طريق دمشق - بيروت سالكة أمام الدراما

  • 12/25/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ليس ثمة تأكيدات على أن المخرجين السوريين الذين انتقلوا للعمل في لبنان قد يغادرون بيروت قريباً. كل المؤشرات والدلائل تشير إلى عكس ذلك. بل أن المرحلة المقبلة قد تشهد «نزوحاً» درامياً أكبر باتجاه هذا البلد الذي لا يخفي أيضاً على لسان منتجيه بالدرجة الأولى حماسته للخبرة السورية وكادرات الدراما والقاعدة التقنية التي تمتعت بها على مدار العقدين الأخيرين. كما أنها لا تخفي الترويج لها عبر تطعيم المسلسلات التي تنتج هنا بنجوم سوريين يمكن من خلالهم توزيع هذه المسلسلات التي يرى بعض القائمين عليها أنها «مسلسلات لبنانية مطعمة بوجوه عربية». ليس الأمر غريباً، إذ لم يعد ممكناً الانغلاق بأي اتجاه. طبيعة البث الفضائي صارت ترفض ذلك. فبغض النظر عن المأساة السورية التي أدت إلى فرز صعب ودقيق بين المعارضة والموالاة، الأمر الذي انعكس سلبية كبيرة على الطرفين، إلا أن المنتج التلفزيوني الجديد (بان أراب) سمح بولادة ممثل تلفزيوني لم يعد مهماً النظر في مواقفه السياسية، بل إن هذا النجم الذي صار يعتمد على تقنيات تمثيلية مكتسبة يعزز من خلالها حضوره، وكأن الأمر تحول إلى نجم عابر فوق السياسة التي خلقت في البدايات نوعاً من الفوضى من حوله، عن طريق ما أطلق عليه يومها «قوائم العار والتخوين». اليوم مع ولادة هذا النوع من الدراما، جاء المخرج التلفزيوني أيضاً الذي يمكنه تحميل «اللاموضوع» موضوعاً درامياً والطواف به عبر المحطات، سواء كان عبر اقتباس قصة فيلم مشهور وتطعيمه بنجوم عرب صار يحتسب معها حصة كل فضائية عربية تتبع لهذا البلد أو ذاك. مؤلف درامي سوري طلب عدم ذكر اسمه قال إنها «لا موضوعات» مختلقة ويمكنها الاستمرار طويلاً بغض النظر عن هوية مخرجها أو مؤلفها. هذا قد يفسر أحياناً مقولات من نوع أن هذه الدراما يمكنها أن توحّد العرب. هذه الفرصة في الوحدة وإن بدت شكلانية وغير واضحة الأسس والمعالم، وغير معقولة في مثل الظروف التي تمر بها المنطقة، إلا أنها تصيب شيئاً من فكرة أن اجتماع الممثلين العرب في مسلسل واحد، أو مسلسلات عدة طالما نادى بها صناع الدراما العرب في مؤتمراتهم واجتماعاتهم الكثيرة، سيكون له انعكاسات إيجابية على هذا الصعيد. في لبنان الذي يحتاج في صناعته الدرامية إلى هذا النوع من التعاون مع المخرجين السوريين، لا يبدو أن الأمر سيختلف لجهة الشغل والبناء على الجسم الدرامي اللبناني. بعض أفضل أنواع التعاون مع ممثلين لبنانيين ولبنانيات ظهر في الدراما السورية، بل أنه تجاوز التعاون مع الدراما المصرية. ظهر واضحاً أن المخرج السوري قادر على مشاركة الممثل اللبناني بليونة أكبر وبتكنيك درامي متطور ومنفتح في الأعمال التي تجمعهم معاً، وظهر أيضاً أن بعض أفضل الأعمال الدرامية السورية التي صورت في فترة الأزمة التي تمر فيها سورية، جرى تصويرها في لبنان، بالاعتماد على التقارب في الطبيعة والبيئة اللتين تقربان البلدين من بعضهما بعضاً. لا ينكر بعض الدراميين السوريين أن فكرة «بان أراب» ليست قابلة للعيش أكثر مما هو متوقع لها، ذلك أن التعاون السوري اللبناني في المجال الدرامي في المدى المنظور سيكون مفتوحاً في زاوية واسعة على أعمال درامية أكثر وضوحاً ومطلوبة للمحطات العربية، وهذا ما يدركه المنتجون اللبنانيون الذين أخذوا يطوعون فكرة