ها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترف بأن الجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية، ضاربا عرض الحائط بكل القرارات الدولية والأعراف الدبلوماسية، بعد أن كان اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام 2017، وربما لن ينهي ولايته قبل أن يجد طريقة ينهي فيها السيادة الفلسطينية «الصورية» على قطاع غزة والضفة الغربية. لماذا لا يفعل؟ وما الذي يمنعه؟ إنه تاجر لا ذاكرة سياسية له، ربما يستغرق منه التفكير في اتخاذ القرار وقتا أقل من الوقت الذي يستغرقه توقعيه -ذو الشكل العجيب- على ذلك القرار. الرد الرسمي العربي على قرارات ترامب تلك متأخر ومتواضع ومخجل، ومن المضحك هنا أن نتحدث عن رد جامعة الدول العربية المسكينة، فالحكومات العربية لديها مشاغلها الخاصة، وليست في وارد تحدي ترامب، حتى على الصعيد الإعلامي، وأقول صراحة إنه ما من أحد يتوقع أو يعول عليها الكثير. لكن المؤسف أكثر هنا هو رد الشعوب العربية، لم تخرج مظاهرات رافضة لهذا القرار لا في الدول العربية «القومية» مثل الجزائر أو مصر أو السودان، ولم تخرج مظاهرات حاشدة في سوريا نفسها. يبدو أن الشعوب العربية لديها أيضا مشاغلها الخاصة وأولوياتها المختلفة هذه المرة، فالسوريون ما زالوا مشغولين بحرب أنهكتهم، والجزائريون في الشوارع للمطالبة بتغييرات سياسية، وكذلك السودانيون، والمصريون لديهم قضايا المعيشة والاستقرار، كما أنه لدى اليمنيين والعراقيين والليبيين ما يكفيهم من حروب وصراعات. هل بتنا كحكومات وشعوب عربية بحكم الموتى بالفعل؟ وأصبح ينطبق علينا المثل القائل «إكرام الميت دفنه»؟! ما من أحد يجادل في انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل على حساب العرب، وإسرائيل أساسا لم تكن لتصبح بهذه القوة والعنجهية لولا الدعم الأمريكي اللامحدود لها بالسلاح والمال والسياسية منذ منتصف القرن الماضي، ولكن لطالما حافظت تلك الإدارات على موقع ما يمكن من خلاله أن تكون وسيطا بين العرب وإسرائيل بشكل أو بآخر، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي ربما تكون ضامنا لأي اتفاق سلام. حدث ذلك إلى أن جاء ترامب، الذي نفذ وينفذ كل ما تعهد به في برنامجه الانتخابي تجاه إسرائيل. لقد عرف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كيف يستثمر ترامب لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة خلال فترة ولايته. لن ننتصر كعرب بالغناء، ولا بالدعاء، وربما يحقق كل واحد فينا نجاحات هنا وهناك على الصعيد الشخصي، لكننا نخسر بالمجموع، وأنا هنا لا أتحدث عن المفاهيم الكبيرة مثل غسل العار ودحر الغزاة واسترداد الكرامة والفخر بالعروبة، فهذه أمور ربما استهلكناها منذ زمن، وإنما اتحدث عن تحقيق مصالح أمتنا وبناء مستقبل أفضل لأبنائنا، لا أن نبقى كالأعرابي الذي يحمل خيمته على ظهره باحثا عن الكلأ والماء، فإذا جفت ترك أرضه ورحل طالبا رغد العيش في مكان آخر. إن التعامل وفق مبدأ «الندية السياسية» يضمن لنا كرامتنا كعرب. لدينا لا شك مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، لكن هذه المصالح يجب أن تبنى على مبدأ التكافؤ، ولنا في سياسية بكين مع واشنطن مثالا يحتذى، حيث تتسم تلك السياسة بالمرونة في ملف والتشدد في ملف، وبات ترامب يعرف أنه ليس من السهل تمرير قرارته المضرة بالصين على النحو الذي يحلو له. لكن إذا قمنا بجردة حساب حول ما قدمه ترامب لنا كعرب في الخليج العربي أو الأمة العربية، سنجد أن حصيلة ذلك تقارب الصفر، حتى العقوبات الاقتصادية التي فرضها على إيران لا تبدو ذات جدوى، ولم تثن إيران عن تدخلاتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، ولم تصبح إيران عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي. لقد خسرنا كثيرا خلال ثمانية سنوات من حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ووصلت الأمور إلى الحضيض عندما زار أوباما المملكة العربية السعودية واستقبله في المطار أمير الرياض فقط، في تعبير عن مدى الاستياء من سياساته التي راهنت على الإسلام السياسي في تركيا وإيران ومصر وقطر وغيرها، وأسفرت عن دخول المنطقة في أتون صراعات دامية لا زلنا نعيش تبعاتها السلبية حتى الآن.لكن هل عهد خليفته ترامب أفضل؟ أشك في ذلك، فالرجل أساء لنا كثيرا في تصريحاته، وينظر لنا كبقرة حلوب، تقع علينا مسؤولية نمو الاقتصاد الأمريكي وخلق الوظائف للأمريكيين، وكأننا مجرد بنك يغرف منه ما يشاء متى يشاء. أعتقد أن مشكلتنا هي أننا ما زلنا نفكر ونتصرف وكأننا نعيش عصر جورج بوش الأب، عندما حرك قواته لتحرير الكويت من الغزو الصدامي، وهذا كان جيدا بشكل عام، لكن خليفته جورج بوش الابن واصل تلك السياسية بشكل عنتري، فدمر العراق وقدمه لقمة سائغة لإيران، وأضعف باكستان، سند العرب والجار القوي لإيران، وأدخل بلاده في دوامة ديون نتحمل الآن جزءا من مسؤولية سدادها. أمريكا دولة مصالح، لا تبني سياستها الخارجية على العواطف والمناشدات، ومع وصول ترامب إلى السلطة ظهر ذلك جليا إلى أبعد حد، فأين مصالحنا نحن كعرب، وكيف نبنيها، وكيف نكون مؤثرين وكلمتنا مسموعة على الساحة الدولية؟ اعتقد أننا بأمس الحاجة الآن إلى وقفة جريئة صادقة مع ذاتنا، ولدينا كل الإمكانيات والموارد لنعود أمة تُحتَرم ويخشى جانبها، ما ينقصنا فقط هو الإرادة، لا أن ننتظر أربع سنوات بعد أربع سنوات في انتظار رئيس أمريكي يتفهم حقوقنا ويعطف علينا. * رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسيفن القابضة
مشاركة :