النمو واتباع السياسات السليمة «1 من 2»

  • 8/24/2018
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

مع اتساع الاقتصاد العالمي بشكل كبير ومتزامن منذ عام 2010، والتنبؤات بمزيد من المكاسب لهذا العام والعام المقبل، يجدر بنا استخلاص أن المخاطر الاقتصادية قد انحسرت، وأننا بصدد وضع طبيعي جديد من النمو الصحي. وبالطبع، فإن الاقتصاديين دائما يرون المخاطر في الأفق نظرا لتراكم مواطن الضعف المالي، أو الحمائية التجارية، أو كوارث جغرافية سياسية متنوعة. أما الخطر الذي يرونه دائما فيكمن في تهاون صناع السياسات، وفشلهم في التركيز على الإصلاحات اللازمة لإرساء أساس للنمو المستدام. وظل الاقتصاديون فترة طويلة يعتقدون أن تحسين جانب العرض من الاقتصاد من العوامل الأساسية لتحقيق نمو مستدام، وذلك عن طريق تخفيض الحواجز التي تعرقل الدخول إلى أسواق المنتجات، وجعل أسواق العمل أكثر مرونة من أكثر الأمثلة البارزة على ذلك. ولذلك، هناك كثير من التأكيد داخل صندوق النقد الدولي وغيره، بشأن المشورة المتعلقة بالسياسات لإزالة الحواجز أمام حركة السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود، وتحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال التحرير وإلغاء القيود التنظيمية. ومن خلال الأعمال التي تمت منذ عدة سنوات هناك دعم قوي لفكرة أن الإصلاحات الهيكلية حققت مزايا كبيرة للنمو الاقتصادي، منها أن تستثمر الشركات في الخارج مزيدا من رأس المال؛ نظرا لتحسن بيئة الأعمال، كما تستفيد الشركات المحلية من توافر سبل أسهل للحصول على الائتمان، وتحويل الشركات أيضا رأس المال إلى استخدامات أكثر إنتاجية؛ نتيجة إزالة مظاهر الدعم والتعريفة المشوهتين، فضلا عن انعكاس تحسن آفاقها على ارتفاع التصنيفات الائتمانية، التي تسمح لها بالاقتراض بتكلفة أقل، كما أن هذه القوى نفسها قد تساعد نوبات "في جعل النمو أكثر صلابة، بما يسهم في إطالته، ويعد هذا تحسنا في استدامة النمو"، النمو المتواصل بالغ الأهمية: فلا يمكن سد الفجوات في دخل الفرد بين الاقتصادات النامية والمتقدمة إلا عندما تمتد نوبات النمو على مدار أعوام أو عقود، فإعطاء دفعة للنمو أسهل بكثير وأكثر شيوعا من الحفاظ على النمو المستدام. شرع الاقتصاديون وصناع السياسات منذ وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008 في التساؤل عما إذا كانت السياسات على جانب العرض وحدها تستطيع أن تكفل نموا مستداما، منوهين إلى الدليل المتزايد على أن النمو يميل إلى أن يصبح أكثر هشاشة وأقل صلابة عندما يفتقر إلى الشمول، وتذهب ثماره بشكل أساسي إلى الأغنياء. وقد يرجع ذلك لأنه عند حدوث صدمات معاكسة نجد المجتمعات التي يزداد فيها عدم المساواة تعاني قلة الدعم المقدم لذلك النوع من السياسات التي تعيد دفة الاقتصاد إلى المسار الصحيح، وذلك لأن الألم قصير المدى لا يثمر مكاسب طويلة الأجل تتم مشاركتها على نطاق واسع. وقد يرجع ذلك أيضا ببساطة؛ لأن هذه المجتمعات لا توفر فرصا متكافئة للحصول على التعليم والرعاية الصحية والأغذية المغذية، والأسواق الائتمانية، حتى العملية