أعلى نسبة عدد حجاج استقبلتهم المشاعر المقدسة لأداء فريضتهم كانت قبل سبع سنوات وتحديدا عام 1433هـ، إذ وصل عددهم إلى 3 ملايين و161 ألفا و573 حاجا، طبعاً هذا العدد يفوق العدد الذي تستوعبه المشاعر المقدسة نظرا لمساحتها الشرعية المحدودة، وخلال السنوات العشر الأخيرة أصبحت أعداد الحجاج في تزايد مستمر، فهي ما بين مليوني ومليوني وخمسمئة ألف وتقترب أحيانا إلى الـ3 ملايين حاج. ربما تكون أرقام الحجاج في السنوات الماضية غير دقيقة، لأن أعداداً من حجاج الداخل كانوا يحجون من دون ترخيص أو تصريح قبل إقراره كنظام وفرض عقوبة لمن يؤدي فريضة الحج من المواطنين والمقيمين من دون تصريح، إذ وصل عدد حجاج الداخل غير الرسميين في 2009 لأكثر من 900 ألف حاج، وبعدها وصل إلى 700 ألف حاج غير رسمي، وبعد أن شددت الحكومة قبضتها على الحجاج العشوائيين الذين يخرجون لأداء الفريضة لا هم مع حملة حجاج أو يحملون تصريحا رسميا تناقص عدد حجاج الداخل ليصل إلى أكثر من 200 ألف من مواطنين ومقيمين، بعد أن كانوا يتسببون في إعاقة وصول الخدمات للحجاج الرسميين، إذ إن المساحة المستغلة في منى نحو 60 في المئة والنسبة المتبقية هي جبال وطرقات، ولك أن تتخيل أن هؤلاء الحجاج يسكنون في مساحة ثلاث كيلو مترات مربعة، وهناك طلبات متزايدة من الدول الاسلامية والمسلمين في البلدان غير الإسلامية للحصول على نسب أعلى من التأشيرات. رؤية السعودية 2030 منحت خدمة المعتمرين وضيوف الرحمن أهمية بالغة، وفي هذا السياق نفذت الدولة توسعة ثالثة للحرمين الشريفين وتطوير المطارات وزيادة طاقتها الاستيعابية، كما أطلقت مشروع مترو مكة المكرمة استكمالا لمشروع قطار المشاعر، وهي تتجه إلى رفع عدد المعتمرين طوال العام من 8 ملايين معتمر حاليا إلى 30 مليونا في 2030، وتتطلع الحكومة السعودية إلى تطوير الخدمات الالكترونية المقدمة للمعتمرين والحجاج وتسهيل اجراءات طلب التأشيرات وإصدارها، وتمكين الحجاج والمعتمرين من إثراء رحلتهم الدينية وتجربتهم الثقافية، وتحسين الخدمات في مجالات الإقامة والضيافة وتوسيع نطاق الخدمات لهم ولعائلاتهم. من الواضح جدا أن توجهات الدولة تسير نحو زيادة الأعداد، سواء معتمرين أم حجاجا، خاصة من حجم المشروعات الفندقية والإسكانية التي تنفذ حاليا في مكة المكرمة، إذ يبلغ حجم الاستثمارات فيها أكثر من 100 بليون ريال لبناء فنادق وغرف سكنية جديدة، ربما تكون ملامح خطة العمرة واضحة إلى حد ما، بالنسبة للأعداد المتوقعة خلال السنوات المقبلة، أما بالنسبة لعدد الحجاج والمتوقع استقبالهم خلال السنوات القادمة فهم حتى الآن غير واضحين ونسبة كم الزيادة المتوقعة؟ وما هي خطط مؤسسات الطوافة؟ وهل ستنشئ هذه المؤسسات خياما متعددة الأدوار كما حدث في السابق ولم تعمم كون الفكرة لم تنجح أو ينقصها الكثير من الجوانب الفنية؟ كما طرح أيضا مشروع البناء فوق سفوح الجبال، وهي جبال منى، إلا أن هذا المشروع أيضا لم ير النور. قبل 15 سنة احتاجت السلطات السعودية إلى فتوى من هيئة كبار العلماء من أجل الموافقة على إجراء تحسينات وتعديلات على الجمرات حتى خرجت بشكلها الحالي بعد أن كانت تتسبب في الكثير من حوادث الدهس، وفي برنامج إذاعي على قناة مكس إف إم، طالب الدكتور عبدالله فدعق وهو فقيه ومفكر إسلامي العلماء والفقهاء بضرورة أن يفكروا في موضوع البناء في منى، لأن هذه المسألة محل خلاف لدى العلماء وحتى الآن لم تحسم، وأشار إلى أن الاختلاف بين العلماء حول هذا الموضوع هو في الفهم، مطالباً في حديثه بأن تبنى مبان متعددة الأدوار، المباني الموجودة حاليا هي على السفوح وليست في وسط منى، وقال: «إذا أردنا أن يكون لدينا تحجيج 10 ملايين حاج، فهذا يتطلب عمل مبان متعددة الأدوار، ومن الضروري أن يتصالح العلماء مع مجتمعهم واحتياجاته، وأيضا مع زملائهم من العلماء، بحيث يخرجون بفهم واضح». طبعا الدكتور عبدالله فدعق رمى بحجر في مياه ساكنة، من المهم أن يتحرك الفقهاء والعلماء ويقرروا بشكل سريع في إمكان بناء متعدد الادوار حتى تستوعب العدد الكبير من الحجاج، والأمر الآخر الذي يتطلب معه تحركا في هذا الاتجاه، هو تطوير مؤسسات الطوافة، فهي بشكلها الحالي لا تتناسب وتطورات المرحلة المقبلة، وكذلك الحال في وسائل النقل والمواصلات، خاصة وأن المشاعر المقدسة حاليا تسير فيها 19 ألف حافلة، لك أن تتخيل حجم نسبة الكربون واستهلاك الوقود وما تسببه من بيئة ملوثة وازدحام شديد داخل المشاعر المقدسة التي هي بالأساس مساحتها ضيقة، وبالتالي من المهم أن نفكر جدياً بسرعة إيجاد حلول لوسائل النقل وتطويرها، والحال نفسه أيضا للمغادرين إلى جدة أو المدينة المنورة، ولعل التجربة التي طبقتها وزارة الحج هذا العام بمبادرة «طريق مكة» التي أطلقتها وزارة الحج والعمرة مع حجاج ماليزيا واندونيسيا - والخطة المتوقعة العام المقبل زيادة عدد الدول لتشمل تركيا وإيران والهند ودولاً أخرى تدريجياً وتهدف لاختصار مدة انتظار الحجاج في صالة المطار وسرعة تحركهم إلى مكة المكرمة بدلاً من الانتظار في صفوف طويلة - تسهم في زيادة أعداد الحجاج وانسيابية وصولهم. ربما من الضروري أن يكون التحرك في زيادة أعداد الحجاج بشكل سريع من دون الانتظار طويلا، وأيضا مصير حركة البناء في المشاعر المقدسة وتطوير مساحاتها بما يمكنها من استيعاب عدد أكبر، سواء في منى أم عرفات، وأعتقد أنه لو سمح بالبناء في منى تدريجياً سيكون أفضل، خاصة في مساحات مؤسسات الطوافة بحيث تتولى كل مؤسسة بناء أدوار متعددة في مساحتها الممنوحة لها، وربما الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي وافق عليها الملك سلمان قبل أشهر ستسهم في الإسراع للمشروعات المطلوبة وإنجازها باحترافية وعقلية استثمارية. * كاتب وصحافي اقتصادي. jbanoon@
مشاركة :