تنطوي رؤية الأثر التوزيعي الكلي على انعكاسات لا تتصل بالطريقة التي يرى بها الاقتصاديون النمو فحسب، بل تتصل أيضا بمشورة السياسات التي نقدمها، والسبب بسيط، هو أن تزايد عدم المساواة لا يهبط ببساطة من السماء، كما أنه لا يمثل على الإطلاق نتاج التغير التقني، الذي يرقى إلى الشيء نفسه، بما أنه ليس هناك مَن يعتزم بجدية استعادة التقدم الفني لكبح جماح عدم المساواة. وبدلا من ذلك، وحسب دراسات، فإن عدم المساواة مدفوعة إلى حد كبير بالسياسات نفسها التي تمثل الأدوات الأساسية لعمل الاقتصاديين، ولا تشتمل هذه الأدوات على السياسات الاقتصادية الكلية فحسب "مثل تصاعدية النظام الضريبي، أو الإنفاق على البنية التحتية، أو حتى السياسة النقدية من حيث آثارها على أسعار الأصول التي يملكها الأغنياء بشكل أساسي"، بل أيضا التفكير في أنواع سياسات تعزيز العرض التي تمت مناقشتها أعلاه. فالانعكاسات واضحة: عند تصميم مثل هذه السياسات، يجب أخذ بعض تقييمات أثرها في الحسبان ليس على حجم الكعكة فحسب، بل على انعكاسات الأثر التوزيعي أيضا. الفائزون والخاسرون وقد تشير الحجة المضادة إلى أن أدوات سياسة تعزيز العرض ينبغي توجيهها إلى أهدافها الأساسية، التي ترمي على وجه التحديد إلى توسيع حجم الكعكة أكثر منها القلق بشأن من سيفوز ومن سيخسر. ويكمن أصل المشكلة في أن مثل هذا المنهج قد ينتهي إلى إحباط الهدف ذاته الذي ينشده مؤيدوه، وذلك نظرا لأن الإصلاحات تفضي حتما إلى فائزين وخاسرين. حقيقة الأمر، أن معارضة الخاسرين قد تنتهي إلى إحباط قدرة السياسيين على سن الإصلاحات الرامية إلى تعزيز حجم الكعكة. وكما ذكر جان ــ كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية في مقولته الشهيرة "نعرف جميعا ما يجب أن نفعله، إننا فقط لا نعرف كيف يعاد انتخابنا بعد ما قمنا به". وهناك اتساق مع المناقشات حول العولمة، فهي تهدف أيضا إلى زيادة حجم الاقتصاد، ولكن إذا انتهى الأمر بالمستبعدين من العولمة منذ فترة طويلة ومن دون معالجة إلى معارضتها، بل مساندة السياسيين أصحاب التوجهات الأهلانية أو الحمائية، فإن النتيجة المحتملة لن تكون اقتصادا أكبر، ولا توزيعا متكافئا. ومرة أخرى، تعد وجهة نظر الأثر التوزيعي الكلي جوهرية، ليس لتجنب النتائج غير المتساوية المبالغ فيها لأسباب أخلاقية أو اجتماعية فحسب، بل أيضا لضمان أن السياسات التي تشجع نمو الاقتصاد لن تهمل لمصلحة الحمائية. إذا كان للسياسات أثر مادي على عدم المساواة، فإن هذا الأثر يحتاج إلى أخذه في الحسبان في مرحلة تصميم السياسة، وبالطبع ليس هذا هو الحل الأوحد، حيث إنه يجوز إصلاح نتائج الأثر التوزيعي لاحقا من خلال البرامج، لتوزيع الدخل والثروة من جديد عن طريق الضرائب والتحويلات، لتعويض الأثر على المهمشين. ولكن التاريخ يشير إلى أن الحكومات وجدت أنه من الصعب إجراء إعادة التوزيع اللازم عمليا، ونتيجة لذلك، لا يتم إصلاح الآثار التوزيعية لإصلاحات محددة ولسياسات العولمة. إن معرفة ما يجب إصلاحه وكيف، تتطلب السيطرة في البداية على العدالة وآثار الكفاءة لكل من العولمة وسياسات الإصلاح. وشمل عملي مع زملائي أخيرا تقييم الإجمالي والآثار التوزيعية لجوانب العولمة والإصلاحات الهيكلية، حيث توصلنا إلى أن بعض الإصلاحات الهيكلية تتسبب في ظهور مفاضلات النموــ والعدالة. فعلى سبيل المثال، يؤدي انفتاح الاقتصاد على تدفقات رأس المال عبر الحدود إلى زيادة كل من النمو وعدم المساواة. فالانعكاسات لا تتمثل في أن تبعات الأثر التوزيعي يجب أن تسمح بتراجع الإصلاحات أو العولمة، نظرا لمزاياها الكلية الكبيرة في الأغلب، بل يجب أن تتيح الآثار التوزيعية، المعلومات للتصميم المبدئي لحزم الإصلاح وتحسينه تدريجيا لتحقيق توازن أفضل بين الفائزين والخاسرين. ويعد ذلك جوهريا لإضفاء المصداقية على دعاوى أن مكاسب إصلاحات تعزيز العرض والعولمة ستفضي في النهاية إلى مشاركتها على نطاق واسع. ويمكن لصناع السياسات اختيار تصميم لسياسات تعزيز العرض أكثر شمولية، مثل التأكد من أن القطاع المالي المحلي شامل ومنظم تنظيما جيدا، وبالتالي مشاركة مزايا التحرير المالي الخارجي على نطاق واسع عبر الأسر والشركات. أولويات ملحة يشير العمل المتواصل إلى عديد من الأولويات الملحة، التي يبدو - على الأرجح - أنها تؤدي إلى مكاسب في صورة نمو شامل، كما يجب أن تقدم السياسات العامة دعما لدخل العمال المسرحين بسبب التغيرات التقنية أو التجارة، علاوة على تقديم الحوافز والفرص لتعلم مهارات جديدة. كما يجب أيضا أن تضمن السياسات المالية الشرعية - السياسية لنموذج النمو من خلال ضمان أن اللوائح لم يتم وضعها لمصلحة الأغنياء، كما يمكن أن تتضمن الخطوات زيادة الضرائب على الإيجارات والعقارات، والجهود التعاونية عبر نطاقات الاختصاص لتجنب التحايل الضريبي في الشركات، والتعاكس الضريبي، واستخدام الملاذات الضريبية. وينبغي أيضا أن تبذل السلطات جهدا كبيرا لتنظيم الأسواق المالية لمنع المتاجرة الداخلية، وغسل الأموال، وتكفل أن اللوائح تمنع المنافسة غير العادلة ورأسمالية المقربين، سواء في الصناعة أو الخدمات أو حتى في الإعلام. إن مهمة صناع السياسات هي ضمان أن المهمشين لديهم أيضا الفرصة للنجاح في الاقتصاد الحديث مفرط العولمة، وذلك من خلال تصميم الإصلاحات والعولمة، مع الأخذ في الحسبان آثارهما التوزيعية. أما إذا فشلوا، فستخسر الإصلاحات المؤيدة للنمو شرعيتها السياسية، بما يمكن القوى الهدامة المؤمنة بالقومية والأهلانية والحمائية من كسب مزيد من قوة الدفع، وإضعاف النمو المستدام. وسيكون مفتاح النجاح في اتخاذ أعمال وقائية أكثر منها التركيز فقط، أو بشكل أساسي، على التدابير المحسنة الحالية. إن العولمة الشاملة ليست - بالضرورة - هي نفسها العولمة الجامحة.
مشاركة :