السياسية "باختصار، المساواة في الفرص" بما يجعلها أقل صلابة بشكل عام. وقد أشار الاقتصاديون، بمن فيهم راجورام راجان، وجوزيف ستيجليتز إلى تزايد عدم المساواة في عديد من البلدان باعتباره السبب الأساس وراء أزمة عام 2008، وسبق لي أن كشفت عن أن احتمالات الاستسلام للتراجع الحاد كانت أكبر في البلدان التي شهدت عدم مساواة مرتفعة أو متزايدة إبان الأعوام والعقود التي سبقت الأزمة، "دراسة Berg and Ostry 2017". ونوضح من خلال دراسة Ostry, Loungani, and Furceri 2018، أن ثقة صناع السياسات بقدراتهم على المضي قدما في النمو من خلال التدابير على جانب العرض، والتعامل مع المسائل ذات الأثر التوزيعي فيما بعد لهو رهان خطير، وأنه ينبغي لهم بالأحرى التركيز في الوقت نفسه على حجم الكعكة وتوزيعها. وأنا أطلق على ذلك وجهة نظر ذات أثر توزيعي كلي على المدى القصير. تعرض الاقتصاد والاقتصاديون "ليس صندوق النقد الدولي فحسب، بل بشكل عام" للانتقاد الحاد عقب الأزمة؛ لأن نماذجهم لم تولِ اهتماما كافيا بالروابط بين التمويل والاقتصاد العيني - بين وول ستريت، ومين ستريت - لاستخدام أسلوب التعبير الشعبي، أو الروابط المالية الكلية في اللغة الاصطلاحية للاقتصاديين. ورغم ذلك أرى أن الاهتمام غير الكافي بالروابط ذات الأثر التوزيعي الكلي، وبين حجم الكعكة ونصيب كل أسرة من الكعكة كان مهما فحسب، وبينما يؤكد الاقتصاديون مخاطر الركود المزمن "نقص مطول في إجمالي الطلب ونمو اقتصادي مهمل" في أعقاب الأزمة، نجد أن مخاطر الإقصاء المزمن "عند استحقاق النمو فقط لدى الأشخاص عند قمة توزيع الدخل" في عديد من البلدان - واضحة بشكل خاص. وفي حالة جمود الدخول الوسيطة، وزيادة حدة استقطاب الدخل، فإن هناك حتى مخاطرة الدورة المفرغة بين الركود المزمن والإقصاء؛ نظرا لافتقار الأشخاص عند أسفل توزيع الدخل للموارد اللازمة لدعم الطلب والنمو. عبر الاقتصاديون عن استيائهم بشكل عام بشأن الاهتمام بمسائل الأثر التوزيعي، وتعود تلك النزعة على الأقل إلى تاريخ نشر الكتاب بعنوان "الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية"، الذي أصدره جوزيف شامبيتر عام 1942 علاوة على أنها واضحة في الأعمال الحديثة لروبرت لوكاس الحائز جائزة نوبل، الذي كتب عام 2003 أنه من بين جميع التوجهات المضرة بالاقتصاد السليم، أرى أن التركيز على قضايا التوزيع يعد من أكثر الأشياء إغراء، وأشدها أذى، ويرتكز هذا الرأي على ما يطلق عليه نظرية "الأثر الانتشاري"، التي تفترض أن المد والجزر المرتفعين يحملان جميع القوارب، وبالتالي فإذا تم التأكد من النمو، فلن تكون هناك حاجة إلى القلق بشأن التوزيع، لكن إذا تأثر النمو الصحي سلبا بسبب عدم المساواة المبالغ فيها، فإن صناع السياسات الذين يفتقرون إلى تأنيب الضمير بشأن الآثار الأخلاقية أو الاجتماعية لعدم المساواة يجب أن يقلقوا بشأن التكلفة الاقتصادية؛ لذا فرؤية الأثر التوزيعي الكلي تتمتع بميزة مستقلة عن الأهمية المرتبطة بعدم المساواة في وظيفة الرفاهية الاجتماعية، التي تربط رفاهية المجتمع بالحجم الإجمالي للكعكة وتوزيعها... يتبع.

مشاركة :