقبال ويحاولون الوصول إلى أماكن أخرى من إيطاليا أو أوروبا، فيعرّضون أنفسهم مجدداً إلى أخطار الإساءة والاتجار بالبشر. وأدركت إيطاليا هذه التحديات، فاتخذت الخطوات اللازمة لتحسين عملية التنفيذ، ومن هنا سُنَ قانون في كانون الأول (ديسمبر) الماضي للتعامل مع مزيد من إجراءات الوصاية. وهناك أيضا تدابير أخرى قيد الإعداد تسعى إلى زيادة قدرات مراكز الاستقبال وعدد الأوصياء المتاحين(...). وبما أنّ هؤلاء الأطفال يعانون بطبيعتهم من مواطن ضعف كبيرة ما يحتمّ على الدول أن تطوّر أطرها العامة القائمة على حقوق الإنسان وتنفذها تنفيذاً فعالاً من أجل حمايتهم. فقد تؤدّي أي ثغرات في القوانين إلى معاملتهم بطرق لا تتلاءم مع حقوقهم الممنوحة لهم وفقاً للقانون الدولي. ومع أنّ هناك ثغرات واضحة ومواطن عجز كبيرة في معاملة إيطاليا لهؤلاء، يبيِّن قانون «زامبا» أنَّ البلاد بدأت تتخذ خطوات تشريعية قوية لمنحهم العطف والحماية التي يستحقونها. ومع تقدّم المجتمع الدولي نحو العقد العالمي حول اللاجئين والمهاجرين، ينبغي على الدول من دون استثناء أن تبذل العناية الواجبة لحماية الأطفال وأن تعالج السياسات والممارسات التي تضعهم في خطر.
مشاركة :