يقدم الشاعر المصري عزمي عبدالوهاب في كتابه “وجوه تطل من مرايا الروح” قراءة في سير ذاتية مصرية وعربية لعدد من الكتاب المؤثرين. قسم المؤلف كتابه إلى عدد من المحاور مبتدئا بحثه من داخل السياق بصورة ما، ليتطرق إلى شعراء الحزن والموت المقيم، وإلى مفكرين ونقاد في المعركة، كما يبحث في سير عربية صعبة، وفي سنوات المصادرة والسجن والدم، ليختتم بحثه حول نساء في وجه العاصفة. يبدأ الكتاب، الصادر عن منشورات بتانة، بمقدمة يشير فيها عبدالوهاب إلى غرامه بالتفاصيل، فقد كان همه هو البحث عن الجانب الخفي والمفارقات المفصلية على المستوى الإنساني والروحي والفكري في حياة هؤلاء الشعراء والكتّاب والمفكرين، الذين يضمهم الكتاب. ويقول المؤلف إن كتاب “حياتي في الشعر” لصلاح عبدالصبور، من أهم الكتب التي تناولت السيرة الفكرية لعبدالصبور. مستطردا “يمتلك صلاح عبدالصبور رحابة إنسانية تجعله متصالحا مع نفسه، وإذا كانت نصوصه تعكس معضلة وجودية، فإن ذلك متن مشكلته مع العالم، لا يكتب عبدالصبور سيرته الذاتية، لكنه يكتب سيرة عقل وقلب، حاول بهما أن يفهم نفسه أولا، ومن ثم العالم”. ويرى عبدالوهاب أن كتاب “ورشة الأمل” للشاعر البحريني قاسم حداد سيرة استثنائية، مكتوبة على نحو غير تقليدي، وبحسب عزمي، فإن حداد قدّ خداعه حين كتب على غلاف كتابه “سيرة شخصية لمدينة المحرق” فالحقيقة أن حداد حين يكتب عن المكان يكتب عن نفسه، فهو أيضا، لمن يعرفه أشبه بمدينة الأبواب المفتوحة دائما وكأن تلك المدينة كانت اقتراح المستقبل الإنساني بالنسبة لأجيالنا. أما الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي في كتابه “تجربتي الشعرية” الذي وجده عزمي عبدالوهاب معروضا للبيع على أحد الأرصفة في شارع بالقاهرة، وكان الإهداء بخط الشاعر إلى أحد أصدقائه. ويقول عبدالوهاب في هذا الكتاب لم يضع البياتي تعريفا للشعر، ولا يهدف إلى تحديد مكان الشعر في العالم، وإنما ما يريده أن يحدد مكان الشعر في نفسه. مواقف إنسانية خاصة بشخصية عرفها عزمي عبدالوهاب المفارقات المفصلية لكتاب مؤثرين وأوضح عزمي أن البياتي أشار في كتابه إلى أنه إذا كانت الطفولة والوراثة قد حكمت على بعض الشعراء بالموت المبكر، فإن طفولته قد حكمت عليه بالصمت والرحيل والانتظار. فمنذ عام 1926، وهو عام مولده، وهو في طريقه إلى المدينة التي لم يصلها. ويصف عزمي عبدالوهاب كتاب “أوراق العمر” سيرة الدكتور لويس عوض بأنها الأجرأ في أدب الاعترافات العربي، في حين رأى كثيرون أن لويس عوض كان جريئا في كشف عورات الآخرين. لكن السيرة في كل الأحوال تكشف لنا سنوات التكوين التي شكلت مثقفا وناقدا كبيرا مثل لويس عوض. أما المغربية فاطمة المرنيسي في سيرتها “نساء على أجنحة الحلم” فيرى أنها بدأت بالحديث عن الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة التي تعلمتها من والدها، وهي أيضا، أي الحدود، كانت كلمة السر في المعرفة والتمرد، على أوضاع اجتماعية وسياسية. ويقول عزمي عبدالوهاب إن الدافع الرئيس لكتابة إدوارد سعيد مذكراته “خارج المكان” حاجته إلى أن يجسر المسافة في الزمان والمكان بين حياته لحظة الكتابة وحياته بالأمس، فهو يرغب فقط في تسجيل ذلك بما هو واقع دون أن يعالجه أو يناقشه، علاوة على أن انكبابه على مهمة تركيب زمن قديم وتجربة قديمة قد استدعى شيئا من البعاد ومن السخرية في الموقف والنبرة. وبحسب عبدالوهاب كانت الجغرافيا في مركز ذكريات سعيد، من مغادرة ووصول ووداع ومنفى وشوق وحنين إلى الوطن وانتماء. ويرى عزمي عبدالوهاب أن المفكر هشام شرابي انطلق في كتابة “صور الماضي” من خلفية كلما اقتربنا من المرحلة الأخيرة من حياتنا يزداد تذكرنا للماضي، فيتقلص المستقبل. شرابي الذي وجد نفسه فجأة قد تجاوز منتصف الستينات من العمر، ولم يكن أمامه سوى التفتيش في ماض كان يمتلكه، وعليه أن يتقصى معالم الحياة، التي عاشها في غفلة من نفسه، فهو لا يخاف تلك المرحلة الأخيرة من العمر، التي اكتشف خلالها أن المستقبل مهدد بالمغيب، لقد اكتشف أنه قد تحرر من عبودية المستقبل، ومن رغبات الجسد وشهوة الشهرة، وجاه المركز، لقد وجد في نفسه رغبة جارفة في العودة إلى الماضي بعد أن أعلمه الطبيب بأن هناك بدء سرطان في الغدة، ويجب إجراء فحوص للتأكد من أن السرطان لم ينتشر في الجسم.
مشاركة :