الاجتماع بالممثل والمخرج السوري على قاعدة المصلحة المتبادلة. بل إن بعض المؤتمرات الصحافية التي تسبق الإعلان عن بدء تصوير هذا المسلسل أو ذاك صارت تقدم النجم السوري بوصفه «بيضة القبان» في سياق الترويج للعمل المزمع إنتاجه. لا يبدو مما تقدم أن المخرج السوري بدوره سيتخلى عن ركيزة العمل في لبنان، وهي ركيزة مقبولة في المدى المتوسط، المنظور على الأقل. هو يدرك أيضاً أنه مطلوب للمحطات الفضائية العربية، بغض النظر عن كل الإشكالات المحيطة به، وأن الموسم الدرامي السنوي الذي يعاني من تخمة إنتاجية لاحدود لها لن يتخلى عنه بغض النظر عن مواقفه السياسية من أحداث بلاده. وقد ثبت أن المحطات التلفزيونية العربية لا تنظر له بعين الشك والريبة، كما هي حال المنتج السينمائي السوري الذي قسّم المهرجانات السينمائية من حوله، وتوقفت مهرجانات كثيرة عن التعاطي مع مخرجين سينمائيين سوريين تحت ضغط زملاء لهم صاروا يقفون على الجبهة الأخرى، وينددون بهم، وبأعمالهم تحت مسمى انتماءاتهم للنظام ووقوفهم إلى جانبه. ما حدث مع الدراما التلفزيونية مختلف تماماً. بدا أن الرأسمال الذي يدور في صناعتها غير معني بإشكالات المواقف السياسية. كانت الشهية تزداد أكثر فأكثر، مع دوران عجلات الإنتاج في أكثر من مكان. في مصر وفي لبنان. حتى تلك الأعمال التي أنتجت في سورية مطلع الأزمة ظلت مطلوبة، ولم تؤثر فيها إشاعات كثيرة كانت تتردد حول مقاطعة الفضائيات العربية لها. اليوم تبدو الصورة ناصعة وواضحة أكثر. ليس هناك نوايا في السوق الدرامية العربية للتوقف عن التعامل مع الدراما التلفزيونية السورية، والسبب واضح: شهية المحطات التلفزيونية التي لا ترحم، والطلب المتزايد على المنتج السوري بنجومه ونجماته. وساعات البث التي تشطح في الفضاء. لا ينكر مخرجون سوريون مثل سامر البرقاوي والليث حجو وسيف السبيعي، أن الحاضنة الدرامية اللبنانية مهمة في مسيرتهم الفنية. بل أنها أكثر من مهمة. مخرج من طينة حاتم علي يفكر جدياً بالانتقال إلى لبنان في الفترة المقبلة للعمل فيه، بعد أن صوّر الموسم الفائت مسلسل «قلم حمرة». ربما لم يلق هذا العمل الانتباه المطلوب بسبب سوء التوزيع، أو بسبب حسابات خاصة لها علاقة ببعض الفضائيات العربية، الا أن هذا لا ينفي عنه أنه من المسلسلات المهمة على صعيد الشكل والمضمون التي صوّرت بالكامل في لبنان، وأن هامش المناورة الإنتاجية التي أفردت أمامه، لم يكن ممكناً أن يتوفر لولا إطلاقه إنتاجياً من هنا. الصورة الدرامية المتوقعة، انطلاقة درامية مشتركة تخفف من وقع «الدرامات البيضاء» التي يلهث كثر وراءها. في حال الدراما البيضاء، أو تلك التي تصور باللهجة البيضاء المحكية، تبدو المشاريع الموضوعة على قائمة الإنتاج أكثر واقعية من غيرها، ليس بسبب «بان أراب» التي يفضلها بعض المحطات، ولكن بسبب قرب البلدين من بعضهما بعضاً وتقاسمهما الوظائف ذاتها في البيئة والقصص المشتركة، ما قد يخلق أرضية لأعمال لها طبيعة خاصة، لا يمكن التفلت منها إنتاجياً على المدى المنظور. هذا ما يؤكده دراميون سوريون ولبنانيون على حد سواء. ويظل مهماً معرفة تأثير القائمة التي أطلقها وزير العمل اللبناني سجعان قزي أخيراً على وجود الكادر السوري، إذ عدّد من خلالها المهن الخاصة باللبنانيين. هذا أمر مرهون بمدى التطورات التي تشهدها سوق إنتاجية ضخمة ولها شهية واسعة على الإنتاج والتقلب.

مشاركة :