منذ أسابيع و وسائل الإعلام تمطرنا على مدى الأربع والعشرين ساعة بأخبار مفجعة حول انتشار وباء كورونا، و نتابع لحظة بلحظة مدى ما يجتاح البلدان الموبؤة من إرباك وما تقوم به من إجراءات عزل و وقاية ورقابة وعلاج وظفت فيه أقصى ما توصل إليه العالم من العلوم وسخرت له المتوفر من الموارد البشرية والتقنيات و الذكاء الاصطناعي و برغم جهودها لا تزال تلك البلدان وعلى رأسها العملاق الآسيوي الجريح تصارع الوباء وتنشره ولم تقترب من النصر عليه بعد، و نرى ونسمع ما يمنى به الاقتصاد العالمي من خسائر مالية قاسية جراء تفشي الوباء وما يتوقعه العالم من كوارث اقتصادية في شتى المجالات برغم أن منظمة الصحة العالمية لم تعبر أن انتشار الكورونا قد بلغ مرحلة الوباء أو الجائحة، بمعنى أن الأسوأ لم يأتي ، مما أصبح معه من الحكمة أن لا يعتقد أحد في هذا العالم أنه في مأمن مما يحدث في الصين و الدول المتضررة، بل أنه أصبح من أوجب الواجبات على كل دول وشعوب العالم اتخاذ كل ما يمكن من إجراءات وقائية عاجلة أنية كانت أو استباقية سواء كان قد وصلها الوباء أو لم يصلها، وبطبيعة الحال فأن المسؤولية في جهود الوقاية مسؤولية مشتركة وتكاملية بين الدول والمنظمات الدولية المتخصصة والمؤسسات الوطنية والأفراد و لا يمكن ابداً أن يتحقق أي تقدم أو نجاح بدون أن يتحمل كل طرف مسؤوليته ويمارس دوره بالوعي التام و الكفاءة اللازمة، وهذا هو ما نشاهده ونسمعه من جهود الدول الناجحة و المتحضرة ممن حل فيها الوباء، وهو نفسه ما يفرض علينا حكومةً ومؤسسات وأفراد أن نسأل أنفسنا بشفافية وصدق هل قمنا بدورنا المناط بنا !! وهل نحن جاهزون لمنازلة هذا العدو اللدود!! والجواب في قناعتي فيما يخص الدولة بأن الحكومة السعودية أدارت و تدير الكارثة بقدر كبير من الوعي و الكفاءة وبأسلوب علمي حازم تجلى في جراءة قراراتها الاستباقية و الإجراءات القاسية التي اتخذتها (برغم أثرها السلبي المتوقع على اقتصاد المملكة و على بعض خطط و أهداف رؤية المملكة وبرامجها) إلا دليل قوي يثبت وعي الدولة لخطورة الموقف ومعرفتها التامة بأولوياتها وحرصها الشديد على تجنيب الوطن والمقيمين على أرضه و ضيوفه من الحجاج والمعتمرين والزوار والسياح أخطار هذا الوباء بصرف النظر عن النتائج، مما يبعث على الاطمئنان، كما أن ما تمارسه الجهات الحكومية من جهود التنسيق والتواصل و التوعية الصحية والرقابة الطبية يستدعي الاطمئنان أيضاً . بقي دور مؤسسات المجتمع بشكل عام و دور المواطن السعودي بشكل خاص، ففي قناعتي أن مؤسساتنا المعنية بالتعامل مع الحشود لا تزال متخلفة عن مواكبة جهود الدولة في أمر التخطيط الاستباقي والإعداد المطلوب ضمن حدود مسؤولياتها بما في ذلك مؤسسات النقل العام و مؤسسات التعليم و الرياضة و المساجد والترفيه و السياحة وغيرها، مما يتوجب عليها مضاعفة الجهد لمواكبة جهود الدولة وبالذات فيما يخص تثقيف منسوبيها وجمهورها وسن الإجراءات الضرورية للتعامل مع الوضع الراهن والقادم وطرح الفرضيات المتوقعة وإجراء تجارب الاستجابة لها وتوفير الوسائل الوقائية و أخذ الأمر بجدية أكبر مما نلمسه