نعم، وبدون شك، سنفرح بتشكيل الكتلة الأكبر من خارج معسكر نوري المالكي وهادي العامري وحلفائهما المستظلين بخيمة الولي الفقيه، رغم علمنا بأن ذلك لن يمر بسلام، وقد لا يكون. فإيران الخائفة جدا من احتمال خروج السلطة العراقية من أيدي وكلائها استخدمت جميع أساليبها، بحلالها وحرامها، من أجل أن تُبطل مفعول أي تكتل غير تكتل وكلائها، حتى قيل إن قاسم سليماني لم يتورع عن استخدام سلاح الترهيب والابتزاز، بوقاحة وقلة حياء، فهدد بعضا من السياسيين السنة والكورد بنشر ملفات فسادهم إن هم أصروا على الانضمام إلى تكتل “سائرون”. وليس هذا وحسب، بل دخلت قطر على الخط، نجدةً لحليفتها إيران، وأمرت وكلاءها العراقيين السنة بأن يتراجعوا عن دعم أي تكتل غير تكتل الفتح الإيراني، وبأن يتصالحوا مع منظمة بدر وميليشيات الحشد الشعبي، وأن يوقفوا جميع خطابات فضائياتهم العروبية والقومية الساخنة، وأن يدوسوا على كل بيانات مؤتمراتهم ومهرجاناتهم السابقة التي ظلوا سنوات عديدة يُشهّرون فيها بعمالة هادي العامري وحليفه نوري المالكي ويدعون فيها إلى ثورة الأمة “العربية” “السنية” ضد الاحتلال “الفارسي” “المجوسي” وأدواته العراقية. وعفا الله عما سلف. أما الخوف فمما سيكون بعد أن يتسلم أحد الفريقين السلطة، ثم يشمر الفريق الخاسر عن سواعد مجاهديه، وتبدأ الضرب تحت الحزام، ويبقى الوطن رهينة كما كان في طول السنين العجاف الماضية وعرضها، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. ولأن السيء أفضل من الأسوأ فسوف نبتهج بانتصار ائتلاف “سائرون” ومحازبيه ونجاحه في تشكيل الكتلة الأكبر، وذلك لأن فيه نُوابا نعرفهم جيدا ونثق بنزاهتهم ووطنيتهم، رغم أنهم قلة وسط بحر من المتمرسين بأساليب الغش والسرقة والاختلاس. فحتى في تكتل “سائرون” نفسه سياسيون محترفون مُعتَّقون ساهموا بصنع قسط كبير من فساد حكومات السنين السابقة، حتى هتفت الجماهير الغاضبة ضد فسادهم وسطوهم على ممتلكات الدولة وأموالها. وأيا سيكون الحاكم، وأيا سيكون معارضوه، فإن الذي ثارت الجماهير الغاضبة من أجله، لم يتحقق. فقد بقي رئيس الجمهورية كورديا، ورئيس الوزراء شيعيا، ورئيس البرلمان سنيا، وظلت مناصب الدولة محجوزة ومرهونة بأسماء أصحابها، كلٌ حسب طائفته وقوميته ودينه، وتبعا لحجم سلاحه، ومقدار أمواله، وقوة الدولة التي تقف وراءه من وراء الحدود. وهذا معناه أن كل مقالاتنا وتعليقاتنا الباكية الناعية اللاطمة، وكل هتافات جماهيرنا الغاضبة، وكل خطب وكلاء السيستاني ذهبت أدراج الرياح، وعَوضُنا على الله. والحل، لا يمكن اختصاره بوزارة تُرضي عمار الحكيم ومقتدى الصدر وحيدر العبادي وإياد علاوي وسفارة أميركا وأصدقاءها وحلفاءها العراقيين، وتغيظ نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وقاسم سليماني. بل الحل هو أن تُثبت الحكومة الجديدة للشعب العراقي، صاحب المصلحة الحقيقي، من أول أيامها، أنها عازمة، على إنقاذ حاضره، وضمان غدٍ أفضل لأجياله القادمة، وإقامة دولته المنتظرة، دولة المواطنة والعدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية غير المغشوشة، بعيدا عن وصاية المرجعيات الدينية والقبلية في الطائفتين، وبعيدا عن جميع السياسيين الذين صنعوا الكارثة، أو ساهموا في صناعة جزءٍ منها حين سكتوا عن الحق، وهادنوا صانع خراب البيوت. لكن هذا لن يكون؛ فلن تسمح إيران وميليشياتُها ومخابراتها وسفارتُها ومعها أموال حليفتها قطر تميم بأن تقتحم حكومة عراقية، أية حكومة، قصور نوري المالكي وولده أحمد وهادي العامري وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس وفالح الفياض، وتسوقهم إلى ساحة العدالة، وتطرد قاسم سليماني، وتلاحق كل من ضرب وهرب، حتى لو كان في بطن حوت. بعبارة أوضح، إن العملية السياسية التي اختار فرسانها السيدان، الأميركي والإيراني، ولدت فاسدة، وظلت فاسدة، ويبدو أنها ستظل فاسدة أربع سنوات قادمة أخرى، وكان المؤمل أن تهدمها ثورة الجماهير الغاضبة على رؤوس أصحابها، وأن تواريها التراب. أليس إكرام الميت دفنه؟ ولكن يبدو أنْ ليس في الإمكان أشرف وأنظف مما كان، على الأقل في السنوات الأربع القادمة، وعوضنا على الله.
مشاركة :