خرجت اليونان، أمس الاثنين، رسمياً من برنامج الإنقاذ المالي الدولي الثالث والأخير؛ وذلك بعد ثماني سنوات من الاعتماد على قروض الإنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي؛ للخروج من أزمتها المالية. وكانت اليونان قد اتفقت مع الدائنين الأوروبيين على حزمة القروض الثالثة بقيمة 86 مليار دولار، وفقاً لقواعد آلية الاستقرار الأوروبية عام 2015.وكان المانحون الدوليون، وبينهم صندوق النقد الدولي قد تدخلوا لإنقاذ اليونان من الإفلاس؛ بعد تفجر أزمتها المالية عام 2010؛ حيث حصلت أثينا منذ ذلك الوقت على قروض بقيمة 289 مليار يورو (330 مليار دولار).مقابل هذه القروض، التزمت اليونان بتطبيق حزمة من إجراءات التقشف، ما أدى إلى انخفاض متوسط دخل المواطن اليوناني العادي بمقدار الربع. في الوقت نفسه، انكمش إجمالي الناتج المحلي لليونان؛ بعد تفجر الأزمة من 354 مليار دولار عام 2008 إلى 194 مليار دولار في 2016. ومن المنتظر أن تحدد الأسواق المالية خلال الشهور المقبلة، ما إذا كانت نهاية برنامج الإنقاذ المالي الدولي تعني نهاية الأزمة المالية لليونان أم لا.في الوقت نفسه، فإن اليونان رصدت احتياطاً مالياً قدره 25 مليار دولار؛ لتمويل احتياجاتها المالية خلال العامين المقبلين، بغض النظر عن مدى تأثير أسعار الفائدة على أقساط الديون، التي تسددها أثينا.وبالمناسبة، قال مفوض الشؤون الاقتصادية الأوروبي بيير موسكوفيتشى، إن الانتهاء الناجح لحزمة الإنقاذ الثالثة والأخيرة لليونان، يمثل نهاية أزمة «وجودية» لكتلة اليورو. وأضاف في بيان «بالنسبة لليونان وشعبها، هذا يمثل بداية فصل جديد؛ عقب ثمانية أعوام صعبة بوجه خاص بالنسبة لمنطقة اليورو، فهو يضع خطاً رمزياً أسفل أزمة وجودية». وأوضح أنه يجب «الحفاظ» على أجندة الإصلاحات المكثفة لليونان، حتى يتسنى لشعب اليونان جني مزايا التضحيات، التي قدمها. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «الشعب اليوناني واجه التحديات بشجاعة وإصرار مميزين»، مضيفاً «طالما جاهدت من أجل أن تبقى اليونان في قلب أوروبا».تخرج اليونان من آخر خطط المساعدات المطبقة منذ 2010، وهي أفضل حالاً؛ لكنها لا تزال تعاني تبعات ثماني سنوات من التقشف، فيما الأكثر شباباً فيها لا يذكرون كيف كانت الأوضاع «من قبل». وبعد البرتغال وإيرلندا وإسبانيا وقبرص، كانت اليونان آخر دول منطقة اليورو، التي لا تزال قيد المساعدة الأوروبية منذ الأزمة الاقتصادية، التي عرفتها هذه المنطقة. وتلقت على مدى ثلاث خطط متتالية في 2010 و2012 و2015 قروضاً بقيمة 289 مليار يورو، غير أن الإصلاحات، التي طالب بها صندوق النقد الدولي والسلطات الأوروبية في المقابل أنهكتها، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة الربع خلال ثماني سنوات، ولم يستأنف النمو إلا عام 2017، فيما تدنت نسبة البطالة للتو عن 20%؛ بعد تسجيل ذروة قدرها 27,5% في 2013. وأقر المدير العام ل«آلية الاستقرار الأوروبية»، التي تدير البرنامج الحالي كلاوس ريغلينغ، بأنه سيكون «من غير الصحيح القول إن كل شيء أنجز على ما يرام»، في مقابلة أجرتها معه نشرة «شبيجل أونلاين» الإلكترونية الألمانية. وأعرب ريغلينغ عن «احترامه الهائل» لليونانيين، الذين خسر معظمهم ثلث رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية خلال الأزمة. ويرى العديد من الخبراء على غرار الاقتصادي لدى مصرف «يوروبنك» تيودوروس ستاماتيو، أن خطط المساعدة كان «لا بد منها» في بلد تأخرت فيه الإصلاحات كثيراً، غير أن تبعاتها كانت في غاية القسوة. وحاول رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس من حزب سيريزا اليساري الراديكالي مع وزير ماليته آنذاك يانيس فاروفاكيس تليين شروط البرنامج الثاني عند وصوله إلى السلطة في يناير/كانون الثاني 2015؛ لكن بالرغم من «لا» حازم من اليونانيين للدائنين في استفتاء شعبي، اضطر تسيبراس في نهاية الأمر إلى التوقيع على خطة المساعدة الثالثة في يوليو/تموز التالي؛ لتفادي خروج اليونان من اليورو. يبقى أن البلد الذي حقق في 2016 و2017 فائضاً في الميزانية خارج خدمة الدين بحوالي 4%، يتخطى بكثير مطالب الجهات الدائنة، لم يتحرر بالكامل من قيود دائنيه، واضطر إلى إقرار إصلاحات مسبقاً للعامين 2019 و2020 وسيبقى قيد المراقبة لعدة سنوات. (أ.