على أرض الواقع . أما المواطن السعودي فاعتقد أنه برغم مدى علو درجة ثقافته حول الوباء و التي اكتسبها من واقع ما يعايشه من تغطيات وسائل الإعلام و التواصل وبرامج التوعية المتخصصة محلية كانت أو عالمية، فمشاهداتي تشي بأن الشريحة الأكبر من مجتمعنا لا تزال تعيش في حالة من الإنكار والتواكل وتتصرف بأسلوب لا يمت للوضع الخطير الذي يعيشه العالم من حولنا بصلة و لا تبشر بأنه يعي دوره أو ينوي تحمل ما يتوجب عليه تحمله من مسؤوليات إجراءات حكاية نفسه وغيره أو المساهمة في جهود الوقاية بأي قدر، بل على العكس من ذلك، فالواضح أن غالبية فئات المجتمع لا تزال تمارس سلوكيات خاطئة و عادات يومية تتناقض مع ما يتطلبه الحال من الحذر، وتتعارض مع ما توصي به المنظمات الصحية المتخصصة من ضرورات الوقاية، مما لا شك أنه سيقوض جهود الدولة تجاه الوقاية من الوباء أو الحد من انتشاره في حال حدوثه. وسأكتفي بمثال واحد يبين حالة الإنكار أو الاستهتار التي يعيشها مجتمعنا، وهو ما نراه في مناسباتنا الخاصة والعامة والتي يتسابق فيها كل من يحضرها على تقبيل خشوم بعضهم بعضًا والمبالغة احيانا في ذلك، ثم ما يلي ذلك من إهمال خلال تقديم ضيافة المشروبات وبالذات القهوة والشاي والتي قد يمر فنجالها على عدة أشخاص بدون أن يغسل بفاعلية، ثم يأتي وقت المأدبة والتي يتجه إليها المدعوين بدون غسل أيديهم و يتسابق الغالبية العظمى من الآكلين للأكل باليد التي لَم تغسل من الصحن الرئيسي الذي يربض عليه المفطّح حتى وأن وجد أمامهم ملاعق وشوك و أطباق تمكن كل منهم من إغتراف طعامه في طبقه، بل الأخطر من ذلك كله أن البعض يصر على خدمة من يجلس حوله بتقطيع اللحم لهم باليد التي يأكل بها ويضعها في فمه ولم يغسلها قبل الأكل أصلاً . تلك فقط لقطة واحدة من مسلسل مزعج لأسلوب حياة نمطية نعيشها بصفة عادية يمكن أن نقارنه مع ما نشاهده ونقرأه مما يحدث في الصين مثلاً من إجراءات احترازية و وقائية معقدة وقاسية فرضتها ضرورات مكافحة الوباء شملت فرض متطلبات صارمة على الأصحاء و تقليص الاحتكاك المباشر بينهم ما أمكن، و عزل بين المصابين حتى عن أسرهم ومنع الأصحاء من الاختلاط بهم و حصر التعامل مع ناقلي الفيروس أو المشتبه فيهم بنقله على ( الريبورتات) في مجمل عمليات التواصل معهم أو خدمتهم بما في ذلك إجراءات تشخيص المرض وعلاجه و تغذية المريض وخدمته وكافة شؤونه، ومن تلك المقارنة يتضح جلياً مدى عمق الهوة التي تفصل بين سلوكياتنا وسلوكياتهم ، ويتجلى لنا بوضوح حجم الخطر المحدق بنا من استهتارنا و تواكلنا فيما لو تعرضنا لما تتعرض له الصين اليوم من خطر، مما يستوجب على القدوات من أمراء و مسؤولين و مشايخ وشيوخ و مدرسين و مثقفين وآباء وأمهات أن ينبهوا إلى تلك السلوكيات الخاطئة وأن يبدأ كل منهم بنفسه في نبذها و رفضها و التنبيه عن خطورتها بما يطور سلوكنا لنكون أهلاً للتصدي للخطر الداهم، هذا إذا كنا حريصين على مساعدة أنفسنا و وطننا والعالم، وجادين في التصدي لهذا العدو المشترك وهزيمته إن شاء الله . مساعد المدير العام للأمن والسلامة بالخطوط الجوية السعودية “سابقاً”
مشاركة :