ف.ب)الكابوس المستمريبقى السؤال مطروحاً عما إذا كان من الممكن احتمال خدمة هذا الدين الذي لا يزال يمثل 180% من إجمالي الناتج الداخلي اليوناني على المدى البعيد. ويشكك صندوق النقد الدولي في أن يكون بإمكان أثينا الإيفاء بأعباء ديونها، وقد قرر عدم المشاركة في خطة المساعدات الثالثة بعدما عجز عن إقناع الدول الأوروبية بتخفيف ديون اليونان. وتفضل الحكومة اليونانية التركيز على احتياجات التمويل السنوية التي ستبقى بفضل إدارة الدين أقل من 15% من إجمالي الناتج الداخلي في الأمد المتوسط، ثم عشرين بالمئة بعد ذلك وهي نسبة تعتبرها أوروبا كبيرة. وقال مسؤول إن «الدين اليوناني ليس فقط لا يمكن تحمله بل سيستمر طويلا». وترى الحكومة أنها قادرة على الإيفاء بالتزاماتها حتى نهاية 2022 ويمكن أن تسمح لنفسها باختيار الأوقات المناسبة للجوء إلى أسواق المال.وقال ريغلينغ لمجلة «دير شبيغل اونلاين» إن «أزمة اليورو انتهت والعشرون من آب/اغسطس هو خاتمتها». لكن تحسن الأرقام الاقتصادية لا ينعكس فعليا على اليونانيين. الضرورة الملحة لتسجيل «نمو قوي جدا» في السنوات المقبلة يتجاوز 2% المتوقعة بشكل عام «وإلا ستتواصل معاناة العائلات». وفي هذا الإطار من الصعب على اليونانيين الإشادة بنجاح لتسيبراس خصوصاً بعد الحريق الذي أودى بحياة 96 شخصاً بالقرب من أثينا، ولخصت صحيفة «تا نيا» الشعور السائد قائلة «في الساعة صفر من 21 آب/أغسطس تنتهي خطة المساعدة ويستمر الكابوس».تهنئة أوروبية للشعب اليونانيأشاد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أمس الاثنين بخروج اليونان رسمياً من برنامج الإنقاذ المالي الدولي الثالث والأخير بالنسبة لها، وذلك بعد ثماني سنوات من الاعتماد على القروض الدولية، بهدف إنقاذ الدولة من أزمتها المالية وإبقائها في منطقة اليورو.وكتب رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، على تويتر «لقد فعلتموها... أقدّم التهنئة لليونان وشعبها على إنهاء برنامج المساعدات المالية. مع الجهود الضخمة والتضامن الأوروبي، اغتنمتم الفرصة».ومن ناحيته قال رئيس وزراء مالية منطقة اليورو في مجموعة اليورو، ماريو سنتينو، الذي يشرف أيضاً على صندوق الإنقاذ المالي التابع للكتلة التي تضم 19 دولة: «للمرة الأولى منذ أوائل عام 2010، يمكن لليونان أن تقف على قدميها».وأشاد سنتينو ب«الجهد الاستثنائي الذي قام به الشعب اليوناني»، مشيراً إلى أنه أخذ «فترة أطول بكثير من المتوقع» لكي يتعافى البلد من أزمته.ومع ذلك، فإن صندوق الإنقاذ «آلية الاستقرار الأوروبية» حذر أيضاً من «تحديات كبيرة» لا تزال تواجه أثينا.وكتب صندوق الإنقاذ أنه يجب على اليونان أن تستمر في بذل الجهود من أجل «تحرير الاقتصاد، وإنشاء إدارة عامة فعالة، فضلاً عن بيئة صديقة للأعمال التجارية»، مع الإشارة إلى أن البطالة ظلت مرتفعة للغاية ( 5. 19% في أيار/مايو).وتشمل الإصلاحات البارزة خطوات يحتمل ألا تلقى شعبية تهدف لتحديث أنظمة التقاعد والرعاية الصحية في اليونان، بالإضافة إلى المزيد من جهود الخصخصة. ومن المنتظر أن تحدد الأسواق المالية خلال الشهور المقبلة، ما إذا كانت نهاية برنامج الإنقاذ المالي الدولي تعني نهاية الأزمة المالية لليونان أم لا. (د. ب. أ)
مشاركة :